بندر بن سلطان: سأتخلص من الرئيس الأسد حتى لو استعنت بأحقر إرهابيي العالملم يقع معظم المحللين الأميركيين في فخّ «الشهامة» الخليجية ولم يصدّقوا حسن نيات الدول العربية المشاركة في ضرب «داعش». لم يُسحَر العارفون بتفكير السعوديين بصورة الأمير/ الطيّار، ولم يكتفوا بكلام باراك أوباما. واشنطن «ليست وحدها» صحيح، لكن المشاركين إلى جانبها لا يفعلون ذلك للأهداف ذاتها
صباح أيوب – صحيفة الأخبار
قبل أسبوع فقط من الإعلان عن مشاركة السعودية (إلى جانب الإمارات والاردن والبحرين) في الحملة الأميركية على تنظيم «داعش»، أحيا الإعلام ذكرى هجمات ١١ أيلول ٢٠٠١. نُشرت مقالات تذكّر بأن «١٥ شخصاً من بين الـ١٩ المشاركين في الهجمات هم سعوديون»، وأخرى تلوم واشنطن على «عدم محاسبة المملكة كما يجب» بعد تلك الأحداث.
بعض الباحثين استبقوا إعلان التحالف الأميركي ـ السعودي وكتبوا: «فلنكن واقعيين في الشراكة مع السعودية في مواجهة داعش». لورين بلوتكين بوغارت تناولت في صحيفة الكونغرس «ذي هيل» تلك «الشراكة»، وسألت عن «واقعيتها»، مركّزة على «سجلّ السعودية المتفاوت في مكافحة الإرهاب» وعلى جهود المملكة وإنجازاتها في هذا المجال.
بوغارت شرحت أن «القيادة السياسية في البلاد (العائلة المالكة آل سعود) والقيادة الدينية (أتباع الحركة الوهابية المتشددة) تعايشتا في إطار علاقة تكافلية لأكثر من قرنين من الزمن. وقد اعتمدت إحداهما على الأخرى للحصول على الدعم والشرعية في أوساط السكان. وبالتالي فإن ممارسة أي جهة ضغطاً كبيراً على الجهة الأخرى يعرّض سلطة كلا المجموعتين ونفوذهما للخطر». وخلصت الى أنه «في الوقت الراهن، تنظر القيادة السياسية السعودية إلى «داعش» على أنها تشكل تهديداً مباشراً للمملكة». لذا، أضافت بوغارت أنه يجب على واشنطن أن «تحدد منهجية فوائد الشراكة الاستراتيجية مع السعودية ودول الخليج الصغرى وحدودها: فمصالحها السياسية تتلاقى أحياناً مع مصالح الولايات المتحدة وتتباعد عنها أحياناً أخرى». بوغارت وجّهت تحذيرين يجب على واشنطن أخذهما في الحسبان لتحديد منهجية الشراكة تلك وهما:
أولاً، أنه «خارج إطار الحرب على داعش، سيكون من الحماقة التفكير في السعودية كشريك في التوصل إلى حل سياسي عادل ذي طابع ديمقراطي في العراق وسوريا»، وذلك سببه «نفور السعودية من أي أجندة ديموقراطية» (في العراق وسوريا والبحرين).
أما التحذير الثاني فيرتبط بـ«مفهوم السعودية للإرهاب»، إذ «عندما يتعلق الأمر بتحديد الإرهاب، لا تفرّق المملكة بين المسلحين القاتلين والنشطاء السياسيين الذين ينبذون أعمال العنف»، تضيف بوغارت.
تلك الشراكة الأميركية ـ السعودية الجديدة تناولها أيضاً الباحث والمحلل سايمون هندرسن في مجلة «ذي نيو ريبابليك». جوهر «اهتمام» واشنطن بالرياض هو المحافظة على أسعار النفط المنخفضة، ذكّر هندرسن. لكن، في الشراكة حول «مكافحة الإرهاب» عاد الصحافي الى «السلوك السعودي» في هذا المجال والذي «تمثل بإرسال الشباب المتديّنين للقتال في أفغانستان والشيشان والبوسنة وغيرها»، يضاف اليه أخيراً ما قاله الأمير بندر بن سلطان حول الأوامر التي أصدرها إليه الملك عبدالله عندما عيّنه رئيساً للمخابرات وكلّفه مسؤولية التخلص من الرئيس بشار الأسد، واحتواء حزب الله في لبنان، وقطع رأس الأفعى (إيران)، إذ أعلن حينها أنه «سيتّبع أوامر الملك، حتى لو كان ذلك يعني توظيف كل جهادي حقير يمكنه العثور عليه»!
لماذا تشارك السعودية إذاً في ضرب «داعش»؟ يشرح هندرسن أن «آل سعود سيستمرون في محاولة إيجاد توازن بين تهديد الجهاديين قاطعي الرؤوس، وتوجيه نكسة استراتيجية لإيران أيضاً من خلال إسقاط النظام في دمشق». فمن وجهة نظر السعودية، يضيف الصحافي، فإن اجتياح قوات «الدولة الإسلامية» لشمال العراق وغربه «ساهم في إطاحة نوري المالكي في بغداد، وهو الذي اعتبروه دمية في يد طهران»، و«على الرغم من دعم الرياض الرسمي للحكومة الجديدة في بغداد، فإن الكثير من السعوديين ربما يعتبرون أن «الدولة الإسلامية» تقوم بعمل الله». فما هو تحذير هندرسن لواشنطن هنا؟ ينبّه الصحافي إلى أن «رؤية السعودية بشأن الحفاظ على الذات في الوقت الحالي (سواء تجاه «الدولة الإسلامية» أو احتمال قيام إيران نووية) قد تنطوي على تصرف منافق في السياسة تجاه واشنطن».
الهاجس السعودي في «الحفاظ على الذات والوجود» في وجه تهديد «داعش» الذي «ينتقد كيفية تطبيق آل سعود للحكم الإسلامي» تكرر في عدد من التحليلات الصحافية. غاري لوب كتب على موقع «كاونتر بانش» عن ذلك «الخوف السعودي من داعش الذي دفعها الى الخضوع للضغوط الأميركية والمشاركة في الحملة العسكرية عليه». لكن لوب كما غيره من الكتّاب أضافوا الى ذلك السبب خوفاً آخر، وهو «الخوف السعودي من إيران». «لا تخشى السعودية ضربة عسكرية من إيران، لكنها تخاف من حراك شيعي داخل أراضيها مدعوم من إيران يهدد المناطق النفطية فيها ويؤدي الى استقلال تلك المناطق عن المملكة»، يشرح لوب، من هنا يأتي «قلق السعودية الدائم من أي تحرّك أميركي يصبّ لمصلحة إيران في المنطقة».
الى جانب الهواجس تحدّث آخرون عن طموحات. محللون رأوا في مقال في «ذي نيويورك تايمز» أن مشاركة السعودية ودول الخليج في الحملة ضد «داعش» نابعة من «أمل هؤلاء بأن تساعدهم واشنطن على إسقاط الأسد في نهاية الأمر».
«الهجوم على داعش ليس إلا جزءاً من اللعبة. فالممالك التي تشارك الولايات المتحدة في حملتها لديها أجنداتها الخاصة»، قالها صراحة جيمي دتمير على موقع «ذي دايلي بيست». السعودية والإمارات مثلاًً، شرح دتمير، «ستستغلّان التدخّل في سوريا لزعزعة تنظيم الإخوان المسلمين والبلدان التي تدعمه، أي تركيا وقطر» بعد النجاح في إقصائه عن السلطة في مصر.
وحول «الأثمان» التي ستدفعها واشنطن لمشاركة تلك البلدان العربية في التحالف، رأت «ذي واشنطن بوست» في افتتاحيتها، منذ أيام، أن تلك الشراكة ستضطر الولايات المتحدة الى «تخفيف ضغوطها على الانظمة التي قمعت الربيع العربي ومطالبه بإرساء الديموقراطية». افتتاحية «بوست» لفتت الى التناقض في المشاركين بالحملة على صعيد سجلّ حقوق الانسان واحترام الحريات، وركّزت على أداء مصر والبحرين في هذا المجال. الصحيفة أسدت نصيحة إلى أوباما في الختام تقول إن الرئيس «عليه تعلّم الدرس الذي استخلصه جورج والكر بوش بعد هجمات ١١ أيلول، وهو أن التحالف مع الأنظمة العربية القمعية قد يكون مفيداً تكتيكياً في بعض الحملات كالحملة على داعش، لكن أذاه أكبر من فائدته على المصالح الأميركية الاستراتيجية».
نصيحة لأوباما: تحالف مع رجال الأعمال والشيوخ
في تقرير لأحد الخبراء في شؤون المنطقة رُفع أخيراً الى البيت الأبيض، نقل معدّه عن مصدر سعودي قوله إن «داعش يحكم مثل آل سعود، وفقاً للأسس ذاتها»، وهو يشكّل خطراً كبيراً على الحكم ويهدد «شرعية العائلة الحاكمة»، لأنه «سنيّ وينشر الخوف، ولا حدود للذين يتجنّدون فيه». معدّ التقرير رأى أن دعم «المعتدلين» السنّة للحملة الأميركية على «داعش» ليس مضموناً، وأن واشنطن «مخطئة» باعتقادها أن هذا الدعم الضروري يجب أن يأتي من السعودية أو من الإمارات، لأن «سنّة سوريا والعراق لن ينتظروا ما ستقوله ممالك الخليج، بل سيلتفتون أكثر الى الداخل». لهذا يقترح المحلل على البيت الأبيض أن تلجأ واشنطن في حربها ضد داعش الى «الإسلاميين المحافظين والمعتدلين ورجال الدين والنافذين من ممثلي المصالح والأعمال السنّية والعائلات القيادية في المدن».