العدوان الأمريكي على سوريا.. بين سيناريوهات البنتاغون وتفاصيل الرد السوريمحمود عبد اللطيف – عربي برس
تذهب أمريكا باتجاه إعلان نيتها بالحرب الكاملة في المنقطة بشكل تدريجي، فإدارة البيت الأبيض تدرك تماماً إنها لن تحظى بكل التأييد اللازم داخلياً و دولياً لهكذا حرب في هكذا توقيت، فإوروبا مشتعلة أيضاً باحتمالات الحرب مع روسيا نتيجة تأزم الملف الأوكراني، و هي مأزومة اقتصادياً، و تعاني بعض دولها مشاكل على المستوى الداخلي.
التنسيق مع سوريا رسالة يحملها الموفد العراقي إلى دمشق، و لأن أمريكا لا تريد اتصال مباشر مع دمشق، فقد يكون اللجوء إلى الحكومة العراقية لخلق حالة من التنسيق مع سوريا من أجل ضمان ردة فعل سوريا في حي توجيه ضربة لداعش داخل الأراضي السورية، واختيار العراق لهذه المهمة يأتي من باب الشراكة في الهم، و بكون الحال السورية – العراقية في المعاناة من داعش همّ مشترك للدولتين… ولكن دمشق قرارها واضح و لا رجعة فيه، لا حرب على التنظيم ما دامت ازدواجية المعايير قائمة.
الميلشيات في محيط دمشق، تتلقى الضربات الموجعة، و محاولات اختراق العاصمة الأخيرة باءت بالفشل، و جوبر بحكم المنتهية، و العمليات الجوية تستهدف مقرات الميلشيات المسلحة بدقة في دوما، و الجيش العربي السوري يقسم مهمة تأمين الغوطة الشرقية بين سلاح الجو و المدفعية و الكمائن المتقدمة لسلاح المشاة، وخسائر ميليشيا “الجبهة الإسلامية” وغيرها ترتفع بشكل يومي.
حرب الثأر على أشدها في شمال إدلب، و الجيش العربي السوري يزحف باتجاه الحدود التركية بعد إنهاء تأمين ريف حماة الشمالي، و يستهدف عبر سلاحي الجو و الصواريخ مقرات الميليشيات، مستفيداً من إضعاف الميليشيات المتناحرة لبعضها، فعلى ذلك إن بحث أمريكا عن شريك في الداخل السوري يصطدم بأطماع قادة الميليشيات التوسعية بشكل فردي، و بقدرة الجيش السوري على استهدفاها بشكل موجع وكبير.
على ما تقدم هي احتمالات سير العدوان على سوريا و فق سيناريوهات البنتاغون المفترضة ، وفق ما تقدم من معطيات للميدان السوري..؟
الضربات الجوية التي ستنفذها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش ستتركز على المناطق الحدودية دون دخول المجال الجوي السوري، ليكون لها الآمان اللازم من الدفاعات الجوية السورية التي تعترف الإدارة الأمريكية بتطورها، وعلى ذلك لا يمكن أن تدخل أي طائرة أمريكية أو غيرها المجال الجوي السوري دون أذن دمشق، و بالتالي فإن الأهداف المفترضة تقع في مناطق ريف محافظتي دير الزور و الحسكة الشرقي، و يمكن أن توجه القوات الأمريكية و من معها طلعات جوية داخل الحدود التركية لتستهدف داعش في شمال الرقة و ريف محافظة حلب الشرقي و القريب من الحدود.
و الاستفادة الأمريكية هنا ستكون من باب حفظ ماء الوجه لا أكثر، ولن يكون عدد هذه الضربات كبيراً.
تسعى أمريكا من خلال إشراك لبنان في التحالف لأمرين، الأول يمكن بإنهاء وجود داعش و النصرة في الداخل اللبناني، و إجبارهم على العودة إلى سوريا من بوابة القلمون وذلك بما يخدم تشتيت الجيش العربي السوري، و إجباره على العودة إلى معركة طويلة الأمد في القلمون بعد أن أمنها، و لكن الهدف الثاني هو الأخطر، إذ إن الإدارة الأمريكية و من خلفها إسرائيل، تريد ضرب مواقع ( حزب الله ) في المنقطة تحت ذريعة الخطأ، أو ربما لن تخجل في التصريح بأن الأمر متعمد على اعتبار إنها تصنف المقاومة الإسلامية في لبنان منظمة إرهابية.
التخوف الأكبر من ضرب مواقع عسكرية سورية، وهذا منطقي باعتبار إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت وما زالت تناصب دمشق العداء، و في أفضل أحوال العلاقات بين كل من واشنطن و دمشق، كان التوتر سيد الموقف، وعليه فاحتمال توجيه ضربات بذريعة الخطأ على سوريا ستكون واردة جداً، ولكن ما ينفي ذلك إرداك الولايات المتحدة و إسرائيل لقوة الرد السوري المشترك مع حلفائها، لكن في حال توجهها إلى مثل هذه الحماقة الاستراتيجية، فسيكون الهدف أولاً الدفاعات الجوية و خطوط التحصين الأول في جبهة الجولان، بما يسمح بتقدم برّي من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي في حال التورط بحرب مفتوحة بشكل أكبر، وتعول أمريكا هنا على إن المعركة الجوية لصالحها، باعتبارها نشرت بطاريات “باتريوت” تحت ذريعة حماية تركيا من الضربات الجوية السورية، وهي منظومة تقوم بصد الصواريخ بعيدة المدى و الطائرات.
الجبهة البحرية لسوريا واسعة، ولكن لن تقوم أمريكا باستخدامها حتى في حال الحرب المفتوحة مع سوريا، و ذلك لأنها تدرك أن قوات البحرية السورية إلى الآن لم تتحرك سوى في عملية واحدة نفذتها لتأمين منطقة كسب بعد المذبحة التي ارتكبتها جبهة النصرة بحماية تركية ضد الأرمن، و هنا أيضاً تدخل في حسابات أمريكا و حلفها القاعدة الجوية الروسية في ميناء طرطوس، و آخر ما تفكر فيه واشنطن الدخول في حرب واسعة النطاق تدخل قوات الجيش الروسي فيها، فاللعبة ستكون أكبر من احتمال التحالف الدولي، باعتبار أن روسيا ستشعل كل الجبهات بآن معاً.
جبهة الأردن محتملة الاشتعال، فالملك الأردني لا يملك قراره، وهذا طبيعي في ظل خضوعه المباشر للخليجيين بسبب المعونات التي لم تدخل يوماً في الموازنة الأردنية، ناهيك عن رغبة المملكة بحماية العرش، فآخر ما يفكر به الملك أن ينتهي حكم أسرته في عهده، كما إن الرغبة بالتخلص من المقاتلين الموجودين في شمالي الأردن أحد أكبر الهموم الملكية في عمان، خاصة و إن داعش ظهر و إن بصورة مقتضبة في مملكة هشة من الداخل بفعل وجود الإخوان و تطور قدرتها السياسية، وإن كانت عمان قادرة على ترويض هذا الخطر بشكل مؤقت عبر سطوة مخابراتها، فذلك لأن الإخوان في الأردن لم يتلقوا الأمر بعد لإسقاط الملك أو اشاعة الفوضى في الدخل.. و عمان تدرك ذلك جيداً، لذا ستترك الحرية المطلقة لأي كان بالتدخل في سوريا عبر أراضيها إن طلب منها ذلك.
بعد كل ذلك، فما هو الرد السوري..؟
سؤال تبدأ الإجابة عليه من النظر إلى خريطة العلاقات التي بنتها دمشق خلال عقود من الزمن، بدأتها في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، و استمرت على ذات النهج دمشق في عهد الرئيس السوري بشار الأسد، وبذلك يفهم الرد العسكري وفق النقاط التالية.
الرد الأولي سيكون عبر سلاح الصواريخ، القواعد العسكرية الأمريكية والإسرائيلية في كل من الأردن و فلسطين المحتلة و العراق ستكون تحت مرمى صواريخ لم يكشف عنها بعد، خصوصاً تلك المصنعة في معامل الدفاع السورية، وهي ما حاولت يوماً أن تكشفه أمريكا عبر بعثة المراقبين العرب إلى سوريا، حيث رفضت دمشق دخول بعثة المراقبين إلى نقاط كانت ضمن البرتوكول الذي عرض على دمشق حينها. و سلاح الصواريخ هنا سيستهدف بشكل مباشر قواعد ” الرويشد ووادي المربع ” في المملكة الأردنية وبهما عدد كبير من المقاتلات الأمريكية المتنوعة، كما توجد في الأردن الوحدة 22 البحرية الاستكشافية الأميركية، ولن تكون بعيدة عن صواريخ الجيش العربي السوري القصيرة و المتوسطة المدى، وبسيل ناري كثيف. و هنا لن تكون قاعدة “الأمير سلطان” الجوية بالرياض بعيدة عن استهداف سلاح الجو السوري، و تحتوي القاعدة على 80 مقاتلة أمريكية، و 500 جندي أمريكي ، إذ سحبت القوات الأمريكية في العام 2003 نحو 4500 من مقاتليها نحو قاعدة “العديد” في العاصمة القطرية، و لن تكون الأخيرة أفضل حالاً، برغم إنها تمتلك مدرج يعتبر من أكبر المدارج في القواعد العسكرية الأمريكية، و فيها نحو مئة مقاتلة، إضافة إلى 500 آلاف مقاتل من مشاة البحرية الأمريكية.
و لا تستبعد بقية القواعد الأمريكية في دول الخليج العربي و مصر من الدخول ضمن دائرة النيران السورية التي قدرها خبراء إسرائيل العسكريين في وقت سابق بنحو 1500 صاروخ خلال السيل الأول الذي قدرت مدته بنحو ساعة عملياتية واحدة.
يضاف إلى القدرة السورية القدرة العسكرية الإيرانية التي يلعن ساستها و العسكريون بشكل يومي وحدة الحال و المصير مع الحكومة السورية، و ستكون أولى مفردات الرد العسكري المشترك بين سوريا و إيران على العدوان على سوريا في حال حدوثه، إغلاق الخليج العربي بوجه بوارج نقل النفط، الأمر الذي سيؤدي إلى إنهيار اقتصاديات كبرى في أوروبا، مع التذكير بتضعضع الوضع الاقتصادي لكثير من دول أوروبا، ومما يزيد الطين بلة بالنسبة لأوروبا أن تستخدم روسيا ورقة الغاز، و إن لم يكن تصريح موسكو بإن ذلك كرد على الحرب على سوريا فإنها تمتلك المبرر الدوبلوماسي لذلك بكونه رد روسي على العقوبات الأوروبية على موسكو.
في حين أن إيران أيضاً تمتلك السيل الناري المرعب بالنسبة لإسرائيل، وهو أمر لا يخرج من دائرة التفكير لدى أمريكا، فإي معركة في المنطقة قد تودي بإسرائيل للمحو عن الوجود، وعلى ذلك فاستفزاز إيران غير مرحب به أمريكياً الآن، خصوصاً و إن أمريكا لم تتأكد بعد من امتلاك إيران للسلاح النووي أو عكس ذلك.
دخول حزب الله على خارطة المعركة مرعب أيضاً بالنسبة لإسرائيل، و إن كانت الأخيرة قد استفادت من إخلاء قوات فض الاشتباك لمواقعها في الجولان بما يمهد لتقدم برّي من قبل وحدات جيشها، فإنها تدرك تماماً إن جبهة الجليل الأعلى ستكون مفتوحة لتقدم لقوات المقاومة اللبنانية و تحت مرمى نيران صواريخ حزب الله بشكل كثيف، فالقدرة الصاروخية لسوريا و إيران و حزب الله ستصب جام غضبها على على إسرائيل. سياسياً الكفة مرجحة لصالح سوريا، فالفيتو الروسي و الصيني سيكون حاضر لرد أي مشروع قرار يشرعن التدخل العسكري في سوريا ضد داعش أو غيرها دون الرجوع لقرار دمشق، و بذلك تضمن الأخيرة سلامة الخاصرة السياسية في مشروع الحرب عليها تحت مظلة الحرب على داعش، و بذلك تستعرض الحكومة السورية استرخائها السياسي و العسكري، فلا تحرك الوحدات الأساسية من جيشها نحو مناطق التحصن ضد ضربة عسكرية محتملة من قبل أمريكا، و إن كانت قد أعلنت إنها ستسقط أي طائرة تخرق المجال الجوي، فإن الحكومة السورية تمارس حياتها اليوممية بشكل طبيعي، متجهة نحو فرض سيطرتها على المناطق المشتعلة في سوريا عبر ثنائية “الجيش و المصالحات الوطنية”.
و ما يؤكد استرخاء دمشق، وارتياحها لمجريات الأمور، أن القرار الأمريكي مازال متخبط ولا يملك الاستراتيجية الواضحة لهذه الحرب، فما بين تأكيد وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل بأن أمريكا تدرس خيارات التقدم البرّي و نفي رئيسه ( أوباما) لوجود النية بمثل هذا التقدم، أقل من 24 ساعة.