المال السعودي والبيرقراطية الأميركية
تغلغل المال السعودي في البيروقراطية الأميركية، ففي كل مكتب سياسي أو تجاري في واشنطن يتمتع بقليل من الذكاء كان هناك من عليه البقاء إلى جانب السعودية من أجل التوصل إلى تحقيق أهدافه من خلال التمويل السعودي، فقد يستطيع الحصول على عقد استشاري مع أرامكو أو مقعد في الجامعة الأمريكية أو عمل عادي ولا يهم أيضاً أن يكون هناك وزير خارجية أمريكي سابق يصارع الموت من أجل الشرق الأدنى، أو مدير للـ CIA أو واحد من طاقم البيت الأبيض أو عضو في الكونغرس الذي لم يكن قد شبع من عجلة قبض الأموال السعودية بطريقة أو بأخرى، وكان يبدو لنا أحيانا أن ما يحصل شكل من أشكال الابتزاز للمال المنتظر أن يسلب. وبالطبع لم يكن لدى مكاتب السياسة الأمريكية ركيزة أساسية للنجاح في السعودية.
إن الطريقة التي أنظر من خلالها إلى الأشياء ترقى بشكل غير مباشر إلى الضرائب الزائدة النظامية على الأمريكيين، فالسعودية ترفع سعر البنزين ومن ثم تخصص الجزء الأكبر من الأموال الضريبية لتذهب لمشاريع البيت الأبيض الداخلية وبعضها يذهب إلى جيوب السياسيين والبيروقراطيين الذين أبقوا أفواههم مغلقة بخصوص السياسات السعودية. الكثير من الأموال من أجل المحافظة على الصناعة الدفاعية المخصصة للأوقات العصيبة. فوق كل هذا فالسعوديون من أكبر المحبين لحكام البيت الأبيض.
ترغب واشنطن دوماً بأن تصف ما يحدث عن طريق مصطلحات اقتصادية معتدلة وغير عدائية (مثل تدوير أموال البترول) ولكن من الواضح أن التأثير القديم هو المسيطر.
والمناسبة، إن الضرائب السعودية هي أكثر من كافية مقارنة مع خدمات الضرائب الأمريكية.
فالسعوديون يقومون بجمعها وإنفاقها مع المحافظة على المكاتب السياسية الأمريكية بعيدة عن هذه الضرائب، وليس على مكتب المحاسبة العام ومكتب الإدارة والميزانية إلا أن يطلب حسابات غير محددة لكل ذلك المال.ولم تعد السعودية كما كانت هي عليه في السبعينيات وأوائل الثمانينيات على أنها منجم للذهب عندما كانت تمتلك أموالاً أكثر من الرمال.
في ذلك الحين كانت تحويلات مالية ضخمة تحول من السعودية إلى أمريكا ولم تدخل في حسابات الميزانية السعودية، وكل ذلك تغير، فمنذ حرب الخليج الأولى تم استهلاك أموال السعوديين ومنذ ذلك الحين تعيش السعودية على القروض واستجداء الأموال.
وتعرف الرياض مسبقا أنها لن تعود إلى ما كانت عليه ولن تستطيع الخروج من موازنة مكتب خدمات الضرائب الأمريكية، فالتخلي عن واشنطن يعد أمراً خطيراً لا يمكن قبوله.
وفيما يلي مثال فخلال التسعينيات كان الأمريكيون والأوروبيون يدفعون ثمنا مقابلاً للنفط أقل من الآسيويين بمعدل دولار واحد للبرميل.
وفي عام 2001 تدهورت الأسعار بشكل حاد، وهذا ما يشكل حسماً بقيمة (2. مليار دولار سنوياً مقارنة مع الأسواق الآسيوية على الأقل. وفي أيلول 2001 وعلى صدى هجمات 11 أيلول ارتفع سعر البرميل وتراوح بين الأسواق الأمريكية والآسيوية إلى ما يقارب 9.66 دولار. محللون نفطيون تحدثت إليهم، أنكروا أن السعودية لديها في مكان ما برنامج لبيع النفط بسعر منخفض للولايات المتحدة. أسواق النفط معقدة جدا، أخبروني بذلك، وهناك أسباب تسويقية منطقية تجعل آسيا من وقت لآخر تدفع أكثر من أجل النفط السعودي.
الآسيان على سبيل المثال، ترغب كخطوة أولى بالدفع من أجل تأمين مصادر نفطها حتى أنها تشتري بعقود ذات أسعار عالية عندما تكون السوق متقلبة. إضافة إلى اعتبارات أخرى مثل تكاليف النقل وبنى السوق المتغيرة.
حقيقةً إن آسيا لا تنتج النفط تقريباً وحقيقة أن السعودية هي مستثمرة في المنتجات الأمريكية، فهذه العوامل كلها كما أخبرني المحللون النفطيون هي التي تم أخذها في الاعتبار في فروقات الأسعار بين الأسواق الآسيوية والغربية في أيلول عام 2001.أحد المحللين أخبرني (ببساطة آسيا تدفع ضريبة على نفطها. ولا يوجد أي تخفيض في السعر على النفط الذي صدر إلى أمريكا) وهكذا فإن السعودية أضاعت فرصا كثيرة لجني أرباح عظيمة في الأسواق، كما حدث بعد أحداث 11 أيلول.
لو أن السعوديين سحبوا القليل من نفطهم من السوق ظهيرة الحادي عشر من أيلول بدلاً من ضخه أكثر، لكانت حصلت على الملايين من خلال ابتزاز الأمريكيين، نفس الأمر حدث في عام 1990 عندما بدأت السعودية وحلفاؤها في الخليج ضخ النفط لسد نقص خمسة ملايين برميل يوميا فقد من العراق والكويت.
لو أنهم أرادوا أن يصل سعر برميل النفط إلى مائة دولار لحصلوا على الكثير من الأموال من عاصفة الصحراء بدلا من وقوعهم في عجز مالي، وسبب أن السعودية أضاعت أرباحاً ضخمة من خلال مبيعاتها النفطية هو أن السعودية لا تريد من الولايات المتحدة أن تنسى من هو ممولها الأساسي بالنفط، ولم تكتف فقط بدفع الكثير للحصول على هذا القدر بل صمت آذانها عن الشكاوى الحادة للآسيويين. وكما كتبت فروسيا لديها خطط لإنشاء أنابيب نفط في الشرق عبر سيبيريا والتي ستجعل السعودية يوما ما تفقد أسواقها الآسيوية والمقولة التالية هي أن ما يهم السعودية هو نقل رسالة إلى واشنطن مفادها أنه يجب أن لا تقلق واشنطن.
الإعانات النفطية السعودية لا تنزل على واشنطن كالسحر، أو “كنيزك خيري”. فالمشهد التجاري ممتلئ بمثل هذه الصفقات، وحتى الأعمال الإرهابية لا تحتاج الدخول في تلك الأعمال. في العام 1997، قامت شركة أرامكو السعودية بالإعداد لمشروع مشترك مع شركة تكساكو، وانضمت إليها في وقت لاحق شركة شل للبترول، لتكرير تقريبا ثمانمائة ألف برميل من الخام السعودي في اليوم.
وفي العام 1998 اتحدت الشركات الثلاث لتشكيل شركة “موتيفا”، وهي واحدة من أكبر شركات تكرير النفط وشركات التسويق في الولايات المتحدة، ودخلت AT & T في اللعبة بعقد بـ 4 مليارات دولار لتوسيع شبكة الاتصالات السعودية. ورسا عقد يوليو 2001 بقيمة 240 مليون دولار على “لوسنت تكنولوجيز”، لتحسين خدمة الهاتف المحمول –ولوسنت هي نجمة التكنولوجيا العالية في سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة-.
في مايو 2001، وافق المجلس الاقتصادي الأعلى السعودي على العقود طويلة الأجل مع شركات النفط الأميركية بقيمة “عشرات المليارات من الدولارات”، لتحلية المياه ولتقوية محطات توليد الطاقة وتطوير موارد الغاز الطبيعي في المملكة، وذلك كله وفقا للسعوديين. وقبل ذلك ببضعة أشهر، أصدرت الهيئة العامة للاستثمار في المملكة ترخيص لمجموعة من المقاولين الأميركيين لبناء ثلاثة آلاف مدرسة جديدة في المملكة، بتكلفة قدرها 3.5 مليار دولار. الله وحده يعلم من أين سيأتي السعوديون بكل هذا المال، ولكن يبدو أن احد من المحيط الأطلسي لم يكلف نفسه عناء التفكير في ذلك. والنقطة الرئيسية هي انه لا يمكن القيام بذلك بدون الإصلاح السعودي.
المسالة ليست بقوارب المال السعودية التي تنفق في الولايات المتحدة. فإنفاق قوارب المال هو جزء من الصفقة من البداية: الولايات المتحدة تشتري النفط من ال سعود، وتوفر لهم الحماية والأمن، وبدورهم السعوديين يشترون الاسلحة، وخدمات البناء، وأنظمة الاتصالات، ومنصات الحفر من الولايات المتحدة، إعادة التدوير هذه تحكم فقط من خلال الأرقام، وقد نمت التجارة البينية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة من 56.2 مليون $ في العام 1950 إلى 19.3 مليار دولار في العام 2000.
المال يذهب بغض النظر كم لديك لتصرف. المحترفين الرياضيين هم بالكامل من أصحاب الثروات الفاحشة، الذين لا يستطيعون شراء اللقب مقابل الحب أو المال. وما يجعل المال السعودي فعال جدا هو أنه مستهدف جيدا، وفي واشنطن، السعوديين مقيدين بثقافة معينة تدفعهم للقيام تقريبا بأي شيء للحصول على ما يريدون. ونسمي ذلك “الصدفة الشعرية”.
فبينما كانت مجموعة كارليل تستعد للدخول في مؤتمر المستثمرين السنوي في فندق ريتز كارلتون في 11 سبتمبر 2001 في واشنطن، ضربت طائرة “الاميركان ايرلاينز الرحلة 77″ في مبنى البنتاغون، على بعد ميلين ونصف فقط إلى الجنوب. ولو ضربت الرحلة رقم 93 ليونايتد ايرلاينز البيت الأبيض، -هدفها المفترض-، لكان الحضور في مجموعة كارليل، شعروا بالصدمة على الرغم من أنهم لا يدركون تلك المشاعر عادة.
نقلاً عن وكالة انباء الشرق الجديد