المستقبل: غباء إلى حدّ التواطؤ أم تواطؤ عن غباء؟حمزة الخنسا – العهد
ما يحاول فريق 14 آذار عموماً، وتيّار المستقبل خصوصاً، قوله عبر سياسة اللف والدوران، قاله عضو كتلة المستقبل النيابية معين المرعبي، بشكل مباشر. استغل أكثر المتطرفين في المستقبل، اعتصاماً لأهالي العسكريين المختطفين لدى داعش والنصرة، ليشن هجوماً جديداً على حزب الله.. لا على الجهات الخاطفة. قالها المرعبي بصراحة: نحن هنا لنعتصم بوجه حزب الله الذي سبّب لنا هذه القضية. لا همّ إنْ صادر النائب آراء أهالي العسكريين المختلفة عن رأي تيّاره السياسي، المهم متابعة سياسة فريقه في الهروب الى الأمام.
تدرّج الآذاريون في تحميل حزب الله وحلفائه كل إخفاقاتهم السياسية الى حدّ الوصول الى مرحلة اللاعودة. لم يعد بإمكان الفريق السعوديّ الدعم والهوية السياسية، إجراء أية مراجعة نقدية لمواقفه وسياساته. أصبح الهروب الى الأمام، واعتماد نهج “عنزة ولو طارت” ملاذاً أخيراً لسياسييه ووجوهه المعروفة. صارت نبرة فؤاد السنيورة، مثلاً، مليئة بالعصبية والتطرّف حتى الحقد الشخصي. كيف لا وهم يقولون ما لا يقتنعون به، ولا يقنع أصغر طالب جامعة ما زال يؤيّد خطّهم؟
شكّلت المعركة الأخيرة للجيش مع الإرهابيين في عرسال نقطة تحوّل لدى الكثير من القاعدة الشعبية لـ14 آذار. لا يعترف المسؤولون الآذاريون بالأمر. لكن جلسة مغلقة واحدة وما يدور فيها من أحاديث تكشف الهوّة السحيقة بين ما تعلنه شخصيات هذا الفريق السياسية والإعلامية، وما تضمره. تباين واضح يظهر كذب القائمين على هذا الفريق. كما زادت قضية العسكريين المختطفين لدى داعش والنصرة من نسبة الكذب في الخطاب الآذاري.
تقول شخصية سياسية مستقبلية إن خطر داعش قائم وموجود. غير أنها تحصره في مكان وجوده الأساس، أي في سوريا والعراق. تقفز مباشرة الى الاتهام: حزب الله هو المسؤول. لا تعترف بأن الخطاب الاتهامي هذا يشكّل تبريراً مباشراً وصريحاً يستفيد منه داعش. وعن الطريقة الفضلى لمواجهة هذا الخطر، تجيب بلا تردّد: فليخرج حزب الله من سوريا.
هي حلقة مفرغة يدور المستقبليون داخلها. حزب الله السبب، لازمة تكاد تُعتمد نشيداً وطنياً يردّده الآذاريون والمستقبليون صباح كل يوم قبل مباشرة أعمالهم. يقرّون بخطر داعش وأخواته، لكنهم يهوّنون على شارعهم بالقول إنه خطر بعيد يمكن تفاديه فيما لو سحب حزب الله مقاتليه من سوريا. في المقلب الآخر، يسوّقون لدى جمهورهم فكرة أن الحزب بأدائه هو الخطر الداهم.
لا يقف المستقبليون عند هذا الحدّ. التناغم مع الخطاب الإعلامي الداعشي مدهش. أدخلوا التيّار الوطني الحر لعبة “البعبع قادم”. بات الحليفان الحزب والتيّار الشر المستطير، لا داعش ولا النصرة. في هذا السياق، تقول مصادر التيّار الوطني الحر، إنه ليس عبر “توريط” الوطني الحر من بوابة حليفه حزب الله، يطمئن المسيحيون الى وجودهم ويأمنون الخطر القادم. ولا عبر القول إن لا مشكلة لداعش مع المسيحيين بل مع التيّار الوطني المتحالف مع حزب الله، تُغلق بوابة هجرتهم من أوطانهم ويعود الأمن والسلام لهم.
تكشف المصادر نفسها عن وجود شعور عارم بالقلق لدى المجتمع المسيحي اللبناني بشكل عام، بشقيّه المؤيّد للثامن من آذار والتيّار الوطني الحر والمؤيّد لفريق الرابع عشر من آذار. تُرجع سبب القلق الى الخطر الداعشي القادم والذي يحظى ببيئة حاضنة سياسية وإعلامية وشعبية بين اللبنانيين. تقول إنه وبعد الاستهداف الممنهج للجيش اللبناني من قبل التكفيريين والماكنة الإعلامية والسياسية للمستقبل والقوات وحلفائهما، زاد القلق في صفوف المسيحيين الذين باتوا ينظرون الى خيار حزب الله مواجهة الخطر الداعشي في عقر داره، على أنه خيار صائب. باتوا يجدون في الحزب وسلاحه، ملاذاً آمناً يقيهم خطر التكفيريين قاطعي الرؤوس وسابي النساء.
تكشف المصادر أيضاً عن “نداءات” وُجّهت الى حزب الله لتسليح بعض القرى المتقدّمة في البقاع حيث استشعر أهلها الخطر مع معركة عرسال وما تلاها من أحداث. فكرة التسلّح باتت مطروحة بقوة في المجتمع المسيحي. لم تعد خطابات مسيحيي 14 آذار حول الدولة ومرجعيتها تقنع الكثيرين، فيما هم بأنفسهم يمعنون في إضعاف الدولة عبر التغاضي، بل والمشاركة في استهداف الجيش باعتباره آخر المؤسسات الوطنية الجامعة والضامنة.
تجزم المصادر بأن معدّلات الهجرة في صفوف المسيحيين اللبنانيين تزايدت بشكل ملحوظ منذ اندلاع أحداث “الربيع العربي” بشكل عام، وتحرّك خلايا داعش في لبنان على وجه الخصوص. وتتساءل عمّا فعلته القوات اللبنانية لطمأنة المسيحيين غير الترويج لخيارها الالتصاق بتيّار المستقبل بوصفه تيّار اعتدال، فيما يشاهد الرأي العام نوّاب هذا التيار وكوادره يهاجمون الجيش ويقدّمون التبريرات للتكفيريين ويغامرون بمصير البلاد لحسابات سياسية وآنية ضيّقة.
تتساءل عمّا فعله سمير جعجع غير اعتلاء المنبر مراراً وتكراراً، وإغراق اللبنانيين ف خطابات إنشائية وهو يمارس هوايته البالية في اللعب على الكلام جناساً وطباقاً، فيما يكاد داعش يطبق على لبنان “طباقاً”.