200 مسلّح آسيوي في جرود الضنية.. لبنان على شفا «ساعة صفر» تؤسّس لما بعدهاحمزة الخنسا – العهد
فيما كان الرئيس تمام سلام يُفرج عمّا في صدره من مخاوف، في تصريح صحفي (صحيفة الجمهورية عدد السبت)، كانت المعلومات الأمنية تصل تباعاً الى مَن يعنيهم الأمر في بيروت وغير مكان على امتداد مساحة لبنان. كشف سلام أنّ “المعطيات المتوافرة لدى المراجع العسكريّة ليست مريحة، لا بل مقلِقة”، في ردّ منه على سؤال عن مدى خطورة التطورات الأمنيّة ووجود مخاوف جدّية تهدد أمن البلاد.
على الرغم من أن رئيس الحكومة حاول إسدال ستار من الطمأنينة بقوله إنه “على الرغم من كلّ هذه المخاوف، فإنّ كلّ شيء يهون أمام تماسكنا الوطني”، الذي اعتبره “خطّ الدفاع الأوّل عن لبنان واللبنانيين”، كانت المعطيات المقلقة التي تحدّث عنها ابن البيت السياسي اللبناني العريق والمعتدل، تتوضّح أكثر فأكثر لدى “المعنيين” الذين تحدّثوا عن انتقال الوضع الأمني من مرحلة المراقبة الى مرحلة الترقّب.
فقد كشف مصدر على اطلاع على ملف الحركات التكفيرية ونشاطها الممتد بين سوريا والعراق ولبنان ضمناً، لـ”العهد” عن معلومات تفيد بأن نحو 200 مسلّح آسيوي بعتادهم وخططهم، وصلوا أخيراً الى لبنان. حدّدت المعلومات منطقة جرود الضنية المتصلة بجبل المكمل، ملاذاً اتخذه القادمون من أرض المعركة في العراق الى شمال لبنان عبر الحدود السورية. أشار الى أن بعض الرعاة قد تعرّفوا اليهم بعدما صادفوهم في منطقة عملهم، حيث بادر المسلّحون الى الطلب منهم مغادرة المنطقة وعدم الرجوع إليها مجدّداً.. وإلا.
يسعى “داعش” وبعض الحركات التي بايعت أميره أبا بكر البغدادي، الى وصل عرسال بالشمال اللبناني، وتحديداً منطقة عكار. تهدف الخطة، التي يسعى التنظيم وحلفاؤه الى تحقيقها قبل حلول فصل الشتاء، الى تأمين طريق بحرية لـ”دولة الخلافة”. المنفذ البحري هو ما ينقص “الدولة” قبل اكتمال مقوّماتها اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً. في طريقهم الى وصل عرسال بعكّار، يحاذر “الدواعش” المرور بأقصى الحدود الشمالية من جهة سوريا حيث أحكم الجيش السوري سيطرته وطرد جميع الفصائل التكفيرية المسلّحة منها. هذا العامل الجغرافي المستجد، صعّب مهمّة “الدولة” وحلفائها، غير أنهم ماضون في مسعى تنفيذ مخطّطهم المصيري.
كان قائد الجيش العماد جان قهوجي، قد لفت في حديث صحفي (صحيفة السفير عدد 11 آب)، عقب معركة عرسال الأولى، الى أن “الجيش أنقذ لبنان عبر معركة عرسال من فتنة مذهبية قاتلة”، مؤكداً على أنه “ولو هُزم الجيش لكانوا قد دخلوا الى عكار ومنها وصلوا الى البحر وأعلنوا عن دولتهم، وهنا الكارثة”. المعطيات التي تجمّعت أخيراً، إثر معركة عرسال الثانية، تشير الى أن “الكارثة” التي تحدّث عنها قهوجي، لا زالت تلوح في الأفق، وأن “الدواعش” لا يزالون يحاولون الوصول الى مبتغاهم.. البحر.
لم يتوقف سيل المعطيات عند حدود الرئيس تمّام سلام، والأطراف اللبنانيين. الدوائر الاستخباراتية الغربية جهدت في الأيام الأخيرة في نشر تقارير تحذّر من مساعي “داعش” التمدّدية في لبنان والمنطقة. لم تبقَ التقارير سرّية بطبيعة الحال. نُشر الكثير منها في وسائل إعلام غربية. مثلاً، قال القائد السابق لقوات حلف الناتو في أوروبا ويسلي كلارك، إن “داعش” سيشكل تهديداً خطيراً للبنان والأردن ولدول سُنّية رئيسة في المنطقة وخصوصاً السعودية. دعا الجنرال الأميركي في مقاله له على موقع (CNN) في 27 آب، الولايات المتحدة الأميركية الى أن تبني ردّاً إقليمياً منسّقاً على مختلف الأصعدة الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، يعتمد على وجود قوات على الأرض.
في هذا السياق، يقول مصدر “العهد” إن مؤشّرات حصول تحرّك “داعشي” قريباً باتت عالية. يؤكّد أن الهدف من التحرّك الكبير المرتقب في لبنان هو حرف الأنظار عمّا يجري التحضير له في للأردن. يمكن قراءة الأعمال الأمنية والعسكرية التي قد تندلع في لبنان على أنها محاولة لإشغال الاهتمام الدولي، الذي سينصب على لبنان، عن الضربة القاسمة التي ستوجّه الى الأردن.
لماذا الأردن؟ لأنها الأقرب الى الحدود السعودية. بعد نموذج “الدولة” الذي قدّمه “داعش” لـ”الأمّة”، وبعد اشتداد عوده، يسعى التنظيم الى تطبيق نظريته القائلة بوجوب انتقال “دولة الخلافة” الى أرض الخلافة حيث قبلة المسلمين ووجدانهم وحَجّهم السنوي. يريد “داعش” من ذلك كسب “الشرعية” المكانية بعد الزمانية لدولته.
يشدّد المصدر على أن معركة “داعش” في لبنان، والتي قد تكون “ساعة صفرها” اقتربت، لن تكون سهلة. فلبنان، على الرغم من البيئة الحاضنة للحركات التكفيرية والأصولية، والتي تبلورت في بعض مناطقه خلال السنوات الثلاث الماضية وما حملته من تطوّرات، تبقى البيئة الرافضة للتكفير فيه أكبر وأقوى، إنْ على مستوى الأحزاب أو على مستوى المذاهب، وحتى مذهب أهل السُنّة والجماعة.
لبنان على عكس الأردن، حيث البيئة الحاضنة للجماعة الأصولية المتشدّدة أقوى وأوسع. فضلاً عن هشاشة النظام الاجتماعي والسياسي القائم. واعتماد النظام الأمني والعسكري بشكل كبير على العشائر التي هي في الوقت عينه من أكبر البيئات المتقبّلة للأفكار المتشدّدة.
لذا، تبقى العيون على لبنان، والحال هذه، حيث ستشكّل الأيام المقبلة ميزان قياس لمدى العنف الذي ستكون عليه المنطقة والجوار. وتأسيساً على ذلك، لم يعد سرّاً القول إن التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري، فضلاً عن المقاومة، قائم وشغّال. وفي خلفية الصورة، تقف الإدارة الأميركة بين تصريحاتها الرافضة للاعتراف بتنسيقها الحاصل فعلاً مع دمشق، وحاجتها الملحّة للتخفيف من عنجهيّتها والإكثار من الأفعال بدل الأقوال.