بالصورة والتفاصيل: مقاتلون لبنانيون في سوريا والعراق يريدون العودةباتت اخبار الانتحاريين اللبنانيين في العراق وسوريا كثيرة، والمعلومات تؤكد أن هشام الحاج الملقب بـ”ابو طلحة” لن يكون الانتحاري اللبناني الاخير في ظل وجود المئات من اللبنانيين في هذين البلدين يقاتلون الى جانب “جبهة النصرة” و”داعش” بحجة الدفاع عن “اهل السنة”، في محاكاة لفعل مقاتلي “حزب الله” في سوريا.
جزء كبير من اللبنانيين يدعو “حزب الله” إلى العودة من سوريا، فيما الاخير لا يبالي ويواصل معاركه التي تركزت أخيراً في جرود القلمون، لكن ماذا عن هؤلاء الشبان الذين يقاتلون إلى جانب المعارضة و”داعش”، ألا يجب الدعوة إلى عودتهم وتأمين الأمان لهم واحتضانهم كما فعلت دول عربية واجنبية؟ خصوصاً اذا شعروا بالذنب وأرادوا العودة كمواطنين لبنانيين وليس كمقاتلين أو مؤلفي شبكات قتالية.
أبو حفص ومهاجر وطلحة
ووفق المعطيات، هناك ما لا يقل عن 5 لبنانيين نفذوا عمليات انتحارية في سوريا، فيما هناك ثلاثة في العراق، آخرهم هشام الحاج، ابن طرابلس، فجّر نفسه بسيارة مفخخة في تجمع لعصائب أهل الحق في بغداد الجديدة وقتل وجرح العشرات، كما ذكرت مواقع اعلامية قريبة من “داعش” على الانترنت. وعلمت “النهار” من مصادر اسلامية أن الحاج من “الاسواق القديمة في طرابلس، عشريني، أعزب، وله وصية طالب فيها بعدم نشر صوره”، أما عائلته فترفض التحدث عما اصاب ابنها.
وسبقه إلى “الجنة وحور العين”، بحسب منطقهم، “ابو مهاجر اللبناني” الذي نفذ مع ليبي هجوماً إنتحارياً في مدينة الكاظمية في العراق، وقبل ذلك فجّر “ابو حفص اللبناني” نفسه في العراق، واسمه الحقيقي مصطفى عبد الحي، ونفذ العملية في مقهى في منطقة الوشاش التي تسكنها غالبية من الشيعة، وهو من ابناء طرابلس ايضاً وكان يعمل نجاراً، وشارك لفترة في القتال إلى جانب “لواء أحرار الشام” في سوريا قبل ان ينضم إلى “داعش” ويقاتل معها في حلب ودير الزور والغوطة، لينتقل في ما بعد إلى العراق.
أبو معاذ وأبو بكر الرياضي
في سوريا العدد أكبر، فهو لا يقل عن خمسة انتحاريين والمعروف منهم، “أبو معاذ” معتصم الحسن وهو أول لبناني شنّ عملية انتحارية استهدفت حاجز ابو زيد المؤدي إلى قلعة الحصن. وهو سويدي من اصل لبناني ومن ابناء طرابلس، فيما الانتحاري الثاني الشاب الطرابلسي أحمد دياب الملقب بـ”أبي بكر الرياضي”. نفذ عملية انتحارية في حلب، وعمره 25عاماً من سكان شارع الثقافة في طرابلس.
ولا زالت “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة” تستقطبان المزيد من اللبنانيين، لكونهما التنظيمين الأكثر اعتماداً على الاجانب وخصوصاً من جانب “داعش”، وكان ثلاثة شبان من وادي خالد غادروا إلى تركيا من اجل الالتحاق بـ”الدولة الاسلامية”، كما أشيع، لكن عائلاتهم سبقتهم بالتعاون مع السلطات التركية واللبنانية وأعادتهم إلى وطنهم. ومن بينهم نجل رئيس بلدية وادي خالد نور الدين الاحمد الذي دعا الاهل الى اليقظة في مواجهة ما يحاك لجيل كامل.
ازدواجية الفقر والملاحقة الامنية
تستدعي هذه الظاهرة تأهب الدولة اللبنانية ودار الفتوى لنشر الوعي ووضع استراتيجية واضحة تعيد من خلالها ابناء الوطن إلى ربوعه
يتابع رئيس “هيئة السكينة الاسلامية” أحمد الأيوبي ملف هؤلاء الشباب عن كثب.
ويقدم لـ”النهار” رؤيته لسبب اقدام الشباب اللبناني على الانضمام إلى “داعش” وغيرها في سوريا او العراق، ويقول: “هشام الحاج ليس أول انتحاري ولن يكون الاخير، وهناك الكثير من شباب طرابلس موجودون في سوريا والعراق ويمكن ان ينفذوا هذا النوع من العمليات في أي وقت، ومن يفجّر نفسه هناك، قد يفجّر نفسه في مكان آخر ومنها الاراضي اللبنانية، حسب مستوى الضغط وقرار التنظيمات الاسلامية”. ويعيد احد اسباب هذه الظاهرة إلى “ثنائية الفقر والقمع الامني، فهناك مناطق في طرابلس فيها حرمان كبير مثل الاسواق القديمة والتبانة والمنكوبين، وباتت تشكل أحزمة فقر حقيقية، ويترافق هذا الامر مع واقع أمني يودي بالشبان الى الانتحار”.
يعرف الايوبي شباناً “ليس عليهم أي اشكال أمني لكن لا يستطيعون ممارسة حياتهم الطبيعية بسبب خشيتهم من مسألة الملاحقة الامنية، كما أن بعضهم شارك في القتال في سوريا وتتم ملاحقته، وهذا أمر يجب بحثه على مستوى عالٍ في مواقع القرار اللبنانية، لأن هذه الازدواجية تدفعهم إلى العودة إلى سوريا او العراق، كما تدفع الذين هم في الخارج إلى عدم التفكير في العودة إلى لبنان”، متسائلاً: “لماذا يسمح لحزب الله بالقتال في سوريا والعودة من دون محاسبة ولماذا يحاسب الشباب السني على المشاركة في القتال في سوريا ويلاحق ويسجن ويعذب؟”.
ويؤكد ان “هناك جزءاً كبيراً من اللبنانيين يريدون العودة لكنهم وجدوا ان من عاد بات إما في سجن الريحانية او رومية او ما زال محتجزا او ملاحقاً”، ويلاحظ ان “لا احد في الحكومة او مواقع القرار يفكر في سبب تصرف هؤلاء الشباب، بل ربما وزير الداخلية وحده ينظر في الامر ونحن نتواصل معه”.
البداية من الانترنت وخطة لمكافحة التطرف
مواقع الانترنت، خصوصا التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الاساسية والعابرة للحدود، لغسل ادمغة هؤلاء الشبان، ويقول الايوبي:”إذا كان لدى الشاب نقمة على الظلم الذي يتعرض له المسلمين السنة في سوريا، سيدخل إلى مواقع التواصل التي يوجد فيها أشخاص يملكون آلية استقطاب معينة، وتتطور حسب قابليته، فاذا كان متحمساً ويبدي استعداداً، يسّهل له الطرف الآخر الامر لاخراجه من البلد”.
خطة رسمية
يبدأ الحل من خطة لبنانية رسمية لمواجهة التطرف كالخطط التي انتهجتها بلدان عربية، وتقوم على جهود في الدعوة والاعلام والتسويات الأمنية واحتضان العائلات الفقيرة، ويرى الايوبي ان “لدار الفتوى الدور الاساسي ونراهن عليه في التوجيه والارشاد ويجب ان يتواكب مع خطة تنموية تطال مناطق شديدة الفقر”، كاشفاً عن أن ” هناك نحو 100 شخص من ابناء منطقة المنكوبين استشهدوا في سوريا وأكثر من هذا العدد لا زال يقاتل… انها منطقة من الصفيح والتنك ومدرستها مغلقة”، مشدداً على ان “هناك الكثير لديهم جهوزية للعودة لكن يلزمهم اجراءات معينة”. خلاصة الأمر، هؤلاء شباب لبنان وعليهم العودة إلى وطنهم والتوبة من هذه الافعال، والابتعاد عن التطرف الذي يوصلهم إلى الهلاك، وعلى الدولة احتضانهم وتوعيتهم من الفكر الارهابي المتطرف، خصوصاً أن لبنان ساحة عيش مشترك لا بيئة حاضنة في صميمه لتيار متطرف او انتحاري.