هل حانت لحظة التدخل الروسي في سورية؟إن أهم ما جاء في القرار الأممي 2170 هو أنه يسمح للحكومة السورية بطلب عون عسكري صريح من حلفائها وإذا لم تلاق النجاح دعوة موسكو لقيام تحالف دولي مع الغرب ضد الإرهاب في المنطقة فإن قيام هذا التحالف حتى من دون واشنطن وأوروبا يشكل ضرورة استراتيجية كما لسورية كذلك لإيران وروسيا اللتين يدق التكفيريون الإرهابيون أبوابهما وينبغي ألا يترك الإيرانيون والروس للولايات المتحدة فرصة تكرار الحالة الباكستانية في شرق المتوسط.
وفيما لم ينتظر الأميركيون انعقاد التحالف العالمي ضد الإرهاب لضم الأراضي السورية إلى حقل عملياتهم وباشروا الترصد والاستطلاع الجوي في إطار عمليات مطاردة تقوم بها الطائرات الأمريكية في الغرب العراقي لأرتال “داعش” في دير الزور والرقة التي يستخدمها “الدولة الإسلامية” كقاعدة خلفية لقواته في العراق بدأت روسيا وسورية المشاورات للإشتراك في العمليات العسكرية الجوية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في الشرق السوري.
وتضافرت في الساعات الأخيرة عناصر ديبلوماسية عربية وروسية وإيرانية تعزز الاتجاه إلى بلورة تحالف دولي ضد “داعش” وأطلق السوريون بالأمس رسالة ديبلوماسية قوية من خلال إعلان موقف مؤيد وواضح لقرار مجلس الأمن الدولي الذي يستهدف تجفيف تمويل “جبهة النصرة” و”داعش” ويحث جيران سورية على إغلاق معابر “الجهاد العالمي” في أراضيهم .
ويرى خبراء أن الموافقة السورية على تنسيق دولي لا تعني أن السوريين يميلون إلى تسليم الولايات المتحدة قيادة أي تحالف أو أي عملية والأرجح أن تتضح قواعد الاشتباك المطلوبة ضد “داعش” في الجانب السوري إذا ما تم الاتفاق على قرار جديد في مجلس الأمن يضع آليات تطبيقية للقرار 2170 ويسمح للإدارة الأميركية بالاستناد إليه القيام بعملياتها العسكرية من دون الاضطرار إلى قرار أحادي الجانب .
كما أشارت مصادر صحفية عربية إلى أن السوريين طلبوا من موسكو دراسة المشاركة في العمليات الجوية ضد “داعش” في الشرق السوري أسوة بالأميركيين أو منح الجيش السوري المزيد من المعدّات من صواريخ وطائرات لتكثيف عمليات القصف الجوي خصوصا في شرق سورية وفي المقابل يبحث الروس عن إطار سياسي يؤسس لأي تحالف ضد الإرهاب وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أيد ما خلص إليه رئيس أركان الجيوش الأميركية مارتن ديمبسي من ترابط المعركة ضد “داعش” في العراق وسورية وضرورة قتاله في سورية لهزيمته .
وبديهي أن يفضل السوريون أن تقوم حليفتهم روسيا بدور فعال في أي تحالف ضد الإرهاب وأن تؤدي دورا موازنا للدور الأميركي لكي لا تتحول الحرب ضد “داعش” إلى مناسبة لابتزاز دمشق سياسيا في قضايا تتعلق بالتسوية أو مقايضة دورها وغاراتها بثمن سياسي في تركيبة النظام السوري على غرار ما جرى في بغداد .
وفي جانبه الإيجابي، يشكل القرار الدولي بمكافحة “داعش” و”النصرة” انتصارا سياسيا لسورية والعراق وإيران وروسيا ولكن في جانبه الآخر قد يهيئ لسيناريو حرب أميركية منفردة وطويلة الآمد وضعيفة الفاعلية لا تهدف إلى تصفية “داعش” ولكن إلى ضبط حركتها في الحدود المرسومة للمصالح الأميركية في تكرار للحالة الباكستانية بما في ذلك استمرار دعم التمرد المسلح المعتبر من قبل الغرب “معتدلا” ضد سورية وإطالة مرحلة عدم الاستقرار في المنطقة .
إن ما يدل على هذا السيناريو وما يضحض “نظرية المؤامرة” حوله هو مجيء قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما ببدء طلعات استطلاع جوية فوق الأراضي السورية لترصّد “داعش” مباشرة فور إعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن “..أي عمليات عسكرية على الأراضي السورية من دون موافقة حكومتها يعد “عدوانا” عليها..” ما يعني أن الولايات المتحدة مصرة على التصرف بصورة منفردة وأنها تنوي فتح حرب مديدة لحسابها في العراق وسورية في غضون مواصلة السعوديين والقَطريين والأتراك انتاج الإرهابيين ودعمهم وتقديمهم للآلة الحربية الأمريكية للقضاء عليهم إلى لانهاية.
من جهة أخرى يعتقد ديمبسي أنه بعكس تنظيم “القاعدة” الأم ليس لدى “داعش” حتى الآن خطط تهدّد الولايات المتحدة وأوروبا بصورة مباشرة لأنه تنظيم إقليمي محلي وليس أمميا وهدفه إقامة الدولة والخلافة في جغرافيا سياسية معينة تضم مناطق قبلية سنية تمتد عبر البادية السورية وحولها وهذا المشروع هو تكرار بسيط للدولة السعودية التي قامت على تحالف قبلي وهابي وإنه ينشئ محمية نفطية أخرى على الطريقة الخليجية وينتج عنه تقسيم سورية والعراق مما يُضعف هذين البلدين ويدفع بهما إلى تفاهمات مع واشنطن.
إن الطلعات الجوية الأميركية المعدودة لم تلحق خسائر تذكر بمسلحي “داعش” ولم تكن أكثر من رسالة واضحة عنوانها “ممنوع الاقتراب من كردستان” ويبدو أن الرسالة قد وصلت وهذا كاف لإرضاء الأميركيين في حين بقيت بغداد دون انتباه يؤهلها توجيه ضربات قاصمة لداعش كما يستمر الأتراك بتسريب الإرهابيين عبر حدودهم ويواصل السعوديون تقديم الدعم للمجموعات الوهابية المسلحة في سورية.