تعالوا نتحدث عن المروءة الاميركية…! ونتمنى لو كنا من المحيط الى الخليج اكراداً. على الاقل كي لا تستمر الولايات المتحدة في التعامل معنا كما البراميل البشرية، وسواء تدحرجت هذه البراميل على ارصفة روتردام ام في اروقة وول ستريت. كل ما تنتجه ارضنا يذهب الى اميركا. ديفيد روكفلر تحدث عن معجزة اتت بها السماء في شبه الجزيرة العربية هي الاسلام قبل ان يتحول الى ما تحول اليه (ويكاد ابو بكر البغدادي يقطع رأس ابي ذر الغفاري)، وعن معجزة اتت بها الارض هي النفط الذي كان يفترض ان يجعل منا امبراطورية على الاقل تشارك في ادارة الكرة الارضية بدل ان تجعل منا متحفاً لبقايا القرون الوسطى. واذا كان الاميركيون هم من اخترعوا اسرائيل لتفكيك القارة العربية، ولم يفعل آرثر بلفور سوى ما بدأه الرئيس وودرو ويلسون بالمشاركة في الحرب العالمية الاولى ليتيح المجال امام الجيش الانكليزي والدخول الى فلسطين، فان الاميركيين هم من اخترعوا كردستان لتفكيك ما تبقى من القارة العربية. دائماً ابحث عن النفط. بايدينا حولنا المعجزة الى فضيحة. لنلاحظ كيف تدغدغ واشنطن اربيل. رجال «داعش» وصلوا الى تخوم بغداد، فاكتفى باراك اوباما باسداء النصائح، حتى اذا ما لامسوا ضواحي اربيل انطلقت القاذفات الاميركية، للتو، وراحت تضرب آليات «داعش» ومرابضها المدفعية، فهل يصح وصف ديفيد بولوك لكردستان بـ«الفردوس الاميركي» في حرب الانابيب التي هي حرب القرن؟ من زمان والشركات الاميركية تحط الرحال في المناطق الكردية في العراق. هي من اقصت صدام حسين عن الاقليم الذي وان شهد بعض مظاهر الفساد، والزبائنية بطبيعة الحال، فان الدرجة التي بلغتها بغداد في الفساد فوق التصور. ولقد اكتشفنا ان تعبير «المغول الجدد» الذي نطلقه على جحافل «داعش» سبق واستخدمه سياسي عراقي لدى حديثه عما تفعله حاشية المالكي في المال العام. غريب ان العرب، العرب وحدهم، يتعاطون مع الدولة على انها مغارة علي بابا. ربما لانها… اللادولة! تذهب الى بغداد فتشعر كما لو انك ذهبت الى جهنم. شيء ما يشبه قعر جهنم في الكوميديا الالهية (لدانتي)، مع ان المدينة التي كانت ذات يوم لؤلؤة الدنيا في عهد هارون الرشيد وابنه المأمون، كان يفترض ان تكون شانغهاي او على الاقل كوالا لامبور. لافتات سوداء تقتل القلب، وشعارات مملة، وخطوط تماس مرئية ولا مرئية، وعسكريون اقل ما يقال فيهم انهم يشقون الطريق امام السيارات المفخخة، ثم يلملمون الاشلاء، كما لو ان شيئاً لم يكن. اما المنطقة الخضراء فأكثر من ان تكون مهينة للعقل البشري. وتسأل كيف هبطت اللعنة على هذه المدينة، هل هي حقاً اللعنة السومرية، وحيث المرثيات الكبرى تكاد تُبكي الحجارة. المهم ان بغداد مدينة محطمة، ويائسة، وباستطاعة ابي بكر البغدادي ان يدخل اليها ساعة يشاء ولو سيراً على الاقدام. ربما يخاف على رجاله ان يضيعوا وسط الركام. نوري المالكي ترجل عن حصانه الخشبي، الخشية من ان يمتطي حيدر العبادي الحصان نفسه. واذا كان لبنان آخر ما يعني الساسة فيه، فهذه هي حال العراقيين الذين يمتلكون كل الامكانات لكي يهزوا المنطقة، فاذا بهم يدارون بالريموت كونترول من طهران وانقرة والرياض وحتى من مسعود برزاني، حتى انه لم يكن للعراقيين اي دور في السيناريو الذي اتى برئيس الجمهورية وبرئيس مجلس النواب واخيراً برئيس مجلس الوزراء. كل شيء تتم فبركته عبر الحدود. العراقيون اشلاء سياسية واشلاء ايديولوجية , الاكراد كانوا مثلنا يخوضون في ما بينهم حروباً ابدية حول المراعي، وهذا ما قاله لنا رجل هو اليد اليمنى لعبد الله اوجلان. لا تتصوروا انهم هم من حولوا كردستان الى واحة تستقطب رجال الاعمال من اصقاع الدنيا. الاميركيون وراء كل هذا، فلماذا الاصرار فقط على تشتيت العرب؟ لا، لا، المشكلة ليست في نوري المالكي. كلهم على شاكلته.كما شبق جلجامش في الاسطورة الشهيرة الى الخلود، وكان يليق به الخلود، الشبق لدى ساسة العراق الى السلطة. معمر القذافي، وبعد اربعين عاماً من اللجان الثورية قال، ودون خجل، «اننا مجتمع من العشائر». في العراق ماذا فعل البعث، بافكاره الثورية والقومية، على مدى اربعة عقود سوى انه كرّس ذلك الموزاييك العشائري ( 192 عشيرة عربية و52 عشيرة كردية). كلهم يلعبون على ظهر الزمن. لا احد يلاعب الزمن. بغداد كئيبة، وضائعة. وعلى بعد كليومترات قليلة منها جحافل ابي بكر البغدادي. ديبلوماسي عراقي هو صديق قديم قال لنا ان الاسابيع المقبلة ستشهد انقلاباً في المشهد العسكري. ولكن هل متاح اميركياً واسرائيلياً وتركياً وايرانياً وعربياً ان تعود بغداد الى زهوها وتؤثر في مسار الاحداث في المنطقة بعدما تلاشت القاهرة في ازماتها واحاط الخراب بدمشق من كل حدب وصوب؟ كل شيء مبرمج نفطياً. لاحظوا الا نشبه البراميل البشرية. ومرة اخرى اننا نتدحرج. هل ترانا ندري الى اين نتدحرج؟ باراك اوباما وصف كردستان، وكما نقل عنه توماس فريدمان في «النيويوروك تايمز»، بـ «الجزيرة الفاضلة». لا ندري لماذا تجنب عبارة افلاطون «الجمهورية الفاضلة». هم من يصنعون «الجزيرة الفاضلة» وهم من يصنعون الجزيرة القاتلة. الم تخترع وكالة الاستخبارات المركزية «طالبان» لحماية انبوب الغاز القادم من تركماستان الى المحيط الهندي في شمال افغانستان. اذاً، لماذا لا يكونون هم من اخترعوا «داعش» لاعادة ترتيب خريطة النفط والغاز ما دامت عمليات المسح بالاقمار الصناعية اظهرت وجود ثروات هائلة في قاع المتوسط (شرق المتوسط) وعلى ضفافه ايضاً. على امل ان يمتطي العبادي حصان الريح، لا الحصان الخشبي، لتزهو بغداد ويزهو معها العرب، حتى ولو كانوا عرب الريموت كونترول! الديار |