التنظيم الذي تخشاه «داعش» يتعهد بسحقها في العراق.. من يكون؟بي بي سي – حدّق القيادي في “عصائب أهل الحق”، حاج جواد الطليباوي، فيّ بنظرة فاحصة وحذرني من أنه رجل صعب المراس، وقال لي إنه يجدر بي ألا أفشي أسرار عصائب أهل الحق، أقوى مليشيا شيعية في العراق، إلى المخابرات الأجنبية.
وسمعناه للتو على الهاتف يصدر أوامر وينبه لشخص ما على الطرف الآخر بأن الأحزمة الناسفة تُهرب إلى المنطقة، قائلا إنه في حال ثبوت مساعدة السنة لمقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”، فسوف يكون جزاؤهم القتل الواحد تلو الآخر، إذا لزم الأمر.
طول حاج جواد، 1.72 م، كان يرتدي حذاء طويلا وبدلة قتال، وهو في منتصف العمر، ويبدو من أول وهلة أن تهديداته لابد أن تؤخذ على محمل الجد.
كنا داخل مبنى اتخذه التنظيم مركزا للقيادة في بلدة الدجيل وهي بلدة صغيرة طرقها ترابية تقع شمالي العاصمة العراقية بغداد على بعد 65 كيلومترا.
كان حاج جواد، أحد أبرز القادة العسكريين بجماعة “عصائب أهل الحق”، وهو فخور بالرهبة التي يحاط بها التنظيم الذي ينتمي إليه.
وكان يتباهى بقوله إن مقاتلي “الدولة الإسلامية” – التي كانت معروفة اختصارا في السابق باسم “داعش” – يعرفون جيدا نوع الرجال الذين يواجهونهم في محيط بلدة الدجيل.
قال لي جواد إنه يؤمن بأن وعد الله بالنصر حق وأن الرعب يملأ قلوب أعدائهم حتى قبل أن يرونهم. كما أنهم تلقوا مكالمات هاتفية من القرى الواقعة تحت سيطرة المسلحين يعرضون من خلالها الاستسلام مقابل الأمان.
وأضاف أن “هذا يوضح مدى الرعب الذي يسيطر على المسلحين من مواجهتنا – ويرجع ذلك إلى خبراتنا في القتال بالمناطق الحضرية وحرب العصابات بالإضافة إلى الخبرة التي اكتسبناها من قتال القوات الأمريكية والبريطانية.”
ليس من السهل التعرف على مقار “عصائب أهل الحق” أو أن يُصرح لك بالدخول عند الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
ولا يشجع هذه التنظيم، الذي يتمتع بنفوذ قوي سياسيا أيضا بالعراق، الاتصالات مع أشخاص غير معروفين. كما أنه ينقل مقاره بصفة دورية.
ولكن لأننا تلقينا دعوة للقاء الشيخ قيس الخزعلي، زعيم العصائب، جرى استقبالنا بحفاوة هناك.
كان الشيخ الخزعلي الأربعيني يتوشح السواد ويرتدي العمامة البيضاء التي يضعها رجال الدين، وأكد خلال لقائه بنا على أن التنظيم يعتبر في الوقت الراهن حركة سياسية وتنظيما مسلحا في الوقت نفسه.
وقال إن التنظيم، برغم السمعة التي تحيط به، ليس تنظيما طائفيا مؤكدا أن هدفه هو حماية كل العراقيين من الغزاة الأجانب.
يُذكر أن “عصائب الحق” ظهرت للمرة الأولى كحركة مقاومة تقاتل القوات الأمريكية والبريطانية بعد غزو العراق في 2003.
وكان من بين العمليات العسكرية التي أضرت بسمعته خطف خمسة من البريطانيين في 2007 لم ينج منهم سوى واحد فقط تم إطلاق سراحه بعد عامين من الاحتجاز.
وقاتل رجال الشيخ في سوريا إلى جانب قوات نظام بشار الأسد وأحكموا السيطرة على منطقة بدمشق بالقرب من مزارات مقدسة.
ويؤمن الخزعلي بأن سوريا والعراق بلد واحد.
يقول الشيخ الخزعلي إن “إرسال رجالنا للقتال في سوريا كان قرارا صحيحا.”
وأضاف أن “القاعدة لديها خبرة واسعة في حرب الشوارع. ولولا حصول رجالنا على تلك الخبرات في سوريا، لكان مقاتلو القاعدة وداعش قد أحكموا السيطرة على بغداد وما كنا لنتمكن من الجلوس هنا الآن.”
لا يحتاج العراق إلى قوات أجنبية، ففيه ما يكفي للدفاع عن أراضيه، وفقا للخزعلي، ومثله مثل الكثير من المباني المهملة في بغداد، يُحاط مقر العصائب بالحواجز الواقية من الانفجارات والأسلاك الشائكة والمسلحين.
وكان أحد الحراس حول المبنى يرتدي قميصا ضيقا بلون الرمال، ولم ينزعج أحد من أن القميص كان موسوما بشارة القيادة الخاصة بالجيش الأمريكي، عدوهم السابق، وذلك ربما لأن ارتداءه بتلك الشارة لم يكن متعمدًا، إذ أن مصمم القميص هو من وضع الشارة.
داخل المبنى وأثناء جلوسنا معه، ألقى الشيخ الخزعلي باللوم على الغرب لما تسبب فيه من مصائب للعراق، اتهم الخزعلي الولايات المتحدة وأصدقاءها بأنهم هم الذين جلبوا المتاعب إلى العراق، إذ أنهم فتحوا الباب على مصراعيه أمام القاعدة وفروعها بما فيهم داعش والآن أصبحت العراق مفتوحة لأعنف الحركات الجهادية السنية.
كما اتهم قطر بتمويل “داعش” كجزء من مخطط لنشر الفوضى في المنطقة. ويرى أن السعودية، لا دخل لها بتمويل “داعش” لكنها تمول جماعات سنية أخرى بما في ذلك جبهة النصرة، الفرع الرئيس للقاعدة في سوريا.
ولا تجد “عصائب أهل الحق” حرجا في الحديث عن علاقتها بالإيرانيين. فمقاتلوها مدربون ومسلحون بمعرفة إيران. وهم أيضا يمثلون واحدة من التشكيلات التي من الممكن أن تخشاه داعش كما يخشاها الجميع.
ولكن الشيخ قيس أكد أنه لا حاجة لأن يرسل الإيرانيون قواتهم إلى العراق.
قال الخزعلي: “لا نريد قوات أجنبية من أي دولة، فلدينا مقاتلون بما فيه الكفاية بالعراق. ولسنا مضطرين إلى للاستعانة بجيوش من دول أخرى.”
وأضاف أنه “إذا كان الحديث عن المستشارين، فالمستشارون الإيرانيون ليسو وحدهم هنا، بل هناك مستشارون أمريكيون أيضا. وربما يوجد مستشارون روس من أجل طائرات السوخوي (الموردة حديثا للعراق)”
وتابع: “العراق يفتقر إلى القوة، فهو دولة ضعيفة. لذلك، تحتاج إلى الدعم الاستشاري العسكري والأسلحة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالجنود، فلن تحتاج أحدا ليحارب بالنيابة عنها. فالعراقيون يتمتعون بالشجاعة ويستطيعون الدفاع عن أنفسهم.”
وعلى أرض المعركة إلى الشمال من بغداد، اصطحب رجال الخزعلي بي بي سي إلى مواقع زعموا أنها تبعد عن أماكن تمركز مقاتلي داعش بـ 500 متر.
وتدور رحى الحرب في الوقت الحالي في قلب الأراضي العراقية. وهي الحرب التي لا يعاني ويلاتها العراق فقط، بل إنها تنشر الفوضى في المنطقة بأكملها، خاصة وأنها أصبحت حربا بين السنة والشيعة وقودها الصدع الهائل في العلاقة بين الطائفتين.
وربما تمتد آثار تلك الحرب إلى بلاد أخرى أبعد من ذلك بكثير في أوروبا وأمريكا الشمالية.
فلا صوت يعلو على صوت المعركة في العراق، والحديث عن صفقة سياسية لتخفيف عن سيطرة الشيعة على المشهد السياسي، لا يجدي نفعا. فهوة الانقسام الديني والعرقي في العراق تزداد اتساعا يوما بعد يوم.
*بي بي سي