العراق والشام تحت الخطر ولبنان الى الواجهةحمزة الخنسا – العهد
يتنافس الإعلام الخليجي على تحقيق هدف إلباس ثوب “الثورة” لما يجري في العراق. بعد سوريا، يجري في العراق تعليب الثورة وتلميعها لتصبح جاهزة للطرح في السوق ولـ”يبلعها المستهلك”. أما في لبنان، فكثيرون باشروا عملية عض أصابع موجعة، البعض ندماً والبعض خوفاً والبعض الآخر اعترافاً بصوابية خيار المقاومة في محاربة الإرهاب في عقر داره.
لم تفاجئ “داعش” بهجومها على الموصل أياً من المعنيين في العراق. كانت الدوائر الاستخبارية على علم بما يجري التحضير له. حصلت خيانات، وسلّم بعض قادة القطاعات والألوية ما هو مسؤول عنه من أمن وعتاد وحتى عديد. بعضهم فعل ذلك لأسباب مذهبية، والبعض الآخر لأسباب سياسية، وآخرون تاجروا بمناصبهم وأمن البلد. لم يكن بمقدور من بقي الدفاع والمواجهة، حصل الانسحاب، وتم إخراجه إعلامياً بصورة مثالية تخدم الهدف: “انهيار الجيش العراقي أمام ضربات الثوار”.
على العموم، تجاوز العراقيون البحث في المسؤوليات، كما تجاوزوا الصدمة الجماعية التي أصابت المجتمع، وانطلقوا نحو استعادة زمام الأمور على طول المناطق المستهدقة وعرضها. البحث الدائر الآن يتركّز على أهداف ما حصل. يقرأ العراقيون ما حصل على أنه خطة مُحكمة نُفّذت بإتقان، أشرف عليها أكثر من جهاز استخباراتي إقليمي ودولي بهدف تزويد الجماعات المسلّحة التي تقاتل الجيش السوري، بالمال والسلاح.
لا تستطيع أية دولة داعمة للمسلّحين في سوريا، وبعد التطورات الميدانية والسياسية الأخيرة، أن تقرّر جهارة إرسال سلاح نوعي الى المقاتلين في سوريا. كما هو معلوم، فإن المجموعات المسلّحة في سوريا بحاجة ماسّة الى أنواع متطورة ومحدّدة من السلاح يكسر التفوّق المسجّل للجيش السوري، ويمكّنها من السيطرة على البلاد.
يفهم العراقيون جيداً أن ما حصل في الموصل، هدف الى تزويد المسلّحين في سوريا، و”القاعديين” منهم، بسلاح أميركي متطوّر كاسر للتوازن، هذه المرة من مخازن الجيش العراقي، لا الأميركي، منعاً للحرج التي من الممكن أن تتعرّض لها الإدارة الأميركية على الساحة الدولية. وهذا ما تم فعلاً، فقد عمد “الداعشيون” الى نقل كميّات كبيرة من السلاح الأميركي “الغنيمة” من الموصل الى الأراضي السورية، فضلاً عن كميّات ضخمة من الدولارات الأميركية “الغنيمة” أيضاً من البنوك العراقية.
ميدانياً، يقرأ العراقيون في التحرّك “الداعشي” من الموصل نحو جنوب العراق وغربه حصراً، سعياً لإشعال فتنة مذهبية في بلاد الرافدين تكون مدخلاً لانطلاق مشروع تقسيم البلاد، ورافداً لتحويل نظرية الأقاليم، في سوريا ولبنان والعراق، الى واقع.
لبنانياً، يُدخِل هذا المخطط لبنان من جديد في دائرة الخطر، ويضعه مجدداً في حلقة الأعمال الإرهابية الهادفة. تقول مصادر لبنانية معنية، إن الاستقرار الأمني الذي ينعم به لبنان منذ تشكيل حكومة المصلحة الوطنية، لا يعني أن الخلايا الإرهابية النائمة اختفت عن الساحة. خلايا القاعدة وأخواتها، من نصرة وداعش وغيرها من التسميات، لا تزال في وضع الاستعداد لأي جديد تفرضه المتغيرات على الأرض. غير أن المصادر تؤكد أن درجة متابعة تلك الخلايا ورصدها، لا تزال هي الأخرى على حالها من الاستعداد والتأهّب للحظة الحسم.
سياسياً، تبدي المصادر ارتياحها لوجود الحكومة الجامعة في هذه اللحظة من تاريخ لبنان. تبدي ارتياحاً أكثر لوجود عدد من “القبضايات” على رأس الوزارات الأمنية. تشيد بعدد من الخطوات الجريئة التي قام بها بعضهم في مواجهة حالات كانت لتُستَغل مذهبياً لو بقيت الحكومة من دون مشاركة تيّار المستقبل. تكشف عن تنسيق دائم بين الأجهزة الأمنية الرسمية كافة، وبين جهاز أمن المقاومة فيما يتعلق بمتابعة الحركات التكفيرية التي كان لها بصمات تفجيرية في لبنان في المرحلة السابقة.
على الرغم من القضاء على نسبة كبيرة من الخطر القادم عبر الحدود، تعطي المصادر أهمية قصوى للاستقرار السياسي القائم في مواجهة أية تداعيات للجنون الحاصل في العراق. تعتبر أن ما حصل في الموصل كان ليُطبّق بحذافيره شمال لبنان، حيث البيئة الشعبية والثقافية الحاضنة للقاعدة وأخواتها، انطلاقاً من حجة دعم “الثورة” في سوريا.
في هذا السياق، تكشف المصادر عن العديد من الرسائل المرحّبة بالخطوة الاستباقية التي قامت بها المقاومة في سوريا. العديد من الشخصيات والكيانات السياسية أرسلت، في السر والعلن وعبر موفدين، عبارات الشكر والثناء على صوابية قرار المقاومة وقيادتها، واستشرافها للخطر والقضاء عليه قبل وقوعه. الأجواء المسجّلة حتى الساعة، ربطاً بما حصل في العراق، تُظهر اعترافاً متأخراً بصحة قرارات المقاومة، سياسياً عبر تشكيل الحكومة الجامعة، وعسكرياً من خلال الحملة الاستباقية على الجماعات التكفيرية. غير أنه من غير المتوقع أن تخفت أصوات مهاجمي المقاومة وسلاحها وسياساتها، خدمة لمصالح سياسية آنية.