الأهمية الاستراتيجية لحمص في خريطة سورية العسكريةالعميد د. هشام جابر – صحيفة البناء
بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب الأممية في سورية وعلى سورية، كيف يبدو الوضع الميداني؟ وما هي أبرز النقاط في الخريطة العسكرية السورية؟ وما هي أهمية حمص ولماذا انتظر النظام السوري أكثر من سنتين لإزالة بؤرة المسلحين في حمص القديمة؟ وما هي الأولويات الميدانية على الساحة السورية بالنسبة إلى النظام السوري للقضاء على مخطط تقسيم سورية والمحافظة على وحدة هذا البلد؟ أسئلة كثيرة طرحت ولا تزال تطرح.
بدايةً، تنبع أهمية حمص من كونها عاصمة المنطقة الوسطى التي تربط بين العاصمة دمشق والساحل السوري الذي يقارب بأهميته الاستراتيجية والاقتصادية، أهمية سورية بحراً، وليس لاعتبارات ديموغرافية ذات لون طائفي وطابع مذهبي كما يدعي ويروّج معلّقون ومحلّلون كثر يرون في هذا الساحل مشروع دولة علوية يمكن أن تمتد وتتوسع إلى هاتاي شمالاً وحمص شرقاً.
فالساحل السوري ذو تنوع ديموغرافي واضح، لا يختلف كثيراً عن التنوع الديموغرافي في سورية بأسرها. هنالك مئات ألوف من السنّة يقطنون بانياس واللاذقية، وأكثر من مليون ونصف مليون مسيحي في وادي النصارى وقضاءي طرطوس وصافيتا يعيشون منذ عقود طويلة مع مواطنيهم العلويين. وقد تهجر من منطقة حمص أكثر من مئتي ألف مسيحي إلى الساحل السوري، هرباً من تهديد الجماعات التكفيرية المسلحة. ورغم أهمية حلب القصوى والتي لا يمكن إنكارها، كونها العاصمة الثانية لسورية، فإن حمص وكما ذكرنا تتخذ أهمية إستراتيجية قصوى.
أما لماذا لم يحسم الجيش السوري قضية حمص عسكرياً ومنذ البداية، فالجواب ببساطة تامة هو التخفيف قدر الإمكان من الضحايا المدنيين، وهي سياسة اتبعتها سورية الدولة منذ بداية الحوادث الدامية في هذا القطر الجريح.
تفيد الإحصاءات التاريخية بأنّ ضحايا الحرب العالمية الثانية الذي فاق 25 مليون ضحية، بلغ فيه عدد المدنيين الأبرياء ستة أضعاف إلى عدد العسكريين المقاتلين . أما في سورية فيشير آخر تقرير صدر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان في 19 أيار من العام الجاري. إلى أن عدد ضحايا الحرب في سورية فاق حتى الساعة 165 ألفاً بينهم 61 ألف ضحية من العسكريين، وهذه نسبة لم تشهدها أي حرب في التاريخ المعاصر، ما يؤكد ما ذكرناه أعلاه.
أما الأولويات الميدانية استراتيجياً، فرغم أن النظام السوري يطمح إلى إعادة السيطرة على مدن وقرى ودساكر سورية كافة، فإن الأولويات حالياً هي كالآتي:
العاصمة دمشق وريفها ومحيطها ثم الساحل السوري، والطرق المؤدية بينهما، ما يفسّر الحرص على إعادة السيطرة على جبال القلمون بعد السيطرة على سهل القصير وريف حمص.
وفي الأولويات الطرق الدولية، وفي حين أن الطرق المؤدية إلى تركيا والعراق خرجت إلى حدّ ما على نطاق السيطرة، فإن طريقي دمشق – عمان ودمشق- بيروت، تتخذ أهمية كبرى وتشكل خطوطاً حمراء، بالإضافة إلى المطارات العسكرية ومطار حلب الدولي الذي يشكل في حال السيطرة عليه من قوى المعارضة نقلة نوعية يمكن أن توضع في خانة الإنفصال.
حققت القوات السورية النظامية تقدماً بارزاً في منطقة درعا في السيطرة التامة على طريق القنيطرة دمشق، مروراً بمدينة قطنا التي تتمركز بها قيادة الفيلق الأول والفيلق Corps لمن يهمه الأمر هو ثلاث ثم قوى على الدعم اللوجستي، أي نحو 50 ألف جندي وضابط.
بنظرة إلى القدرات العسكرية لدى الجيش السوري، فإن القوات البرية التي تتألف من 12 فرقة، نصفها مردعة، ونصفها مشاة مؤللة، ثم أكثر من عشر ألوية من المغاوير والقوات الخاصة، أعيدت تعبئة كوادرها من الاحتياط بعد الانشقاقات التي حصلت وقدرت بـ 70 ألف جندي ورتيب. أما على صعيد الضباط فلم تتجاوز الانشقاقات 3 من عديد الضباط الذي يفوق 18 ألف ضابط.
سلاح الدفاع الجوي الذي يملك أسلحة استراتيجية ويبلغ عديده 60 ألف عنصر لم يتأثر بأي نسبة خسائر تذكر. كذلك سلاح الطيران الذي لا يزال يعمل بقدرة تفوق 85.
ماذا عن القوى المعارضة؟ ما هي قدراتها وما هو عديدها؟
يقدر المراقبون عدد الأفراد الذين يقاتلون في صفوف المعارضة المسلحة بنحو 180 ألف عنصر، بينهم 60 ألف عنصر من الغرباء الذين أتوا من خارج البلاد، وهؤلاء مزوّدون بأسلحة مضادة للدروع متطوّرة منها صواريخ Taw وصواريخ Milan وما يعادلها، وزوّدوا عدداً محدوداً من الصواريخ المضادة للطائرات تحمل على الكتف من طراز سام 7 وستنغر تقدر بخمسين صاروخ.
تتوالى الحوادث في سورية، ويتقدم النظام في مناطق الأولويات التي ذكرنا، ويتراجع في مناطق أخرى، ولا يوجد حل سياسي في الأفق. إلاّ أن المصالحات التي اعتمدها النظام في عدة أماكن ويستمر في اعتمادها تبشر بتوسع سيطرته على مناطق إضافية، لا سيما بعدما يئست مجموعات كبيرة من المسلحين، وتقلّصت البيئة الحاضنة والسؤال الأخير عن الحل المرتقب، فنحن من القائلين منذ أكثر من سنة إنه كان على السفير الأخضر الابراهيمي البدء بالخطوة الأولى والحرص على تحقيق وقف لإطلاق النار بضمان الدول المساندة، بدلاً من القفز إلى الخطوة الأخيرة وبحث المستقبل السياسي في سورية في مؤتمر جنيف2.
هذا غيض من فيض. والحديث عن الأوضاع العسكرية في سورية يستلزم مجلدات.
أخيراً وليس آخراً، معظم المراقبين يأملون بحصول تقدم كبير وقبل نهاية العام على الصعيد الميداني وبالتالي السياسي. أما إذا حصل تطور دراماتيكي يستهدف رأس النظام، لا سمح الله، ونكرر هذا الدعاء، فإنّ سورية ستدخل «الصوملة» والحرب الأهلية وبالتالي التقسيم الذي سيطول حتماً دول الجوار، خاصة العراق والأردن ولبنان ولن تكون وحدة تركيا في مأمن، أو ضمن أيّ ضمانة، فلواء إسكندرون السليب سينفصل حتماً عن تركيا والأكراد الذين أقاموا شريطاً كخطوة أولى سيتصلون حتماً بكردستان العراق وأخوتهم في تركيا.
فهل ستعيد الولايات المتحدة أميركا البحث في الشرق الأوسط الجديد وتسحب من الأدراج. مخطط هنري كيسنجر الذي بدأ في السبعينات وبدأت بناء عليه حرب لبنان ثم نام في الأدراج لنحو ثلاثة عقود من الزمن قبل أن تحييه السيدة كونداليزا رايس ويعود يغفو مع إدارة أوباما؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.
*رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة