ناجي البستاني
البعض في لبنان والدول العربية والعالم، ومنهم مسؤولون كبار، يقول بكل ثقة إنّ النظام السوري سيسقط حتماً، والمسألة مسألة وقت، فقط لا غير. في المقابل، يؤكّد كثيرون أنّ النظام السوري باق، وهو سيخرج أقوى مما كان عليه في بداية الأحداث في 15 آذار 2011. فمَن من الفريقَين على حق، ومن هو أقرب إلى الواقع؟
تحليلياً، يستند القائلون بقرب سقوط النظام في سوريا، إلى المعطيات التالية:
أوّلاً: إنّ الضغط السياسي والدبلوماسي العربي والدولي على النظام في دمشق مستمرّ وتصاعدي، الأمر الذي يعزله ويضعفه أكثر فأكثر.
ثانياً: إنّ الوضع الإقتصادي في سوريا في تدهور تصاعدي، حيث تراجعت الإستثمارات الأجنبيّة بشكل كبير، وتراجعت العائدات السياحيّة بشكل كامل. وهذا الأمر تسبّب بعجز عن الوفاء بالكثير من الإلتزامات الإقتصادية، وعن تسديد مستحقّات مالية عدة، إلى جانب فقدان الليرة السورية كثيراً من قيمتها في مقابل العملات الأجنبيّة. والأكيد أنّ الفقر والبطالة لا يولّدان إلا المزيد من الناقمين والمنتفضين على النظام.
ثالثاً: إنّ الوحدات السوريّة النظامية الموالية كلياً للنظام السوري باتت منهكة بعد مضيّ سنة ونصف من المشاكل والمعارك، خاصة في ظلّ إضطرارها إلى التنقّل من موقع إلى آخر، تبعاً للحاجة، في ظلّ توسّع العمليّات الأمنيّة جغرافيا، وإستمرار عمليّات الفرار من صفوف الجيش. يضاف إلى ذلك، تمكّن المعارضة من إغتيال العديد من القادة العسكريّين، ووصول عدد المعارضين المسلّحين إلى نحو ستين ألف مقاتل، ثلثهم نظاميّ ضمن “الجيش الحرّ”، والبقيّة من “الإخوان” وما يُسمّى بـ”الجهاديّين”.
رابعاً: إنّ نجاح المعارضة السوريّة في جعل العديد من المناطق خارج سيطرة الدولة، من شأنه أن يشجّع أكثر القوى المناهضة للنظام، وأن يدفعها إلى التمرّد. وعلى خط مواز، من شأن وفاء العديد من الدول بوعودها بشأن تسليح المعارضة أن يعزّز قدرة الوحدات القتالية المناهضة للنظام.
خامساً: إنّ المعارضة السورية تعوّل على إزدياد الخلاف بين الحُكم في دمشق من جهة، والحكم في كل من أنقره وعمّان، وكذلك في القاهرة وفي عواصم دول الخليج والعالم الغربي، من جهة أخرى، على أمل إنجراف الدول المناهضة لسوريا حالياً، وبدعم إقليمي ودولي، في مغامرة فرض منطقة آمنة أو ما شابه، الأمر الذي من شأنه أن يضعف النظام في دمشق بوجه معارضيه في الداخل، ويرفع من فرص التدخّل العسكري الأجنبي.
في المقابل، يردّ القائلون بصمود النظام في سوريا، على كل ما سبق، بالمعطيات التالية:
أوّلاً: بالنسبة إلى الضغط السياسي والدبلوماسي العربي والدولي، فهو لن يجدي نفعاً، لأنّ دمشق سبق أنّ مرّت بفترات عزلة قاسية، وهي تجاوزتها مع الوقت من خلال إعتماد سياسة “النفس الطويل”. وليس سرّاً أنّ كلّ الدعوات العربية والدولية لتغيير النظام، ذهبت كلّها مع الريح، كما أنّ لعبة توازن المصالح الدولية الإقتصادية والسياسية ما زالت تدفع بكل من روسيا والصين وغيرها من الدول، إلى رفض إسقاط النظام في دمشق بالقوة. وبالتالي إنّ معطيات أي تدخّل دولي غربي فعلي غير متوفّرة حالياً.
ثانياً: بالنسبة إلى الضغط الإقتصادي الحالي، فهو من التحديات الصعبة للنظام السوري حالياً من دون أدنى شك، لكن إمكان تجاوزه ليس مستحيلاً، خاصة وأنّ الكثير من الدول الحليفة لدمشق تحاول التعويض عن غياب الإستثمارات وعن التضييق المالي، بطرق مختلفة. أكثر من ذلك، إنّ الجسر الجوي بين سوريا وإيران، وعدم معاداة الحكومة العراقية الحالية للنظام السوري أفشلا الحصار المفروض على سوريا.
ثالثاً: بالنسبة إلى ولاء الجيش النظامي السوري، فهو لا يزال جيّداً على الرغم من تجاوز الأحداث السنة ونصف السنة، والقيادة الأمنيّة الجديدة متماسكة. وحتى اليوم، الإنشقاقات محدودة نسبياً، ولا تتجاوز العشرة بالمئة من عديد الجيش السوري، من دون إحتساب المجنّدين والأفواج شبه العسكرية، خصوصاً مجموعات المخابرات الشديدة الولاء. كما أنّ المشاكل بدأت تواجه المنشقّين، لجهة تفاقم الخلافات الداخلية، وتعدّد الراغبين بتولّى مهمّات القيادة.
رابعاً: بالنسبة إلى خروج بعض المناطق عن سيطرة النظام السوري، فهو لا يشكّل أي خطر بعد، كون المناطق المعنيّة معزولة ومحدودة الحجم الجغرافي، وكثير منها حدوديّ، خاصة وأنّ الخطر على أي من الدوائر الحكومية، أو الدوائر الرسميّة الحسّاسة غير موجود فعلياً.
خامساً: إنّ الرهان على تدخّل تركي بغطاء غربي هو غير وارد حالياً، علماً أنّ حسابات تركيا بالنسبة إلى سوريا، هي غير حسابات الولايات المتحدة الأميركية التي تعطي الأولويّة للمصالح الإسرائيليّة، وكذلك غير حسابات فرنسا. وإذا كانت تركيا تهدف إلى توسيع سيطرتها ونفوذها الإقليمي، فهي تخاف في الوقت عينه من الغرق في الوحل السوري، ومن إزدياد أنشطة حزب العمّال الكردستاني ومجموعاته المسلّحة في العمق التركي.
في الخلاصة، لا شك أنّ الصورة لا تزال حتى اليوم ضبابيّة. والجزم بسقوط النظام أو بعدمه هو نوع من الأمنيات المستندة إلى موقف سياسي مسبق، أكثر منه إلى وقائع ثابتة وغير قابلة للجدل. وربما المواقف الجازمة بالسقوط أو بعدمه، تصب في خانة التأثير المعنوي، ولعبة الضغط السياسي الممارسة من قبل الأطراف المُتواجهة، وتلك الداعمة لكل منها. وبالتالي، في ظلّ الظروف الراهنة، ستبقى الأمور تراوح مكانها لبعض الوقت، إلى حين حصول تطوّر مهم على الصعيد الميداني. وبالتالي ما لم يحصل إنشقاق لوحدات كاملة من الجيش السوري، وما لم يحصل تراجع للدعم الروسي والصيني للقيادة السورية، وما لم يحصل تلاقي أكبر في مصالح الدول المناهضة لدمشق، لجهة تحريك الملف السوري بشكل فعلي في مجلس الأمن الدولي، وتفويض هذا الأخير التدخّل تحت البند السابع، أو فرض منطقة عازلة بالقوّة، فإنّ الأمور ستبقى تراوح مكانها لبعض الوقت، ومفتوحة على كل الإحتمالات… لكن بالتأكيد سوريا الغد لن تكون شبيهة بسوريا الأمس بأي شكل من الأشكال.
النشرة