بالتفاصيل: اللحظات الأخيرة قبل الإستشهاد.. كيف تم استهداف فريق المنار؟!“ببركة دماء الشهداء وعزيمة الأبطال.. النومة ستكون في فندق السفير -معلولا”، هي آخر جملة كتبها مراسل قناة “المنار” الشهيد حمزة الحاج حسن على صفحته الخاصة على الـ”فيس بوك” قبيل إعلان نبأ استشهاده هو وحليم علوه ومحمد منتش في بلدة معلولا في جبال القلمون.
لم تكن كلمات حمزة في ليلة استشهاده إلّا وصية. أثناء كتابتها، كان الجيش السوري ينهي عملياته العسكرية في منطقة الصرخة، ويحتلّ التلال المشرفة عليها، ويبدأ بتمشيط البلدة وتنظيفها من المجموعات المسلحة التي فرّت نحو بلدة الجبة ومنها الى حوش عرب وعسال الورد وطفيل اللبنانية.
وفي السابعة صباحاً، كانت طلائع الجيش السوري تثبت مواقعها على أطراف بلدة الصرخة، وتبدأ بتنفيذ الخطة المرسومة. ظنّ المسلحون أن الجيش السوري سيتابع بقواته نحو بلدة الجبة، لكن قادة الجيش السوري أمروا قواتهم على الأرض بالانقسام لفصيلين مقاتلين. الاول يتابع نحو بلدة الجبة، والآخر يدخل معلولا من بوابتها العليا، من فندق “السفير”.
الوصول الى الصرخة.. والتحضير لدخول معلولا
استيقظنا صباحاً على خبر تطهير بلدة الصرخة، وبدأت تتسرّب الاخبار عن سيطرة الجيش السوري نارياً على بلدة معلولا. لم ننتظر انطلقنا مع مجموعة إعلاميين لتغطية انتصارات الجيش السوري والمقاومة في بلدات القلمون. في طريقنا الى بلدة الصرخة، كان الهاتف المحمول ينقل صوت مدير مكتب قناة “المنار” في دمشق، وليخبرني بقدومه مع فريقه الاعلامي لندخل بلدة الصرخة سوياً، وكالعادة نعمل كفريق واحد في تغطية الاحداث الجارية.
كانت المرحلة الأولى وصولنا الى بلدة الصرخة. وحين وصلنا الى مدخلها الرئيسي كانت ابتسامات الجنود في استقبالنا، ويزفّون لنا بشرى فرار المجموعات المسلحة من بلدة معلولا، بعد دخول الجيش العربي السوري اليها.
وصل فريق المنار، وبدأ البث المباشر، وهنا كان يستوقفنا بعض الجنود، ليخبرونا عن حجم المعركة التي دارت على التلال المحيطة بالبلدة، وأن تحريرها ساعد كثيراً في تحرير بلدة معلولا.
في هذه الأثناء وصلتنا أنباء السيطرة على بلدة الجبة وجبعدين بشكل كامل، فيما أخبرنا مصدر أن الجيش السوري على بعد أقل من عشرة كيلومترات منّا بدأ بتمشيط بلدة معلولا. وكان القرار بأن نسرع للوصول الى فندق السفير في معلولا، كون الجميع ينتظر خبر تحرير البلدة لما له من دلالات كثيرة.
نحو معلولا..
انطلقنا نحو معلولا، وعبر طريق متعرج، يمر بتلال ووديان، وصلنا الى مفرق يصل بنا الى فندق “السفير”، لتطل علينا جبال معلولا بمشهد مهيب، وكلما تقدمنا أكثر ظهرت لنا معالم البلدة، من الدير الاثري، الى الفندق الذي اشتُهر عندما حولته المجموعات المسلحة كمربض لقناصيها.
وصلنا الى المكان، وكانت الصدمة حين شاهدنا مدى التخريب الذي لحق بدير مار سركيس الاثري. دخلنا الدير وأزحنا التراب والغبار عن كتبه المقدس وأيقوناته الاثرية المخربة، في هذا الوقت كان فريق “المنار” الذي يضم الشهداء حمزة ومحمد وحليم يستعد لدخول بلدة معلولا من مدخلها الرئيسي وصولا حتى دير مار تقلا، فكان القرار أن نخرج ببثّ مباشر من فندق السفير ثم نتابع عملنا مع الفريق في داخل البلدة، وننقل مباشرة سيطرة الجيش السوري على بلدة معلولا بشكل كامل.
مجموعة مسلّحة تطلق النار على فريق “المنار”.. و4 شهداء للجيش السوري
كانت فرحة الجنود كبيرة وهتافاتهم المليئة بالحماس تملأ المكان، وعندما أنهينا عملنا، وعلمنا بوصول فريق “المنار” القادم من بيروت الى البلدة، جهزّنا أنفسنا للحاق بهم، وقبل الوصول اليهم، وهم على بعد أمتار، بدد فرح المكان كله صوت اطلاق نار، هرعنا الى أقرب نقطة يمكن منها متابعة ما يحدث! وإذ بأحد المسلحين يحمل رشاشاً من نوع “بي كي سي”، وقد فتح النار على سيارات فريق المنار مصراً على استهداف السيارت المدنية. ومن ثم بدأ عدد آخر بإطلاق طلقات قناص بعدة اتجاهات، عندها مباشرة دار اشتباك استشهد خلاله أربعة من الجيش السوري الذين حاولوا إنقاذ الفريق الاعلامي خصوصاً الجرحى.
ولم يكتفِ المسلحون بذلك بل صوّبوا نيرانهم نحونا، في هذه اللحظات لم ينتظر الجيش السوري، وبدأ بالاشتباك مع المسلحين الذين فروا نحو أحد المنازل، وبالفعل قامت مجموعة بمؤازرة للجيش السوري بالنزول الى أقرب نقطة للسيارات، إلّا أن نيراناً غزيرة فُتحت من عدة جهات نحو جنود الجيش. كان المسلحون عبارة عن مجموعة ما زالت متحصنة في البلدة. تواصل الاشتباك من عدة محاور، حتى استطاع الجيش السوري قتل مسلحين اثنين وبدأت عملية تمشيط وملاحقة للمسلحين الباقين داخل البلدة.
كان صوت الاشتباكات يخبرنا أن عدد المسلحين لا يقل عن خمسة أو أكثر نظراً لاستخدامهم عدة أنواع من الاسلحة كان صداها يصل الى مسامعنا. كنا مصممين على عدم الخروج رغم الخطر المحدق، قبل عودة جثامين الشهداء، الذين كان يتولى مهمة إخراجهم من ساحة الاشتباك وحدة من القوات الخاصة في الجيش السوري (ما أدى الى استشهاد أربعة من جنود الجيش السوري وجرح ثمانية آخرين)، فيما عملت فرق طبية على إسعاف جرحى طاقم “المنار” الى مشفى قريب، وإخراج جثامين الشهداء الذين ارتقوا من ساحة الاشتباك.
* العهد