حصون المسلحين في القلمون تتساقطمحمد بلوط – صحيفة السفير
القلمون انطوت صفحته، أو تكاد تنطوي عسكريا، بانتظار عسال الورد، ليخرج قريبا من جبهات القتال السورية نهائيا، بعد يوم طويل تساقطت فيه البلدات القلمونية الأخيرة، كالصرخة ومعلولا والجبة وجبعدين والمعرة، كأحجار الدومينو.
وانتزع الجيش السوري و«حزب الله» من مسلحي المعارضة سماء القلمون، مقتحمين مرتفعاتها العالية، التي تصل إلى 1850 مترا، الواحدة تلو الأخرى، دافعين أمامهما أرتال المنسحبين من «جبهة النصرة»، و«لواء تحرير الشام»، وبقايا «لواء القادسية»، وبعض ألوية «الجبهة الإسلامية» التي فقدت في رنكوس أكثر من 30 قتيلا في اليوم الأول من المعارك.
ودفع المهاجمون فلول المنسحبين نحو ما تبقى لهم من ملجأ، على أطراف جنوب غرب القلمون، من السلسلة الجبلية اللبنانية الشرقية. ووصلت طلائع المنسحبين من ساحات المعارك القلمونية إلى الزبداني، ووادي بردى، التي بدأ الجيش السوري بالاحتشاد في مرتفعاتها الغربية. كما توجهت الألوية الناجية من المعارك نحو عسال الورد وجرود عرسال وبلودان وحوش عرب، التي يستعد الجيش السوري و«حزب الله» لدخولها للاستفادة من الإرباك الذي أصاب ألويتها، ومن الديناميكية الهجومية التي حولت بعض العمليات إلى عمليات مطاردة أكثر منها عمليات قتال.
وأنجز الجيش السوري و«حزب الله»، أمس، معركة أساسية من معارك إغلاق لبنان والبقاع اللبناني أمام المعارضة السورية المسلحة، عبر السيطرة على القلمون، وعلى معابرها القاتلة وسياراتها المفخخة، وخطوط إمدادها من جرود عرسال، نحو سوريا الوسطى بأكملها. وأغلقت معارك أمس 30 معبرا حدوديا، تمتد على منحنيات لبنان الشرقي، من القصير في الشمال، نزولا نحو الجراجير وفليطة ورأس المعرة فرنكوس جنوبا. وتشرف مرتفعات رنكوس وحدها على ثمانية معابر في قرية الطفيل اللبنانية، التي هجرها أكثر أهلها بعد أن دخلها ستة آلاف من المسلحين وعائلاتهم، تليها معابر وادي الصهريج، والجوزة، ودرة، وأرنة، والمنزلة البيضا.
وفي إطار تساقط حجارة «الدومينو»، استعاد «حزب الله» والجيش السوري بلدة معلولا التاريخية، التي كانت «جبهة النصرة»، و«لواء تحرير الشام»، قد استوليا عليها، في عملية «اقتحام قلعة الصليبيين» في كانون الأول الماضي. وجاء الدخول إلى معلولا ليتوج أربعة أيام من المعارك، انصبت فيها العمليات على الإمساك بالتلال والمراصد العالية، قبل اقتحام البلدات على سفوح الجرود، أو السهل كما في رنكوس ومزارعها.
ومن دون مفاجأة، استعاد الجيش السوري بلدة الصرخة، ممهدا لذلك باستيلائه على التلال المشرفة الحاكمة، أولا، وإغلاق كل خطوط الإمداد، ومعابر الانسحاب نحو لبنان التي سلكها مقاتلو يبرود وغيرهم، عبر سلسلة جبال لبنان الشرقية. البلدة سقطت دون قتال. غادرها المسلحون، فور تقدم وحدات الجيش السوري إليها صباحا.
وتؤشر الأيام الأربعة الماضية على حصيلة استثنائية للجيش السوري و«حزب الله»، مكنتهما من الإشراف على سهل رنكوس، ووضع ما تبقى من مواقع بيد المسلحين بين فَكَّي كماشة، طرفها الشمالي يبرود ورأس العين، والجنوبي رنكوس، والشمال الغربي فليطة ورأس المعرة، وشرقا طريق دمشق الدولي. استعاد الجيش السوري و«حزب الله» أولا تلة الرادار، أو مرصد صيدنايا، فسقطت رنكوس، ثم تقدما إلى جبل محمية الطيور فمرتفع المصيطبة، الذي يحف به شقيف صخري وكهوف، تحصن بها المسلحون، لكنها لم تصمد، فانتقل إلى مرتفع قبع النبي ليث، فمرتفع القضاضة، الذي يحوي مجمع مستشفى القلمون، آخر المواقع التي استعادها الجيش السوري في مرتفعات رنكوس.
وأعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، في بيان، أن «إعادة الأمن والاستقرار إلى بلدات معلولا والصرخة والجبة في القلمون تشكل مرحلة حاسمة في القضاء على ما تبقى من بؤر إرهابية في القلمون»، مؤكدة أن «ما يحققه الجيش السوري من انتصارات متلاحقة يأتي في إطار قراره الحاسم بالقضاء على المشروع الإرهابي الوهابي التكفيري».
ومع سقوط القلمون، ينجز الجيش السوري و«حزب الله» استعادة أول منطقة بأكملها من الريف الدمشقي انتزعتها المعارضة المسلحة بعد عسكرة الحراك قبل ثلاثة أعوام تقريبا. ويستكمل الجيش السوري، وحليفه اللبناني، الإمساك بالعمود الفقري للكتلة السورية الحرجة، عمرانيا واجتماعيا واقتصاديا، وهي كتلة تتركز فيها أكثرية 16 مليون سوري، وتمتد سيطرة الحكومة السورية عليها، من دون انقطاع، من سهول درعا جنوبا، فدمشق وجزء كبير من غوطتيها، فحمص في الوسط، التي تشارف على العودة بأكملها كمدينة إلى الدولة السورية، مع كامل ريفيها الغربي والجنوبي، وجزء واسع من ريفها الشرقي. كما تتصل، من دون عقبات أو جيوب للمعارضة، نحو كامل الساحل السوري في أرياف طرطوس وبانياس واللاذقية، بعد إسقاط قلعة الحصن وإقفال تلكلخ ومعابرها مع لبنان.
كما يخرج الجيش السوري و«حزب الله» في القلمون من اختبار ناجح، لكنه لا يزال بحاجة إلى تصليب، في إستراتيجية إعادة الحرب نحو الأسفل، وإنشاء قوات رديفة للتعويض عن نقص العديد الضروري الذي يعاني منه للإمساك بالأرض، بعد استرجاعها، كالدفاع الوطني، او «قادش». فمن دون تلك القوات الرديفة، لا سيما في القلمون، وصيدنايا مثلا والنبك بعدها، ما كان ممكنا الإمساك ببعض التلال الإستراتيجية، وحماية التجمعات السكانية الموالية، للانطلاق منها نحو جبهات القتال، واستعادة مدن وبلدات المنطقة، الواحدة تلو الأخرى، وفي زمن قياسي لم يتجاوز الأشهر الخمسة، ابتداء من معركة قارة في 18 تشرين الثاني الماضي.
وتخسر المعارضة السورية المسلحة، مع هزيمتها في القلمون، ظهيرا لبنانيا مجانيا، لم يكن يطرح شروطا لاستخدامه تقارن بالوصاية التركية، أو السعودية عبر غرف عملياتها في الأردن. ومن دون القلمون، تخرج المعارضة المسلحة السورية من الساحة اللبنانية، لتقع رهينة الأتراك والسعوديين.
ومن الآن فصاعدا لن يكون بوسع المعارضة السورية المسلحة القيام بأي عملية تهدد الخط البياني الصاعد لمصلحة الجيش السوري، إلا عبر الأردن وتركيا، ما يؤكد أن أي عملية من الجبهة الجنوبية ضد درعا أو القنيطرة أو دمشق، أو أي عملية لتحسين الأوضاع في الجبهة الشمالية ضد حلب وأرياف اللاذقية، لن تكون إلا تعميقا للحرب الإقليمية التي تخوضها تركيا والأردن والسعودية وقطر وإسرائيل ضد سوريا.