نزاع سعودي – قطري في لبنانجوني منير – صحيفة الجمهورية
لم يكن لبنان في حاجة إلى الاضطرابات التي طبعت يوم الثلثاء الماضي لاكتشاف أنّ الواقع الأمني ليس على ما يرام.
صحيح أنّ مؤتمر باريس أظهر وجود قرار دولي بمنع لبنان من الانزلاق إلى الفوضى الكاملة، وذلك على الرغم من الفشل الذي أصاب هذا المؤتمر على مستوى النتائج، إلّا أنّ التناقضات الكثيرة التي بات لبنان يختزنها قادرة على هزّ الاستقرار الداخلي بنحو عنيف. وقد يكون القرار الدولي قادراً على حماية لبنان من الدخول في الفوضى الشاملة، لكنّ هذا شيء وتصاعدَ الاهتزازات شيء آخر.
والتهديد الأمني يتركّز في أربعة أماكن: طرابلس، عرسال، المخيّمات والتفجيرات الانتحارية. وعلى عكس كلّ الكلام المعلن والتصريحات المكتوبة، يبدو الجيش كأنّه متروك لقدرِه وحيداً، من دون غطاء أو حماية. فحتى الاجتماع الأمني الذي عُقد في قصر بعبدا جاء باهتاً ودون مستوى الأحداث.
مثلاً في طرابلس، وعقب كلّ إطلاق نار يستهدف أشخاصاً من الطائفة العلوية كانت تصدر المواقف التي تطالب الجيش بتوقيف الفاعلين وإنزال أشدّ العقوبات بهم. ووفق المعلومات الموثّقة تبيّن أنّ المجموعة التي تقوم بهذه الاعتداءات مؤلّفة من خمسة أشخاص معروفين بالأسماء، وهم يختبئون عادةً في المربّع الأمني الموجود في باب التبّانة، والذي من الممنوع على عناصر الجيش الدخول إليه.
وعند اندلاع المعارك الجمعة الماضي اشتبكت هذه المجموعة مع إحدى دوريّات الجيش، ما أدّى إلى مقتل اثنين من أفرادها، هما «أبو جمال» الخيلي وعمر بلح الملقّب «أبو خطاب»، وإصابة ثالث بجروح خطِرة.
لكنّ ما حصل أنّ المجموعات المسلّحة في باب التبّانة بزعامة الشيخ سالم الرافعي تنادت وباشرت شنّ هجمات منسّقة على مراكز الجيش (بلغت الحصيلة حتى ليل أمس الأوّل عشرة مراكز)، ترافقت مع دعوات أطلِقت عبر بعض المساجد إلى «الجهاد» ضد الجيش.
حصل هذا فيما كانت وحدات الجيش تدهم جبل محسن، حيث اقتحمت كلّ مراكز «الحزب العربي الديموقراطي» وأوقفت شخصاً من آل تامر، وهو معروف بأنّه «قائد محور». وبالتزامن كانت جرود عرسال تستقبل مئات المقاتلين الإسلاميين المنسحبين من يبرود، لتنطلق من هناك سيارات مفخّخة في اتّجاه البلدات الشيعية المجاورة.
السلطات اللبنانية، وعلى الرغم من الكلام الكثير الذي تردّد حول تداعيات سقوط يبرود على منطقة عرسال، بقيَت بلا خطة أو تدبير جدّي، لتنحصر اهتمامات المسؤولين بإنعاش خيار التمديد أو الدعوة إلى عقد طاولة الحوار بهدف التقاط الصوَر ليس اكثر.
وهكذا وجد الجيش نفسه عالقاً وسط التوتر الذي بلغ ذروته بين عرسال المحاصرة والبلدات الشيعية المجاورة المهدّدة بالتفجيرات والصواريخ. وجاءت رسالة قطع الطرق المبرمجة والمنظمة واضحة لجهة أنّ أيّ ضغط على عرسال سيشعل البلد كلّه. هذا في وقت تبدو المخيّمات الفلسطينية أقرب إلى السكون الذي يسبق العاصفة.
لكنّ الأخطر يكمن في قراءة الخلفيّات المعبّرة. فالمسلّحون الذين خرجوا من يبرود إلى عرسال ينتمون في معظمهم إلى تيارات إسلامية محسوبة على قطر. وفي طرابلس يمكن ملاحظة فرز الألوان بنحو أوضح. فالمجموعات التي تهاجم مراكز الجيش تُعتبر إسلاميّة ومحسوبة تقليديّاً على قطر.
الأكيد أنّ طريقة استهداف مراكز الجيش تدلّ على مجموعات منظّمة وليس على عمل انتقامي فردي. وهو ما يشبه التنسيق الذي رافقَ إشعال الإطارات وإقفال الطرق. فهل إنّ ما يحصل هو نتيجة النزاع الدائر بين السعودية وقطر؟
في طرابلس لم يظهر رجال الوزير أشرف ريفي هذه المرّة في الخطوط الأمامية. البعض اعتقد أنّ رجال النائب محمد كبارة هم الذين شاركوا بقوّة، إنّما حصل ذلك على خلفية تصفية حسابات بين من يريد أن يقول إنّ بدخوله الحكومة ستهدأ محاور طرابلس، وبين من يريد أن يثبت أنّ الساحة الطرابلسية ليست ملكاً لأحد.
لكنّ المسألة ليست بهذه البساطة، ذلك أنّ هناك من يريد أن يطلق النار على الحكومة التي حازت على مباركة السعودية. لا بل ربّما أنّ هنالك من يريد ربط الخط الميداني من عرسال إلى طرابلس مروراً بعكّار، ليقول إنّه قادر على الإمساك بهذا الشريط السنّي الاستراتيجي.
وتوزيع الذخائر بنحو محدود في طرابلس هدفُه نقل الرسالة بدقّة: «نريد إرباك الجميع». لذلك مثلاً رفض نائب «الجماعة الإسلامية» منح الحكومة الثقة، وهو المحسوب على قطر، ومن هنا أيضاً قد يُفهم السبب الفعلي لعدم دخول «القوات اللبنانية» إلى الحكومة، حيث إنّ لجعجع علاقات خاصة مع المسؤولين القطريين، أو على الأقل، هذا ما يعتقده البعض.