الملك السعودي يستقبل أوباما بإجراءات استباقيةحمزة الخنسا – العهد
يشعر أعضاء الأسرة الحاكمة في السعودية بالنشوة. رغم خسائرهم المتراكمة منذ اندلاع أحداث “الربيع العربي”، إلا أنهم يستعدون لاستقبال الرئيس الأميركي باراك أوباما، في وقت لاحق من الشهر الجاري. زيارة يعوّل عليها البلاط الملكي كثيراً لرفد التوجّه الجديد للسياسة السعودية في المنطقة، بالدعم المطلوب.
ستكون إيران الحاضر الأبرز على طاولة مباحثات عبد الله ـ أوباما. الملف الإيراني سيحدّد بوصلة اتجاه الملفات الأخرى. يأمل السعوديون إقناع الأميركيين بوجهة نظرهم حيال إيران وسوريا وباقي الملفات العالقة. لكن خشيتهم كبيرة من أن يكون أوباما قادماً الى الرياض لفرض وجهة نظر إدارته حيال تلك الملفات.
قرارات تأسيسية
إستَبَقَت الرياض زيارة أوباما باتخاذ عدّة قرارات تؤسّس لمرحلة جديدة من التعاطي مع الملفات المطروحة على الساحتين المحلية والخارجية. أوكلت الملف السوري لوزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، بعد سحبه من الأمير بندر بن سلطان. أصدرت أمراً ملكياً بمعاقبة كل سعودي يقاتل في الخارج. وضعت ضوابط صارمة للداخل السعودي، في سبيل كمّ الأفواه والقضاء على أية ظاهرة معارضة لقرارات العائلة الحاكمة وسياساتها. وضعت حركة الأخوان المسلمين وجبهة النصرة وداعش وحزب الله السعودي والحوثيين على لائحتها للإرهاب. ومن ثم سحبت سفيرها من قطر على خلفية توتّر العلاقات بين الدولتين الخليجيّتين الغنيّتين.
تقول مصادر عربية معنية إن العائلة الحاكمة في السعودية يتملّكها شعور عارم بعدم الثقة بإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. الخطوات المتسارعة التي اتخذت أخيراً، تنطلق من قناعة تكوّنت لدى السعوديين منذ امتناع واشنطن عن توجيه ضربة عسكرية الى نظام الرئيس السوري بشّار الأسد، بأن إدارة أوباما لا تمتلك إرادة الدخول بقوة في صلب العديد من الملفات التي تهم السعودية في المنطقة. تضيف المصادر أن السعوديين يضعون اللوم على الإدارة الأميركية في بقاء النظام السوري حتى اللحظة. هم يعتقدون أن الاعتداء الأميركي على دمشق عزّز من قوة الرئيس بشار الأسد، ما مكّنه من قلب الأمور رأساً على عقب في الميدان.
إيران.. محطّ الأنظار
إيران، من أكثر الملفات المهمّة للسعودية في المنطقة. يشعر السعوديون بقلق متنامٍ من الانفتاح الغربي على طهران. التقدّم في مسار التقارب الأميركي ـ الإيراني، يُغضب السعوديين. يُغضب السعوديين أيضاً التقدّم المُحقّق على صعيد المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني. لا “يهضم” السعوديون الاتفاق الذي أبرم بين إيران ودول مجموعة (5+1) في جنيف في شهر تشرين الثاني من العام 2013.
سيركّز السعوديون خلال لقائهم أوباما على إيران بوصفها مشكلة محورية. تقول المصادر إن العلاقات المقطوعة بين السعودية وقطر، والحُرم السعودي الذي حلّ بجماعة الأخوان المسلمين، زاد الخشية السعودية من إيران. تنظر السعودية اليوم الى إيران على أنها مركز جذب مهم لكل مَن خاصمَتهم العائلة الحاكمة. تخشى السعودية أن يعيد الاخوان المسلمون الحياة الى سياسة الانفتاح على إيران بعدما طردوا من الرياض. فالأخوان بعد القرار السعودي أصبحوا مكشوفين دينياً وسياسياً، خصوصاً بعد الضغط السعودي الهائل الممارس على قطر بوصفها الدولة الراعية للأخوان المسلمين عموماً، وفي مصر على وجه التحديد.
لعبت قطر، إلى جانب الكويت وسلطنة عُمان، دوراً محورياً داخل مجلس التعاون الخليجي، لجهة عدم تمكين السعودية من وضع المجلس في مواجهة مع إيران. تقول المصادر العربية إن قطر عرقلت كل جهود السعودية لتحويل مجلس التعاون الخليجي الى منبر وازن إقليمياً، يخدم المصالح السعودية حصراً. من هنا، تقرأ السعودية بعين القلق، التقارب القطري ـ الإيراني المستجد.
إيران حاضرة بقوة أيضاً في الصراع القطري ـ السعودي على مصر. السعودية تعتبر مصر ثقلاً عربياً يشكّل ضرورة استراتيجية لها، لا سيّما فيما يتعلّق بالتوازن الإقليمي مع إيران في العالم العربي، خصوصاً بعد خسارتها العراق وسوريا.
صفحة جديدة!
أعضاء الأسرة الحاكمة السعودية مستعدّون لسماع التبرير الأميركي لما يعتبرونه تراخياً أميركياً بشأن الصراع في سوريا، على وقع التقارب مع إيران. تقول المصادر إن الرياض أعدّت قراراتها الأخيرة المتعلّقة بالإرهاب والجماعات الإرهابية، لتكون دليلاً قوياً، يُبرَز في وجه الرئيس الأميركي، على صفحتها البيضاء الخالية من أية علاقة مع الإرهابيين، لا تمويلاً ولا تسليحاً. الماكينة الإعلامية السعودية بدأت منذ مدّة الترويج لمقولة إن هذه الجماعات هي صناعة سورية ـ إيرانية، بتمويل قطري.
تقول المصادر إن صنّاع القرار في السعودية ينتهجون سياسة “الصفحة الجديدة” في التعاطي مع الملفات المتعدّدة. هذه السياسة وإنْ كانت أكثر حزماً، إلا أنها يمكن أن تكون أكثر واقعية في ما يتعلّف بالملفين السوري، والإيراني. في هذا السياق، تلفت المصادر الى قرار السلطات السعودية استثناء حزب الله اللبناني من قائمة الإرهاب، رغم إلحاقه الهزائم المتكررة بتنظيمات مسلّحة مدعومة من السعودية في عدّة معارك على الأرض السورية.
لا يشكّل الاستثناء السعودي صك براءة لحزب الله. تقول المصادر إن القرار السعودي يؤسس لدعوة لاحقة لخروج كل المجموعات المسلّحة غير السعودية من سوريا، بمن فيها حزب الله. عدم إدراج السعودية لحزب الله على قائمتها للإرهاب، يأتي منسجماً مع القرار الدولي بالحفاظ على الاستقرار في لبنان وتحييده عن أية خضّات غير محسوبة. وفي خلفية القرار، تبدو الرغبة السعودية واضحة بعدم تأزيم العلاقة مع حزب الله ولا مع إيران.
عشية زيارة أوباما المرتقبة، صعّد السعوديون من حدّة سياساتهم الداخلية والخارجية. حزمة الإجراءات التصعيدية السعودية غُلّفت بغلاف من الحذر والدقةّ، خصوصاً فيما يتعلّق بالعلاقة مع إيران. لا شك أن هدف المملكة واضح. تريد العائلة الحاكمة أن تصبح في عداد القوى الكبرى المقرِّرة في الإقليم. وفي هذا السبيل، لا يكفي أمراء آل سعود التظلّل بالمظلة الأميركية التي منحت لهم الحماية منذ قيام مملكتهم عام 1932. في الإقليم، دولة كبرى جاوَزَ تأثيرها المنطقة، اسمها إيران، أثبتت التجارب عدم جدوى تجاوزها أو المشاغَبة عليها، فيما يخص رسم السياسات المتعلّقة بمستقبل المنطقة.