الأزمة الأوكرانية تتفاعل.. روسيا تتمسك بالضم ولا تأبه للضغوطإرم – لم تفلح الضغوط والانتقادات الغربية في ثني موسكو عن قرارها باجراء استفتاء في شبه جزيرة القرم، ومن ثم ضم المنطقة التي يسكنها غالبية روسية إلى أراضيها.
وبدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واثقا من السياسة التي اتبعها إزاء الأزمة الأوكرانية، وكأنه كان ينتظر هذه الفوضى والاضطرابات حتى يصصح ما تسميه روسيا أحد الأخطاء الكبرى التي ترتبت على حل الاتحاد السوفياتي عام 1991 واستقلال الجموريات السوفيتية السابقة.
ووفقا لتقديرات صحيفة “فايننشال تايمز” فإن بوتين يراهن على ضعف الدول الغربية، لجهة عدم امتلاكها لأدوات فعالة تضغط فيها على روسيا وتجبرها على التراجع، خصوصا وأن التجربة السورية كرست هذا الانطباع لدى القادة الروس الذين أداروا الأزمة السورية وفق رؤيتهم ومصالحهم.
ونبرة الغرور الروسية هذه، تجلت في كلام رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الروسي، أليكسي بوشكوف، الذي أفاد تعليقا على المواقف الغربية الغاضبة “أن الغرب سيضطر، رغم عقوباته، إلى إيجاد لغة تفاهم مشتركة مع روسيا لكي تستقر أوضاع أوكرانيا لأن عدم استقرار أوكرانيا معناه وجود الثقب الأسود في أوروبا”.
وينبغي، هنا، الانتباه إلى أن التقييم الروسي الرسمي للعقوبات المفروضة حتى الآن يؤكد أنها لا تعدو كونها مجرد “استفزازات”، و”ابتزاز سياسي”، غير أن الغرب يلوح بأنها ستتخذ بالتدريج عقوبات سياسية واقتصادية قاسية، ستقود إلى عزل روسيا سياسيا واقتصاديا، الأمر الذي تشكك موسكو في جدواه وفاعليته.
ولا تخفي موسكو استعدادها لمواجهات طويلة وشرسة مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ضمن سعي روسيا للعب دور عالمي، واستحضار عقود الحرب الباردة التي بقيت مجرد صراع سياسي لم يتطور إلى مواجهة عسكرية مع حلف الناتو، وهذا ما يدركه الكرملين ويمضي في سياساته، وفقا لهذه القناعة.
الدوما الروسي يوافق بأغلبية ساحقة
ضمن هذا الفهم، أقر مجلس الدوما الروسي بالاجماع معاهدة لانضمام شبة جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول إلى روسيا والتي صادق عليها الرئيس الروسي في وقت سابق.
وتضقي المعاهدة بتحديد فترة انتقالية لمدة 9 أشهر لشبه جزيرة القرم حتى تندمج مع أنظمة روسيا الاتحادية الاقتصادية والمالية والائتمانية والقانونية، أما فيما بتعلق بالوضع العسكري فإن روسيا ستطلب من العسكريين الأوكرانيين في القرم الاختيار بين الالتحاق بالقوات الروسية أو الاستقالة.
في مقابل هذا الإجراء الروسي، تبنى أعضاء البرلمان الأوكراني قرارا أكدوا فيه على أن كييف لن تعترف أبدا بضم موسكو للقرم وأنها ستقاتل من أجل تحرير شبه جزيرة القرم الإسترتيجية المطلة على البحر الأسود.
وأشار القرار إلى أن أوكرانيا ستقاتل لتحرير القرم مهما كان الأمر طويلا وأليما.
وجاء ذلك بعد أن أعلن رئيس مجلس الدفاع والأمن الوطني الأوكراني أندريه باروبي عن بدء الاستعدادات لسحب القوات العسكرية الأوكرانية من شبه جزيرة القرم.
كما أمر المجلس بإعداد خطة لإجلاء المواطنين الأوكرانيين الذين لا يريدون البقاء في شبه الجزيرة.
وقال باروبي إن أوكرانيا ستطلب من الأمم المتحدة إعلان شبه جزيرة القرم منطقة منزوعة السلاح.
وقررت كييف فرض تأشيرات دخول على الروس والانسحاب من مجموعة الدول المستقلة التي تضم 11 جمهورية سوفياتية سابقة.
روسيا: لا تراجع
وقالت وزارة الخارجية الروسية إن وزير الخارجية سيرجي لافروف أبلغ نظيره الأمريكي جون كيري الخميس أن ضم القرم إلى روسيا لن يعاد النظر فيه ولا يجب طرحه للتساؤل.
واضافت أن لافروف أكد في اتصال هاتفي أن “القرار بشأن اعادة توحيد القرم مع روسيا والذي يعكس إرادة أغلبية مطلقة من سكان (القرم) ليس عرضة للمراجعة ويجب احترامه”.
اتهامات متبادلة
في غضون ذلك تتواصل التصريحات النارية بين موسكو وواشنطن، إذ وجه المندوب الدائم لروسيا في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين إلى نظيرته الأمريكية سامانثا باور أثناء مناقشة حامية دارت في مجلس الأمن الدولي حول الأزمة الأوكرانية رسالة فحواها: “على المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة أن تتوقف عن الإساءة لروسيا إذا كانت واشنطن تعول على مواصلة التعاون مع موسكو على الساحة الدولية”.
واتهمت باور خلال المناقشة روسيا بتدخل عسكري في أوكرانيا وضم القرم “بطريقة غير شرعية”، مستخدمة عبارات شديدة اللهجة قائلة إن وضع القرم القانوني “لم يتغير وطنيا ودوليا” بعد استفتاء شعبها: “يمكن لسارق أن يسرق لكن ذلك لا يعطيه حق الملكية في ما نهبه”.
وهذا ما اثار احتجاج تشوركين الذي اتهم نظيرته الأمريكية بالانحدار إلى “مستوى يليق بالصحافة الصفراء”، مشددا على أن روسيا ترفض لهجة الشتائم.
اجتماع أوروبي قد يقصي روسيا من قمة الثمانية
من جانب آخر يلتقي قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل الخميس والجمعة لدراسة رد مناسب على الخطوات الروسية المتلاحقة بالقرم، وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن القادة الأوروبيين مطالبون بأن يبدوا استعدادهم للانتقال للمرحلة الثالثة من العقوبات بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية، وقالت إن التوتر بين الغرب وروسيا يعني أن مجموعة الثماني غير قائمة حاليا.
ويمكن أن يقرر القادة الأوروبيون في لقائهم إلغاء القمة المقررة مع روسيا في يونيو/حزيران المقبل في سوتشي. كما يعتزم الاتحاد الأوروبي توسيع قائمة الشخصيات الروسية والأوكرانية المؤيدة لروسيا الذين تم تجميد أصولهم وحظر منحهم تأشيرات دخول.
وكانت الإدارة الأمريكية فرضت الاثنين عقوبات موجهة ضد 11 مسؤولا روسيا وأوكرانيا مقربا من الروس بينهم سبعة من المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين.
وأوضح الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه مستعد للتصعيد أكثر مع موسكو.
واستبعد أوباما “تدخلا عسكريا في أوكرانيا”، إلا أنه تعهد بتشكيل “تحالف دولي قوي يوجه رسالة واضحة” إلى روسيا.
من جانبه أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) أندرس فوغ راسموسن أن تصرفات روسيا في شبه جزيرة القرم تثير مخاوف من إمكانية أن تكون جزءا من إستراتيجية أوسع نطاقا لإثناء دول أخرى عن التطلع للاندماج مع أوروبا.
روسيا، بالمقابل، تفوض عقوبات
فرضت روسيا عقوبات انتقامية ضد تسعة مسؤولين ومشرعين أمريكيين الخميس مع تصاعد التوتر بسبب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وحذرت الغرب من أنها سترد على “كل ضربة معادية”.
وقالت وزارة الخارجية إن من بين الأمريكيين الذين منعوا من دخول روسيا بنجامين رودس وكارولين اتكينسون نائبي مستشار الأمن القومي وأعضاء مجلس الشيوخ جون مكين وهاري ريد وماري لاندريو ودان كوتس وروبرت منينديز.
والأعضاء الآخرون هم رئيس مجلس النواب جون بينر ودان فايفر المستشار الكبير للرئيس باراك أوباما.
وقالت وزارة الخارجية الروسية “حذرنا مرارا من أن العقوبات سلاح ذو حدين وأنها ستضر الولايات المتحدة بنفس القدر… يجب ألا يكون هناك أدنى شك في أننا سنرد كما ينبغي على كل ضربة”.