أحداث أوكرانيا وأوهام الصفقات

أحداث أوكرانيا وأوهام الصفقات

أحداث أوكرانيا وأوهام الصفقات
24 فبراير,2014

وكالة أوقات الشام الإخبارية -
غالب قنديل
فرضت حرائق كييف وتحولاتها الدراماتيكية على العديد من المحللين التراجع عن نظريات التسويات والصفقات الكبرى التي جادوا بها وأجادوا في ترويجها بصدد العلاقات الروسية الأميركية منذ تسوية الكيماوي السوري.
أولا عندما تحتشد حكومات الغرب بما فيها ألمانيا وترمي بثقلها بقيادة الولايات المتحدة للضرب تحت الحزام في الحدائق الروسية الخلفية فذلك معناه أن الصراع العالمي المحتدم ما يزال مستمرا وان الإمبراطورية الأميركية مصممة على زحزحة المعادلات الأخيرة وعدم التسليم بنتائجها وهذا ما أبرزته لكل ذي بصيرة مواقف وزير الخارجية جون كيري خلال مؤتمر الأمن في ميونيخ حيث سلك طريقا هجوميا في طرحه لمواقف حكومة الولايات المتحدة من ملفات الصراع الساخن على مستقبل العالم : سوريا وأوكرانيا والدرع الصاروخي في أوروبا الذي يجاهر المخططون الأميركيون بكونه منظومة استراتيجية موجهة ضد روسيا وإيران بدون أي مواربة.
يترافق التحرك الأميركي الغربي الهجومي في الخاصرة الروسية مع ما سمي بالمراجعة الأميركية للسياسة المعتمدة في سوريا والشرق الأوسط وما تسنى لنا الإطلاع عليه من الدراسات والتقارير التي أعدها المخططون والخبراء الأميركيون يبرهن على ان الحلقة المركزية في تلك المراجعة هي نسف لفرضية الانسحاب الأميركي التي روجها العديد من المحللين الذين بالغوا في تأويل فحوى التراجعات المفروضة على الإمبراطورية الأميركية التي انتقلت إلى التفاوض مع إيران وأصدرت إشارات متناقضة بصدد تسليمها بالفشل في سوريا بينما حرصت على تأكيد رضوخها لمبدأ الشراكة الدولية والعودة إلى الأمم المتحدة في حين يتبنى مخططوها الكبار نظرية صرح بها ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية تلخصها عبارة : “شراكة دولية بقيادة أميركية ” وهو ما يعني خوض المعارك الضرورية لصياغة التوازنات الناظمة للشراكة الروسية الأميركية في القرار الأممي بما يخضع الشريك الروسي للأولويات والمصالح الأميركية .
ثانيا تسعى الولايات المتحدة إلى طمأنة الحكومات التابعة بأنها لن تنسحب من المنطقة ومتمسكة بدورها وبحماية مصالح القوى المرتبطة بها انطلاقا من محورية إسرائيل وأولوية حمايتها وتحصين وجودها ودورها وهذا هو فحوى التحرك المكثف الذي كلف به جون كيري على سكة الملف الفلسطيني حيث تبنى الترويج لصفقة تتضمن تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتكريس الاعتراف العربي بيهودية إسرائيل بالتزامن مع توسيع نطاق الشراكة والتحالف بين المملكة السعودية والكيان الصهيوني وتعتقد دوائر القرار الأميركية ان مرتكزات النفوذ الغربي في المنطقة باقية وتستحق العناء خلافا لما تخيله مروجو نظريات الانسحاب والتسليم الأميركي بتمدد النفوذ الروسي على خطوط قتال ما تزال ساخنة وقد عمل المخططون الأميركيون لتوسعتها إلى عقر الدار في اوكرانيا بهدف إرباك الإمبراطورية المنافسة ولعرقلة تقدمها بفضل الصمود السوري .
تتأكد مع الأحداث الأخيرة في أوكرانيا والمنطقة حقيقة انه من المبكر الكلام عن تسليم اميركي بخارطة معينة لتقاسم النفوذ في العالم كما تتاكد الواقعة التي استندنا إليها في نقد نظرية يالطا الجديدة وهي تشابك خطوط التماس ومواقع النفوذ المتنافس عليها بحيث تفرض استمرار الصراع لفترة قادمة قد تستغرق سنوات ويتاكد ان مفهوم الحرب العالمية الباردة هو الأصلح لفهم الصراع المستمر بين القطبين الروسي والأميركي وبالنظر لما تحقق من تفاهمات ضمن حدودها الواقعية : منع تحول النزاعات الإقليمية التي يخوضها حلفاء للمعسكرين المتصارعين إلى مواجهات عالمية كبرى والقبول بقواعد المساكنة داخل الأمم المتحدة في إنتاج التسويات الممكنة للنزاعات الكبرى .
ثالثا يواجه صعود القوة الروسية اختبارا هو الأول من نوعه منذ زمن الاتحاد السوفيتي ويتوقف عليه مستقبل التوازنات والمعادلات ومن الواضح أن التراخي الذي طبع الإدارة الروسية للصراع مع الولايات المتحدة هو الذي أغرى واشنطن بمحاولة استرجاع زمام المبادرة ولولا الحزم السوري والإيراني في رسم خطوط حمراء صارمة لقادت التساهلات الروسية إلى نتائج مؤذية لموسكو ولحلفائها .
كان التجاوب السوري مع متطلبات التفاوض في جنيف مجاراة للشريك الروسي وضربة ذكية استكملتها دمشق بفضح حقيقة النوايا الأميركية من خلال إدارتها للتفاوض بأسلوب مدروس وكسبها لمعركة تثبيت أولوية وقف العنف ومكافحة الإرهاب على جدول الأعمال رغم السلوك الملتوي للموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي وعلى الرغم من اختلال قواعد التفاوض التي قبلتها روسيا من غير ان تحرك قواعد الندية في الشراكة الدولية فتركت للولايات المتحدة احتكار تسمية وفد المعارضة من بين عملائها وتغاضت عن إبعاد إيران بقرار أميركي صدر في شكل إيعاز إلى امين عام الأمم المتحدة ومن غير أي تشاور بين واشنطن وموسكو .
النفاق الأميركي عن مكافحة الإرهاب كمحور للشراكة الدولية الجديدة تكذبه وتدحضه وقائع كثيرة أبرزها الانخراط الأميركي في تدريب وتسليح عصابات التكفير والإرهاب في سوريا وجميع التقارير الصحافية المتداولة عن تحضير جولة جديدة من الحرب على سوريا انطلاقا من الأردن مرتبطة بمحورية الرعاية الأميركية اللوجستية والمخابراتية .
مجددا نؤكد أن قدر سوريا وقيادتها وشعبها وجيشها هو أنها تكتب بتضحياتها مستقبل العالم الجديد وتتصدر جبهة النضال ضد الهيمنة الأميركية الأحادية وشركاؤها الكبار يحصدون ثمار صمودها قبل أن تزف في انتصارها.
الشرق الجديد

» "الثورة السورية" المزعومة... بين استثمار البعض وأوهام البعض الآخر
» من سيكسب الرهان في أوكرانيا؟
» حلفاء أميركا الخليجيين وأوهام السفينة الغارقة
» فضيحة تهز اردوغان.. كان يدعي العداء لإسرائيل ونجله يعقد الصفقات معها
» "الثورة السورية" المزعومة... بين استثمار البعض وأوهام البعض الآخر