اللقاء في جنيف والكلام في كييف والحسم في سوريا

اللقاء في جنيف والكلام في كييف والحسم في سوريا

عابد عبيد الزريعي
تكشف مجريات مؤتمر جنيف 2 حول سوريا وما يدور فيه ومن حوله من أحداث وما يطلق خلاله من مواقف أن وفد الائتلاف لا يزيد عن كونه أداة في يد قوى دوليه وإقليمية. يتبدى ذلك من خلال حالة التمحور والتمركز حول الذات بوصفها المنطلق والمنتهى لكل القضايا التي تهم سوريا. هذا التعملق الكاذب سرعان ما تكشفه عملية الدوران حول عدد من القضايا المجتزأة والمعزولة عن القضايا الأساسية التي تشكل المدخل الرئيس لمعالجة الأزمة وهو موضوع الإرهاب. وكثيرا ما تجد تلك القوى نفسها مجبرة على الكشف عن نفسها عندما تلاحظ أن وكيلها قد خرج عن السياق المرسوم له أو لم يستطع أداء دوره المحدد، لتقوم بعملية تفكيك وإعادة تركيب للوفد إلى حد أن رئيس الائتلاف الذي خاطبة وزير الخارجية السعودي خلال الجلسة الافتتاحية بسيدي الرئيس لم يهنأ بهذه المكرمة الملكية لأكثر من يوم واحد.
لذلك تبدو المعارضة الحاضرة في المؤتمر شبيهة بآخر أباطرة الصين ذلك الطفل الذي كان يجلس أمام الوفود الأجنبية بينما تجلس أمه خلف ستار وتتولى الإجابة على الأسئلة التي تطرح عليه. والوفد السوري في حقيقة الأمر يفاوض من يجلس خلف الستار الذي أدار لعبته التفاوضية قبل انطلاق أعمال المؤتمر، فعمل أولا من اجل إحراج سوريا على الصعيد الدولي بتكرار ذات اللعبة السمجة وخرج للعالم بالصور المفبركة للمعتقلين في السجون السورية. وهي المحاولة التي سقطت، أولا لأنها باتت طريقة مكشوفة ومملة ولم تعد تنطلي على احد، وثانيا أن سوريا بادرت بالتحرك القانوني الذي قطع الطريق على اللاعبين، وثالثا تشكيك روسيا في صحة هذه التقارير وبطريقة قاطعة. وعمل ثانيا على وصول الوفد السوري إلى جنيف وهو في حالة استنزاف معنوي وإرهاق نفسي ، وقد بدا هذا الأمر في تعطيل الطائرة السورية في مطار أثينا، وفي مقاطعة أمين عام الأمم المتحدة للمعلم خلال إلقاء كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر. لكن الاستعداد الكامل للدولة السورية لكل صغيرة وكبيرة قد اسقط كل هذه الأحابيل. بل أن وزير الخارجية السوري استطاع وبطريقة احترافية أن يحول الموقف لصالح سوريا وذلك من خلال:
1 ـ تثبيت الحق الكامل لسوريا في طرح وجهة نظرها وضمن الوقت الذي تراه ملائما بوصفها تملك الصورة الحقيقية عن الأحداث وبما ينفي تلك التي يتم ترويجها عبر وسائل الإعلام المنحازة والتي يبني عليها كي مون مواقفه.” أنا جئت من سوريا وأنت تقيم في نيويورك”.
2 ــ التأكيد على أن سوريا دولة صاحبة قرار ودولة ذات مصداقية ت”سوريا تفي بوعودها”.
3 ـــ التأكيد على الحالة المعنوية العالية للوفد فالانتقال وبسلاسة بالحديث من العربية للانجليزية ثم العودة العربية كان تعبيرا عن حالة نفسية مرتاحة وعالية.
وقد كانت اللحظة التي توجه فيها وزير الخارجية السوري في خطابه لوزير الخارجية الأمريكي ليؤكد أن الشعب السوري وحده هو من يقرر ويصوغ مصيره ومن غير المسموح لأية قوة خارجية أن تتدخل أو تنوب عنه في ذلك هي اللحظة التي أدركت فيها تلك القوى فشل تكتيكاتها وان سوريا استطاعت وبحنكة كسب الجولة الأولى.
ونتيجة لمعرفة تلك القوى الإقليمية بان الجولة الثانية هي جولة المفاوضات داخل الغرف المغلقة وتعرف محدودية الأوراق التفاوضية التي يحوزها وكيلها، ومحدودية تمثيله للمعارضة السورية، وتعرف أيضا حقائق الواقع الميداني، فقد دفعت به إلى إتباع تكتيك التعطيل الذي يعتمد على تجزئة القضايا مثل التركيز على حي في حمص وغض النظر عن باقي المناطق السورية، والتذرع بعدم العلاقة بالمجموعات المسلحة، وتكرار المطالبة بتطبيق بنود جنيف 1 ضمن حدود فهمهم لهذه البنود. ومن الجلي ان مثل هذه القضايا لا تخلق مبررا لوقف التفاوض بين الطرفين ولكنها لا تنتج اتفاقا وليس لها من هدف إلا إطالة الزمن من اجل تجميع أوراق جديدة تسمح بتعديل ما في موازين قوى مختلة لصالح الدولة السورية، وفي هذا السياق قامت هذه القوى بما يسمى بالضغط واللعب على الأطراف البعيدة عن قاعة المفاوضات من اجل تشكيل موجات ضغط على الطرف السوري في داخلها. وذلك من خلال:
1 ـــ إشعال الجبهة الأوكرانية بهدف إرباك روسيا من خلال الضغط على خاصرتها المباشرة، وبمعنى أدق فان تلك القوى تحاول استخدام المعارضة الأوكرانية كصوت تفاوضي عالي بدف الضغط على روسيا لدفعها للضغط على سوريا.
2 ــ محاولة استخدام ورقة الإرهاب كورقة تفاوضية من خلال التلميح الأمريكي بإحضار الجبهة الإسلامية كطرف مفاوض، والوجه الآخر للمسألة اللجوء إليها للتصعيد الميداني كورقة ضغط.
2 ـــ إعادة الترويج لخطاب التدخل العسكري الخارجي ضد سوريا وهو الأمر الذي تجلى من خلال الأسئلة الصحفية الموجهة إلى الأخضر الإبراهيمي خلال مؤتمره الصحفي اليوم.
لقد تم احتواء هذا التوجه بمفاصله الثلاثة من خلال التعامل الروسي الهادئ مع الموضوع الأوكراني والتحذير من التدخل الدولي في شانها بما يعنه ذلك بان الأمر يخص أوكرانيا وحدها، ورفض مسألة التفاوض مع الإرهابيين لاعتبارات”مبدأيه” وبذلك قطع الطريق على إمكانية جلوس القوى الإرهابية على طاولة المفاوضات. ومن ناحية ثانية قام الوفد السوري وفي توقيت موفق بطرح ورقة المبادئ الخمس التي عرت الائتلاف وكشفت وضعيته كواجهة لقوى إقليمية ودولية تدير اللعبة من خلف ستار. لكن الأهم في الموضوع أن مضامين الورقة التي رفضها الائتلاف بإيعاز من تلك القوى أصبحت في يد العالم اجمع بما يعني أن كل تجاوز لها في التعامل مع سوريا لن يكون إلا حربا استعمارية مكشوفة بكل ما يترتب على ذلك من نتائج. ونعتقد أن اللحظة باتت تستدعي مبادرة المعارضة الوطنية في الداخل السوري بإعلان قبولها وترحيبها بما ورد في ورقة المبادئ التي قدمها الوفد السوري في جنيف كقاعدة للحوار الوطني الأمر الذي يحاصر المناورة الأمريكية ويعيد الاعتبار لهذه المعارضة بوصفها معارضة وطنية ممثلة.
لقد بات من المؤكد أن القوى الإقليمية والدولية المتآمرة على سوريا ستستمر في تكتيك التعطيل بهدف إفشال المؤتمر دون ان تتحمل مسؤولية الإفشال بشكل مباشر، أما خطوتها القادمة فستكون اللجوء مرة أخرى للتصعيد الميداني الذي يمكن ان يصل إلى مستويات غير مسبوقة، لكن الأكيد أن هذا التصعيد لن يكون مصيره إلا الفشل النهائي لسبب بسيط ان الدولة السورية باتت في الوضع الميداني الذي يسمح لها بالتعامل مع هذا التصعيد وحسمه لصالح الشعب السوري.

» صفقة حمص : مقايضات سعودية ـ كييف وصواريخ الجربا ـ الرئاسة لـ2015
» خفايا ووثائق تنشر لأول مرة عن اللقاء الروسي الأميركي قبل مؤتمر جنيف الدولي
» «جنيف 2».. ورمال سوريا المتحركة
» موسكو تقلب الأدوار في كييف
» «داعش» و«ميدان» كييف... خدم «السيّد» نفسه