حرب سعوديّة ــ إيرانيّة ؟

حرب سعوديّة ــ إيرانيّة ؟

نبيه البرجي
ليس وليم كريستول وحده الذي يسأل ما اذا كانت التفاعلات الايديولوجية في الشرق الاوسط، والتي تأخذ منحى هستيريا، يمكن ان تفضي الى الحرب المباشرة بين المملكة العربية السعودية وايران…
خبراء استراتيجيون في الغرب يطرحون السؤال ذاته، ويستعيدون تلك التسريبات التي تقول ان مئات الصواريخ السعودية، ذات الرؤوس التفجيرية الهائلة، موجهة منذ زمن نحو اهداف ايرانية حساسة. لا نحسب ان الايرانيين لم يأخذوا ذلك بالاعتبار. صواريخهم ايضا جاهزة لتلك اللحظة التي تحمل كريستول على القول» كما لو ان جهنم ضيف شرف على مائدة الشرق الاوسط».
الخبراء إياهم بدأوا بالمقارنات. بطبيعة الحال لا مجال للحرب البرية لعدم وجود حدود مشتركة بين البلدين الا اذا اجتاح احدهما العراق. المواجهة ستكون جوية، والسعودية تملك مئات الطائرات والقاذفات المتطورة جدا، كما ان لديها مئات الطيارين الباكستانيين والاردنيين الذين خضعوا لتدريبات عالية المستوى في الولايات المتحدة، كما في بريطانيا وفرنسا.
المواجهة ستكون بحرية ايضا. وبطبيعة الحال لن تتوانى دول خليجية عن المشاركة في العمليات العسكرية على انواعـها، وربما كان هنـاك دور ما لدول اقليمية اخرى تراهن على ازالة ايران من الخريطة.
لا مجال للمقارنة بين القاذفات السعودية والقاذفات الايرانية. ربما ينسحب ذلك، جزئيا، على القطع البحرية. بطبيعة الحال لا يعتمد الايرانيون على بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات، لكنهم يعتمدون على عشرات آلاف الصواريخ التي يمكن ان تحّول مدنا بكاملها الى ما يشبه الحطام. الخبراء يتحدثون عما هو اكثر حساسية بكثير، اي التعبئة القتالية على المستوى السيكولوجي كما على المستوى العملاني، اذ ان ثمة فارقا هائلا على هذا الصعيد بين ضفتي الخليج. وهذه مسألة بالغة الاهمية في تحديد مسار اي حرب…
حتما، لا احد في المنطقة يتمنى اندلاع مثل هذه الحرب التي لا تبقي ولا تذر، وان كان المعلق الاميركي تشارلز كراوتهامر يقر بأن هذا ما يراهن عليه بنيامين نتنياهو الجاهز للتدخل وفي اطار تلك التشابكات السريالية في المنطقة.
حتى اشعار اخر، القتال على ارض اخرى (سوريا، العراق، لبنان، اليمن،…). كريستول يعتبر ان الدولتين لن ترثا سوى ارض محطمة، فالمواجهة تبدو كما لو انه صراع حول من يضع يده على التاريخ او من يضع يده على العالم الآخر. الآخرون هم الذين يضعون يدهم على المستقبل، وان لاحظ ان الايرانيين مضوا بعيدا في اللعبة التكنولوجية، اي انهم، بطريقة او بأخرى، يلاعبون المستقبل، فيما الكثير من العرب إما انهم غارقون في افكار ابن تيمية او انهم غارقون في ليالي شهريار…
لا شيء يشي بأن الامور تمضي نحو التفاهم. كما لو ان البعض يخوض، فعلا، حرب البقاء. يفترض ان يزول بشار الاسد ، ويفترض ان يتدحرج رأس نوري المالكي، كما يفترض مطاردة «حزب الله»، وبالطبع ابقاء اليمن مستودعا للقبائل ولماضغي القات…
لا ندري الى اي مدى يبدو كريستول دقيقا او موضوعيا حين يعتبر ان الصراع الحالي هو بين منطق الامبراطورية ، وهو منطق مستحيل في ظل لعبة الامم، وفي ظل التأجيج المذهبي، ومنطق القبيلة الذي لا يمكن الا ان يبقى داخل الحلقة المقفلة، فيما لا مجال البتة، ومهما علت الجدران الايديولوجية، ومهما تعددت امكانات الاستيعاب، صدّ رياح الحداثة…
في الحالتين، يمكن اللجوء الى ما قاله ارنولد توينبي حول تلك الحقبة التي شـهدت الحرب المريـعة بين الكاثوليك والبروتستانت في اوروبا. قال «كل طرف حاول استدراج الله لكي يقاتل ويقتل معه». شيء من هذا القبيل يحدث في الشرق الاوسط. هل من جهة محايدة تقول لنا مع من يقف ( ويقاتل) الله؟
حتى اشعار اخر الجنون مفتوح على مصراعيه. بحثا عن لحظة العقل بين الرياض وطهران، وضناً بذاك الدم الضائع، والمال الضائع، وقد احترفنا لعبة الزمن الضائع، لماذا لا نفتح ابوابنا امام الرئيس حسن روحاني، حتى ولو حكم الشك كل تلك العلاقات، فالرجل ابدى استعداده للتفاهم؟ يأتينا الجواب الغريب ان الرجل يدرك الى اي مدى وصلت بلاده في اللهاث السياسي والاقتصادي على السواء، وهو يحاول انقاذها وان بعد فوات الاوان..
هل يعني هذا ان النظام في ايران يلفظ انفاسه الاخيرة، وكل المؤشرات تثبت العكس، وان الانظمة الاخرى، تستلقي على الارائك الوثيرة ، والاساطيل الوثيرة، فيما الحرائق في كل مكان، وفيما الاعصار يدق كل الابواب دون استثناء…
يقال لنا ايضا انه لا بد من المضي في السياسات الراهنة، والا فإن الايرانيين سيضعون ايديهم على سوريا والعراق ولبنان واليمن لتغدو شبه الجزيرة العربية وكأنها رهينة في قبضة آيات الله. ولكن ألا تقول الارض، الارض المحطمة تحديدا ، انها حرب الهباء اذ ماذا سيبقى من الدول الاربع اياها اذا لم يغسل بعضهم ايديهم من الرماد ومن الدم واذا لم يتحرر من خيال اجهزة الاستخبارات، وهو الخيال القاتل (والخيار القاتل)، من اجل تفاهم اقليمي. تفاهم خلاق لا يقوم على منطق القبيلة ولا على منطق الامبراطورية…
لا منطق آخر الآن، والى اشعار آخر!
الديار