المنطقة التي نعيش فيها ـ منطقة الشرق الاوسط ـ تعيش حالة من الترقب للحرب ربما لم يسبق لها مثيل في أي من فتراتها السابقة.
وتتوقف تطورات كثيرة تشهدها المنطقة على هذا الاحتمال. حتى التطورات الراهنة في سوريا لا يمكن بأي حال من الاحوال فصلها عن احتمالات الحرب، فقد بد
ا بوضوح في الفترة الاخيرة ان تأجيج الوضع في سوريا هو جزء من الحرب المنتظرة، او التي يصر الغرب وتصر اسرائيل على اعتبارها حرباً وشيكة. نعني الحرب على إيران.
وإيران، التي تستبعد ان تقوم اسرائيل بشن هجوم عليها، تستعد لهذه الحرب بل وتتقبل احتمال وقوعها، باعتبار ذلك امراً محتوماً، لأن الاستعداد للحرب حتمية حتى وإن بدا الطرف الذي يهدد بها اكثر تردداً، وقد طال تردده فعلا في الزمان اكثر مما طال في اي حرب سابقة. والطرف الذي لم ينقطع عن التهديد بهذه الحرب هو اسرائيل، بينما الطرف الذي تعلم اسرائيل انها تستند اليه كقوة عسكرية لا غنى عنها في مواجهة ايران ـ وهي الولايات المتحدة ـ يزداد يقيناً اسبوعاً بعد اسبوع، وشهراً بعد شهر، منذ اكثر من عامين كاملين، بأن الهجوم على ايران ينطوي على خطر شديد لإسرائيل وعلى مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
الظروف المحيطة في الشرق الاوسط توحي بأن الولايات المتحدة ـ الأكثر اقتناعاً بعدم جدوى هذا الهجوم على ايران ـ تبذل اقصى ما بوسعها في ما هو اكثر من إشعال نيران الحرب الداخلية في سوريا. ان الولايات المتحدة تريد ان يكون واضحاً ان مصر لا تستطيع ان تكون بعيدة تماماً عن احتمالات هذه الحرب الاسرائيلية على ايران. مطلوب من مصر، على الأقل، ان لا تبدي اهتماما بما يكون من امر ايران في مواجهة مع اسرائيل. مع ذلك فإن الايام والاسابيع الاخيرة تظهر لدى الولايات المتحدة قدراً من الاستعداد لتقبل اقتراب نظام الرئيس المصري محمد مرسي نحو ايران ولكن في حدود تقبلها بل تفرضها واشنطن. ولعل هذا التغيير في موقف اميركا من العلاقات المصرية – الإيرانية يتعلق بإقناع إسرائيل بأنها لا تملك تأييداً سياسياً معادياً لإيران يسمح لها بشن هذه الحرب.
اما موقف مرسي نفسه من الموضوع كله، فإنه يبدو في حالة تراجع عن مقاطعة مصرية كاملة لإيران لاحت في ظروف انعقاد القمة غير المنحازة في طهران خلال ايام. لقد ادرك مرسي ـ وإن كان متاخراً – أن غيابه عن قمة عدم الانحياز في طهران سيضر بموقف ومركز مصر في هذه الجبهة العالمية التي تزداد الحاجة اليها. ويبدو ان الرئيس المصري يشغل نفسه في هذه الفترة بإقناع واشنطن بأن حضوره قمة عدم الانحياز في طهران يمكن ان يفيد السياسة الاميركية في المنطقة اكثر مما يضرها، في ضوء اختلاف التقدير الاميركي عن التقدير الاسرائيلي بشأن ما يمكن ان يسفر عنه هجوم على ايران. ويبدو ان مرسي انما يحاول إقناع واشنطن بما هي مقتنعة به.
ولكن العقدة او العقبة الكأداء تتـمثل في الخــطوة التي يلح عليها الديبلوماسيون المحترفون الحاليـون والسابقون في الخارجية المصرية، وهي ضرورة استعادة التمثيل الديبلوماسي بين القاهرة وطهران كمقدمة ضــرورية لحضور الرئيس المصري قمة طهران غير المنـحازة. وتتردد في الاوساط الديبلوماســية المصرية احاديث مفــادها ان واشنطن لم تعط القـاهرة حتى الآن ضوءا اخضر للمضي نحـو استعــادة العلاقات الديبلوماسيـة المقطوعـة مع ايران منذ اكثر من ثلاثـين عاماً. بينما تلح القاهــرة على ان المجهود السياسي المصري يمكن ان ينجح في إقنــاع ايران وغيرها من القـوى الفاعـلة في قمــة عدم الانحـياز بتـضمين قرارات القمة فقرة تكون اكـثر اعتــدالا من ان تؤيد طهران في قضية امتلاك الأسلحة النـووية للأغراض السلمية.
والامر المؤكد ان قمة عدم الانحياز المقبلة في طهران ستعنى اكبر عناية ممكنة بمشكلة التهديدات الاسرائيلية الموجهة باستمرار الى ايران. ومن المؤكد بالمثل ان البيان الختامي لهذه القمة سيكون اكثر توافقا مع موقف ايران، وذلك لأن مواقف الدول غير المنحازة كل على حدة وحتى قبل انعقاد هذه القمة تنطوي على تأييد واسع النطاق لموقف ايران وحقها الثابت في امتلاك القوة النووية. وبالتأكيد فان مصر لن تستطيع ان تتهرب من هذا الموقف العام في القمة مهما كانت قوة ضغوط الولايات المتحدة واسرائيل. ولن يختلف وضع مصر وموقفها في حالة حضور الرئيس مرسي او غيابه عن المؤتمر. ولكن مكانة مصر تتراجع كثيرا في جبهة عدم الانحياز اذا لم يحضر الرئيس المصري هذه القمة.
ولقد وضعت اسرائيل نفسها في مأزق في ما يتعلق باستمرار تهديداتها بهجوم شديد الضراوة ضد ايران. فهناك ـ من ناحية ـ المعارضــة السياسية الداخلية الاسرائيلية ضد تهديدات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وخاصة من جانب كل من زعيم المعارضة شاؤول موفاز، الذي انطوت تصريحاته الاخيرة على تصريح واضح بأن «اي ضربة عسكرية استباقية ضد ايران بسبب برنامجها النووي يمكن ان تدخل اسرائيل في حرب كارثية». كما اعرب موفاز عن اعتقاده بأن اسرائيل «تخطط لعمل متسرع ومستهتر».
إن مأزق اسرائيل يزداد تأزماً وحدة. ذلك ان اسرائيل تخسر في كل الاحوال، اذا اقدمت على مهاجمة ايران من دون مساعدة مباشرة من الولايات المتحدة. تخسر بشكل خاص التقديرات التي صورت قوة اسرائيـل العسكرية على أنها الرابعة في العالم بعد الولايات المتحدة وروســيا والصين وأنها بالنسبة للإطار الاقليمي، اي الشرق الاوسط، الأقوى على الإطلاق. كما تخسر اسرائيل هذه المكانة اذا استمر وامتد ترددها العسكري والسياسي، الذي طال بالفعل ولم يعد يلائم التصور السابق عن قدراتها العسكرية.
اسرائيل اذن تخسر اذا اندفعت، على الرغم من محاولات اللجم الاميركية، لتهاجم ايران. وتخسراذا لم تندفع وظلت عند موقف التردد. ولا يبدو في الأفق ان اسرائيل قادرة على التراجع عن تهديداتها ضد ايران، خاصة اذا بقيت حكومة نتنياهو هي المسؤولة. فالوضع اذن يتطلب تأليف حكومة اسرائيلية جديدة تتخذ موقفا اكثر تعقلا. ومثل هذه التغييرات لن تحدث الا على حساب اي موقف موحّد يمكن ان تتخذه اسرائيل ورأيها العام المشتت. واذا اصدرنا حكما بناء على الحالة الراهنة فإن اسرائيل تبدو منقسمة على نفسها اكثر من اي وقت مضى. وهي تنتظر لترى اذا كانت مصر ستلعب دورا بنّاءً في قمة عدم الانحياز من وجهة نظر اسرائيلية. وهي تدرك ان ادوار الحكومات العربية التي مالت الى سياسة اكثر مطاوعة للسـياسة الاميركية تجاه اسرائيل ـ مثل المملكة السعودية ومملكة البحرين وقطر والامارات المتحدة ـ لن تستطيع ان تلعب دورا مؤثرا في قمة عدم الانحياز يفيد في تأكيد هذا الاتجاه المسالم لاسرائيل والمستسلم للولايات المتحدة.
واذا لاحظنا ثبات الموقف الايراني عند نقطة استبعاد اقدام اسرائيل على شن هجوم على المنشآت النووية الايرانية، ولاحظـنا في الوقت نفــسه اهتمام ايران الفائق بأن تكون مستعدة لمثل هذا الهـجوم وضـرورة الرد عليه، نستطيع ان نرى كيف تبلور هذه العوامل الايجابية في سياسة ايران الموقف المنتظر من ايران في قمة عدم الانحياز التي ستعقد بضيافتها، والتي ستؤدي فيها دورا من اهم الادوار التي يمكن ان تؤديها ايران في الظروف الراهنة.
ان الولايات المتحدة تبقى حريصة على ان تقرأ بعناية البيان الختامي لجبهة الدول غير المنحازة، وخاصة من زاوية تأييد ايران في المواجهة مع اسرائيل اذا ظلت سياسية واذا تحولت من سياسية الى عسكرية. وليس خافياً ان موقف التردد الاميركي يصاحبه اهتمام بإبقاء قدرة اسرائيل على التنفس مستمرة وذلك عن طريق مهاجمة سياسة ايران والاستمرار في تشديد العقوبات الاقتصادية عليها، على الرغم من ان هذه العقوبات ـ حتى باعتراف غالبية الدوائر الاميركية نفسها ـ لم تستطع ان تنال من ارادة ايران. وقد لعب الهجوم الاميركي على ايران بحرب البيانات والمقالات دورا مزدوجا ايضا. فقد نشرت الصحف الاميركية الموالية للنظام الاميركي الحاكم ـ مثل صحيفة «هيرالد تريبيون»- قبل ايام قليلة ان معلوماتها تفيد ان ايران تزود حلفاءها في الشرق الاوسط بأسلحة للدمار الشامل، مشيرة الى ان الحرس الثوري الايراني ذكر على موقعه الالكتروني ان بلاده زودت حلفاءها بأسلحة من هذا القبيل وان مثل هذه الاسلحة يمكن ان تستخدم في حرب ضد اسرائيل. ومن المفارقات ان نشر مثل هذه المعلومات بصرف النظر عن صدقها او كذبها يزيد من رعب الاسرائيليين من احتمال هجوم اسرائيلي على ايران ترد عليه ايران وحلفاؤها في المنطقة (والمقصود هنا سوريا وحزب الله) بهجوم تستخدم فيه اسلحة الدمار الشامل. وهي اشارة غير صريحة الى اسلحة كيماوية وبيولوجية.
الوضع في الشرق الاوسط مع اقتراب قمة عدم الانحياز بالغ التعقيد وبالغ الخطورة. ولكن من المؤكد ان اسرائيل تستشعر الخطورة اكثر من اي وقت مضى، الامر الذي تؤكده نصائح واشنطن اليومية لتل ابيب، بل تستشعر الخطورة على دورها التقليدي كحامية للمصالح الاميركية في الشرق الاوسط.
ان الحاق هزيمة قاسية باسرائيل اذا اقدمت على هجوم عسكري ضد ايران يهدد دور اسرائيل في المنطقة كما حرصت عليه منذ تأسيسها.
ويظل من الطبيعي ان نتساءل عند هذا الحد عن موقع مصر خاصة اذا حضر رئيسها محمد مرسي القمة غير المنحازة. ان الجدل الدائر في مصر بهذا الشأن كثيف ويتسم بتعارض المواقف. هناك الدعوة الى موقف مصري ايجابي تجاه ايران من اجل دور مصري كبير وايجابي ايضا في قمة عدم الانحياز. ويشير هذا الموقف الى الفوائد الكثيرة التي يمكن ان تعود على مصر نتيجة لهذا. وهناك موقف من بعض القطاعات بعضها ممثل في حكومة الرئيس مرسي ينصح بمراعاة نصائح الولايات المتحدة للقاهرة فيما يتعلق بايران.
ولا غرابة ان الموقف الاول ترجح كفته بصورة واضحة وبقوة، باعتبار ان موقف مصر من ايران يحدد موقف مصر من حرب الشرق الاوسط القادمة.
كاتب سياسي ـ مصر – السفير