في معركة الوجود.. التاريخ لن يعيد نفسه!

في معركة الوجود.. التاريخ لن يعيد نفسه!

مروان بحمد – خاص الخبر برس

“غير أن الفتنة قد استجمعت عناصرها، وهبت ريحها تنذر بالخطر، وتنفخ بوادرها في أطراف البلاد. فكان ما كان من نزوات شوشت الامن، وأشغلت الأفكار بأخبار الغزوات والوقائع التي كانت تقع من ناس موقع البشرى والإيناس، وتقع من آخرين موقع الهم والبؤس”.

للوهلة الأولى قد يظن القارئ أن النص السابق مقتطف من خطاب لسماحة السيد حسن نصر الله، يتحدث فيه عن الفتنة الآتية إلينا من وراء البحار والتي باتت تتغلغل في مجتمعنا، ممعنةً في تفتيت اواصر العيش المشترك بين ابناء الحي الواحد والبلد الواحد. لكن في الحقيقة، تعود هذه الكلمات للقرن السالف وبالتحديد لسنة 1918 حيث وقف السيد عبد الحسين شرف الدين محاولاً إخماد نيران الفتنة “الطائفية” التي جلبها معه الإستعمار الفرنسي ونثرها بسخائه المعتاد بين القرى اللبنانية، وبالطبع فإن فرنسا الملقبة بالـ”أم الحنون” لم تكن لتوفّر قرية واحدة من هذا الكرم الجمّ.

لو عدنا بالتاريخ قليلاً، وغصنا في محطاته المستترة في ترابه العاملي، والتي لم تشأ الحكومات المتعاقبة أن تخط بحبرها المسموم حقيقة الإستقلال وصنّاعه، لروينا ظمأ قلوبنا العطشى بأسماء رجالات وقادة رسموا بدمائهم خريطة اندحار الغطرسة العثمانية، وقرىً أبت إلا أن تكون عزيزة حرة، وحكايات نضال لا تتسع لها الأكوان. فبعد تتالي الخسائر وتراجع محور الأتراك أمام محور الممانعة، لم يجد الغرب منفذاً له سوى بإرسال القوات الفرنسية المدعومة دولياً تحت شعار نشر الديمقراطية بهدف تحرير الشعوب المضطهدة في شرق المتوسط من الحالة القمعية التي تعيشها. نعم، ما جرى بالأمس يجري اليوم، والإستعمار التركي الفرنسي بات اليوم هجوماً كونياً على محور الممانعة والمقاومة. فكيف الخروج من مستنقع المقاومة؟؟ لا بد من فتنة داخلية.

يكمل السيد شرف الدين: “وكان النمّامون النفعيّون من أذناب الفرنسيّين يثيرون حماسة الفتيان العرب من جِهة أخرى ويطمعونهم ويغرونهم بمواطنيهم ليتلاقى طرفا الحيلة الاستعماريّة، ويبرم أمر التدبير. فذرّ الفرنسيّون على الجرح ملحاً بأن حرّكوا النعرة الطائفيّة، وزوّدوها بالسلاح…”، بالأمس كما اليوم، يتجلى صراع المحاور القائم، بين محور مقاوم يصد الفتنة بكل ما أوتي من قوة، ومحور متآمر بأدواته الداخلية يرمي بكل أوراقه القذرة في سبيل تحطيم خط الصمود الوطني.

إلا أن حصاد الأمس يختلف عن اليوم. بالأمس خرجت تركيا وتبعتها فرنسا بهزيمة وذل من لبنان، تاركةً خلفها في الحكم طاقماً رسمياً لبنانياً ينوب عنها في تنفيذ كل ما تبغي وتريد، وبالطبع يتقن فن الخطابة والانشاء موهماً شعبه بانه المنقذ الحقيقي للبنان وبطل الاستقلال والتحرر، أما المقاومون فتم ابعادهم عن السلطة والمشهد العام وجرى تهميشهم، بل وشُطبوا من صفحات كتبهم المزيّفة. لكن اليوم الأمر مختلف تماماً، فمحور المقاومة بات قوة اقليمية لا يمكن نزالها. بات التاريخ يُكتب بأنامل الشهداء، ويُزيّن بآهات الصامدين، ويُمهر بقبضة المقاومين. التاريخ مشابهٌ بلى، لكن الحصاد مختلف. مستقبل المنطقة بيد أبنائها الآن.
في معركة الوجود، التاريخ لن يعيد نفسه !!

*مقالات الخبر برس

» من تفجير كازية الأزبكية إلى تفجير كازية قاسيون .. التاريخ يعيد نفسه .. العدو نفسه والأسلوب نفسه والمستهدف نفسه ..بقلم : مي حميدوش
» السويداء على خطّ النار: التاريخ يعيد نفسه
» التفويض التركي: هل يعيد التاريخ نفسه؟
» التاريخ يعيد نفسه.. نهاية الحلم العربي الأكبر!
» روبرت فيسك: في الشرق الأوسط، التاريخ يعيد نفسه بقسوة!