التحالف الصهيووهابي بين المواقف الرمادية والفرز العميق

التحالف الصهيووهابي بين المواقف الرمادية والفرز العميق

عابد عبيد الزريعي
كشفت محاولة تفجير السفارة الإيرانية في بيروت، والهجوم على الغوطة الشرقية بدمشق، عن مجموعة من الدلالات السياسية المباشرة وبعيدة المدى خاصة تلك التي تؤكد ظهور التحالف الصهيوني الوهابي إلى العلن كأحد ابرز اصطفافات القوى على المستوى الإقليمي في ظل استعصاء محور المقاومة والممانعة على الكسر بل وتقدمه بثبات في اتجاه صياغة مستقبل المنطقة على ضوء ثبات سوريا وانتصارها,
فقد جاءت محاولة تفجير السفارة الإيرانية كوسيلة ضغط على المفاوض الإيراني وإرباكه في الوقت الذي كانت عملية التفاوض حول النووي الإيراني تبلغ لحظاتها الحاسمة،. الرد الإيراني الهادئ على التفجير والاستمرار في الاشتباك التفاوضي الواثق مكنها من تحييد وسائل الضغط عليها، وانتزاع الاتفاق الذي يلبي مصالحها الوطنية التي صمدت من اجلها على مدى عقد من الزمن. وفي ظل الأجواء وردود الأفعال التي خلفها توقيع الاتفاق، ومن قبل ذات القوى التي فشلت في تعطيله تم فتح جبهة الغوطة الشرقية لتحقيق ثلاثة أهداف:
أولا: محاولة الاقتراب مرة أخرى من خاصرة دمشق لاستمرار الضغط العسكري على العاصمة، بما يعنيه ذلك من التقليل من شأن الانتصارات الميدانية التي يحققها الجيش السوري. على أمل ان يتم صرف ذلك في مؤتمر جنيف الثاني في الثاني والعشرين من يناير القادم.
ثانيا: لتغطية فشل هذه القوى في منع التوصل إلى اتفاق فيما يخص النووي الإيراني بعد كل المحاولات التي بذلتها على المستوى السياسي والإعلامي والأمني.
ثالثا: استغلال الهجوم كمناسبة يتم من خلالها الإعلان العملي عن التحالف الصهيوني الوهابي وتكريسه كحقيقة من حقائق الوجود السياسي في المنطقة، وهنا نجد تفسيرا لحجم المشاركة الإسرائيلية والسعودية في الهجوم.
وارتباطا بالهدف الثالث من الهجوم المشترك على الغوطة الشرقية، نجد أن الترويج والتبرير لهذا الموضوع يتم على قدم وساق من خلال نشر وتسريب أخبار ووقائع جلسات اللقاءات بين الطرفين، وفي هذا السياق كشفت أكثر من وسيلة إعلامية عن لقاءات أمير الإرهاب بندر بن سلطان بضباط الموساد بهدف التنسيق للتآمر على سوريا. كما تم تسريب شريط فيديو لاجتماع الأمير تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات السعودية الأسبق مع يوسي ألفير مستشار نتنياهو, وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أعلن بوضوح أن هناك عربا يشاركونه الموقف وأطلق عليهم محور الاستياء. هذا ولم تتخلف الصحافة الإسرائيلية عن الإعلان عن تحالف عربي إسرائيلي لضرب إيران وسماح السعودية بفتح مجالها الجوي تمام الطائرات الإسرائيلية.
لقد واجهت السعودية هذه الأخبار بالنفي خاصة ما نشر حول فتح مجالها الجوي أمام الطيران الإسرائيلي إذا ما قررت ضرب إيران، لكن هذا النفي تنفيه وقائع أخرى أكثر وضوحا وحدة، وفي المقدمة منها قيام العديد من دعاة الوهابية بالترويج للتحالف مع إسرائيل بوصفه احد تجليات السنة النبوية ولأنه يتوافق مع الدين الإسلامي الذي تعمل الوهابية على تحويله إلى مجموعة من المقولات المفبركة والمركبة بصيغة تكاد تكون أشبه بصكوك الغفران التي ابتدعتها الكنيسة في القرون الوسطى. وعلى ذات الخط دخل الأمير الوليد بن طلال ليصرح وبوضوح عن التوازي بين السياسة السعودية والإسرائيلية. وأخيرا تم الكشف عن مشاركة الرئيس الإسرائيلي يبريز في اجتماع القمة الخليجية عبر الفيديو وكان نجل الملك السعودي من بين المستمعين والمصفقين لخطابه.
إن الدلالة الكيفية لجملة المعطيات الكمية التي تتحدث حول الموضوع تؤكد أن القوى الرجعية العربية قد دشنت المرحلة الثانية في مسار الاندحار العربي أمام العدو الصهيوني، بالانتقال من مرحلة الخروج من الصراع مع إسرائيل عن طريق توقيع اتفاقات السلام التي دشنها اتفاق كامب ديفيد، ثم تلاه اتفاق أوسلو ووادي عربة، إلى مرحلة التحالف والعمل المشترك معها ضد الأمة العربية. ومثل هذا الانتقال يؤكد أربعة حقائق هي:
أولا: إن القوى الرجعية وفي المقدمة منها أكثر أجنحتها تخلفا متمثلا في الجناح الوهابي باتت تشعر بالعجز التام عن القدرة على التعايش مع الحقائق الإقليمية الجديدة التي فرضها صمود سوريا وانتصارها نتيجة لعجزها وعدم انضوائها على أية إمكانية للتطور الذاتي، لذلك نجدها تمضي في غيها عبر الارتماء في أحضان الشيطان الصهيوني متخلية بذلك عن انتمائها للأمة العربية.
ثانيا: إن هذا الانتقال يمثل احد ترتيبات الولايات المتحدة الأمريكية لضمان امن حلفائها في ظل انكفائها عن المنطقة. وفي ظل هذه الترتيبات فإنها تدفع باتجاه تفكيك العوامل المنتجة للصراع بين إسرائيل ومحيطها الإقليمي المباشر وذلك بخلق الوهم لدى الرجعية العربية بوجود خطر خارجي مشترك يهدد كل سكان الإقليم بما يعنيه ذلك من التأسيس لعوامل منتجه للعلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب,
ثالثا: وخلال هذا الانتقال ستجد القوى الرجعية نفسها مجبرة على تقديم الترضية تلو الأخرى للعدو الصهيوني القادر على ابتزازها بحجة دفاعه عن أمنها ضد الخطر الإيراني. وفي هذا السياق فإنها ستسعى لان يكون رأس القضية الفلسطينية هو الترضية الكبرى التي تقدمها للحليف الإسرائيلي الذي سيجد الفرصة مناسبة للقيام بعملية التفافية تسمح له بانتزاع الاعتراف بيهودية دولته من قبل هذه القوى لاستخدام هذا الاعتراف في ممارسة مزيد من الضغط على الجانب الفلسطيني. وفي هذا السياق لن تتورع هذه القوى عن ممارسة كل الأساليب من اجل خلق الذرائع والمبررات التي تساهم في القضاء على قوة الردع الفلسطينية في قطاع غزة,
رابعا: إن هذه القوى لا تستطيع المضي وحدها في عملية الانتقال لأنها بذلك ستكون مكشوفة الأمر الذي يوفر ذرائع التصويب عليها، لذلك ستسعى إلى جر بعض الدول والقوى والأحزاب العربية إلى جانبها من اجل تغطية نفسها. مستعينة بالمال والإرهاب ومستفيدة من حالة الارتباك العام الذي تعيشها المنطقة العربية، ومن ضبابية الرؤية لدى عديد القوى السياسية وفي أكثر من موقع,
والملفت للنظر انه في ظل هذه الوقائع والحقائق والمتغيرات والمخاطر مازالت عديد الأحزاب والقوى العربية التي وقفت موقفا معاديا لسوريا في بداية الأزمة، لم تستطع أن ترتقي إلى موقع نقد مواقفها السابقة أو التراجع عنها بعد اتضاح حقيقة الصراع الدائر على الأرض السورية، فنجدها تلتزم الصمت تجاه كل ذلك، بينما بات بعضها يستخدم كغطاء بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل المحور الرجعي الذي يمضي قدما في اتجاه تجسيد التحالف مع إسرائيل، وذلك بالدخول في معارك سياسية تحت شعارات ديمقراطية ممولة من قبل تلك القوى.
على ضوء ما سبق طرحه بات الأمر يستدعي تحديد التخوم والفرز العميق بين المواقف والخنادق وعدم الضياع في المنطقة الرمادية لان هذه المنطقة كلما اتسعت، فسيتسع معها الغطاء الذي تمضي القوى الوهابية من تحته نحو التآمر على قضايا الأمة ومصيرها. كما ان المطالبة بإنقاذ السعودية من المؤامرة الإسرائيلية التي تريد توريطها في مثل هذا التحالف من خلال قيام الصحافة الإسرائيلية بالكشف عن اللقاءات التي تتم بين الطرفين، لن تقود إلا إلى توسيع المنطقة الرمادية التي تستفيد منها هذه القوى.

التحالف الصهيووهابي بين المواقف الرمادية والفرز العميق

» تباين في المواقف الدولية والإقليمية من خطاب الرئيس الأسد يعكس المواقف من الأزمة السورية
» الفنانة السورية رغدة: إيماني العميق بنصر سورية لا يتبدل مهما زاد إجرام العصابات المسلحة
» مجازر صبرا و شاتيلا في ذاكرة الايام و المواقف
» أبرز المواقف في “قمة الكويت”
» لماذا لم ...ولن يسقط الاسد؟ في المواقف الدولية و تداعياتها