الهزيمة الأمريكية ، ما نراه و ما لا نراه

الهزيمة الأمريكية ، ما نراه و ما لا نراه

أحمد الحباسى تونس
هناك علامات هزيمة أمريكية في الشرق الأوسط ، هذا ما لا يستسيغ قوله البعض و لا يقتنعون به ، مع أن المتابعين للشأن السياسي يدركون و يعلمون أن ما نؤكده صحيح و هناك أدلة قاطعة على ما نقول ، يدركون أن كل الإمبراطوريات عبر التاريخ ، و مهما تغولت و ناطحت المنطق الكوني فهي إلى زوال ، و إلى هزائم ، و أمريكا كقوة عظمى ليست و لن تكون الاستثناء ، فبالعودة إلى حقبة الاحتلال الفرنسي للجزائر ، نتذكر الخطاب الشهير للرئيس شارل ديغول في الجزائر ( أنا فهمتكم – Je vous ai compris ) عندما تحدث عن “الجزائر الفرنسية” معتبرا من باب المغالاة و الغرور أن بلد المليون شهيد هي مقاطعة فرنسية مهما ثارت و رفضت هذا المفهوم الاستعماري ، و بالنتيجة تحقق الاستقلال الجزائري و عادت فرنسا مجرد كلب تابع للنفوذ الأمريكي في العالم بعد أن كانت إمبراطورية استعمارية ، فمن كان يصدق ذلك التحول ؟ .
الكاتب الهندي بانكاج ميشرا عاشر الإمبراطورية البريطانية التي لا تغرب عنها الشمس لكنها اليوم مجرد ماض قذر و هو يعرف ما يقول عندما يتحدث في كتابه “من أطلال الإمبراطورية: الثورة على الغرب و إعادة صياغة آسيا “، عن أفول الإمبراطورية الأمريكية ، مؤكدا أن هذا الأفول قد بدأ مع تحليق الطائرات الأمريكية فوق السفارة الأمريكية في سابغون عام 1975 لإجلاء الرعايا الأمريكيين بالتوازي مع دخول دبابات الفيتكونغ ، منتصرة إلى قلب سابغون العاصمة الفيتنامية ، فتلك الهزيمة التي وضفتها السينما الأمريكية لتصف الهزيمة النكراء هي بداية عصر الهزائم بالنسبة للإدارات الأمريكية المتعاقبة .
بطبيعة الحال ورثت الولايات المتحدة الأمريكية منطقة الشرق الأوسط من الامبريالية الأوروبية الآفلة ، و بطبيعة الحال جاء الفيروس الصهيوني الذي زرعه وعد بلفور السقيم ليعطى الإدارة الأمريكية موطأ قدم في الدول الخليجية ، بعد ذلك جاءت الثورة الخمينية و غزو العراق للكويت ليعطيان سببا و شماعة لإنشاء القواعد الأمريكية في الخليج ، و حتى عملية تفجير السفارة الأمريكية في لبنان سنة 1982 لم تؤثر بصورة كافية لإقناع صاحب القرار في البيت الأبيض بالتخلي عن وجوده العسكري و الاقتصادي في أكثر منطقة حيوية في العالم ، لكن من المهم القول أن الغزو الأمريكي للعراق و الاعتداء العسكري على أفغانستان قد أنهكا القوة الأمريكية اقتصاديا و عسكريا و كان الهروب من العراق و بداية الهروب من أفغانستان ، مع ظهور عوارض هزال اقتصادية و تشوهات في تنفيذ البرنامج الاقتصادي للرئيس أوباما في فترة رئاسته الثانية منذ بعض أسابيع .
في حقيقة الأمر ، و بعيدا عن الطموح الأمريكي الاستعماري ، فان المؤامرة على سوريا قد كشفت عيوب الاقتصاد الأمريكي و بداية علامات انهياره ، لان أمريكا تعلم تماما أن إسقاط الرئيس الأسد هي الجائزة الكبرى بعد إسقاط الرئيس صدام حسين ، و تعلم أن سقوط النظام البعثى في سوريا ستكون له ارتدادات ايجابية على دول الخليج و على حليفتها الصهيونية، وتعلم نهاية أن سقوط الشام هو انهيار أو بداية انهيار أو ضربة موجعة لمحور المقاومة و أن إيران بغياب حليفها السوري ستفكر كثيرا في مواصلة حالة العناد ” النووي ” ضد الغرب ، لذلك تحدث الكثيرون في بداية الأزمة السورية ، ممن كانوا متفهمين أن ما يحدث ليست ثورة بل هي مؤامرة غربية صهيونية خليجية ، عن ضربات عسكرية و عن تدخل عسكري في سوريا لإسقاط النظام بأقصى سرعة و بأقل التكاليف الممكنة ، لكن مع الوقت تبين أن الإدارة الأمريكية و لئن كانت متحمسة فهي غير قادرة على تحمل تكاليف هذه الحرب مهما كانت هزيلة ، و بالتالي فقد تركت لدول المؤامرة الإقليميين مهمة إسقاط النظام السوري بالوسائل ” الجهادية الإرهابية” ، و هذا يحصل لأول مرة في التاريخ.
الملفت للنظر أنه مع صمود النظام السوري و مع انتصار القصير التاريخي و دخول حزب الله على خط المواجهة ، فقد ظهرت على الإدارة الأمريكية علامات ارتباك و قصر نظر سياسية تحدثت عنها كل وسائل الإعلام و دفعت ما يسمى بالائتلاف المعارض و بعض دول المؤامرة في الخليج إلى إبداء عديد الملاحظات القاسية ضد سلوك هذه الإدارة ، و رغم تغيير السيدة كلينتون بالسيد كيري في وزارة الخارجية فانه لاح جليا أن هناك سعى حثيث و غير مسبوق للبحث عن كيفية الخروج من هذا المأزق خاصة و أن بوادر الفشل الاقتصادي قد أطلت برأسها بعنف لتدفع الناخب الأمريكي و دافع الضرائب للضغط لإنهاء التدخل الأمريكي في سوريا ، هذا ” الهروب” من الساحة السورية ، أعطى للدب الروسي فرصة الرجوع من الباب الكبير إلى المناطق الدافئة في الشرق الأوسط ، و فرضته لاعبا أساسيا في البحث عن حل يحفظ ماء وجه العملاق الأمريكي المريض ، و بهذا المعنى فقد بات جليا أن بحث الولايات المتحدة عن حل في سوريا و عن حل مع إيران ليس أمرا اعتباطيا بل هي إستراتيجية أمريكية جديدة فرضتها عوامل سلبية متعددة بداية من هزيمة معلنة في أفغانستان و نهاية إلى انسحاب مذل من معركة ضد محور المقاومة.
الزيارة الأخيرة للسيد نبيل فهمي وزير الخارجية المصري و ما سبقها و ما تلاها من إشارات سياسية روسية تؤكد للمتابعين أن مصر بعد الثورة قد بدأت عملية كسر الطوق الأمريكي حولها تعبيرا منها عن اقتناعها ببداية الانهيار الأمريكي ، و رفضها لسياسة الإملاءات و الضغوط الأمريكية التي طالما دفعت مصر إلى تقديم تنازلات ضد مصالحها و مصالح أمتها العربية ، هذا التحول البطيء لكنه معبر يدفع الملاحظين إلى القول أن انخراط الإدارة الأمريكية في عملية زواج المصلحة بينها و بين الإسلام السياسي في تركيا و في بلدان ما يسمى بالربيع العربي ، خاصة في ظل ما حدث و يحدث من إرهاب و قتل و تدمير من طرف هذه الجماعات الفاسدة قد جعل الشعوب العربية تطالب بقطع العلاقات و إرسال إشارات قوية وواضحة للجانب الأمريكي لتحذيره قبل الانتقال إلى مراحل أخرى تضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة ، و حتى زيارات السيد سوترفيلد و “مكالمات السيد هاغل ” وزير الدفاع الأمريكي لن تفيد هذه المرة بعد أن ظهر للجميع أن العام صام قد تراجع و بات يترنح و فقد بريقه مما دفع بالسعودية إلى هذه “الدربكة” السياسية التي نراها اليوم بعد انتصار سوريا ، هذه بداية النهاية لإمبراطورية الشر الأمريكية ، و غدا لناظره قريب.

الهزيمة الأمريكية ، ما نراه و ما لا نراه

» نعيق هولاند وهيستيريا الهزيمة في سوريا…
» الوطواط المستصقر عقاب صقر ..هل نراه طافيا في نهر وليد جنبلاط؟؟ ...‎بقلم: نارام سرجون‎
» الهزيمة المحتومة
» الهزيمة المحتومة- غالب قنديل
» 42- هستيريا الهزيمة - ناصر قنديل