مستقبل العرب في ظل ثلاثية “ايران- تركيا- اسرائيل” !!
د. ليلى نقولا الرحباني
كرّست الزيارة التاريخية التي قام بها وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان سيرغي لافروف وسيرغي شويغو للقاهرة، مزيداً من الدخول الروسي الى منطقة الشرق الأوسط، الذي لا يمكن له أن يقوى بدون البدء بعلاقات مع الدول الفاعلة في المنطقة ومنها مصر. ويبدو أن السياسة المصرية بالانفتاح على روسيا، وتنويع مصادر التسليح، منسّقة مع الحليفين الأبرز لمصر بعد سقوط حكم الأخوان؛ السعودية والإمارات، اللتين ستمولان صفقة التسلح المصرية والتي تفاوتت التقديرات بشأن حجمها بين مليارين و10 مليارات دولار.
وهكذا، تزداد توسّع رقعة الدخول الروسي الى المنطقة، بحلف استراتيجي مع ايران وسوريا، وصفقات أسلحة وتعاون مع حلفاء أميركا التقليديين في المنطقة؛ ومنهم الأردن ومصر على سبيل المثال لا الحصر.
واللافت أن إدارة الرئيس باراك أوباما تبدو غير مكترثة بهذا التحوّل لحلفائها التقليديين نحو روسيا؛ لسببين أما لأنها تدرك بأنه لن يصبح تحوّلاً استراتيجيًا، وأنها مطمئنة لحجم نفوذها الذي كرّسته على مدى عقود، أو لأنها تقوم فعلاً بتطبيق سياسة التخفف من أحمال الشرق الأوسط، للتوجه بزخم أكبر الى الشرق الأقصى، وخاصة بعد التقارير التي أصدرتها وكالة الطاقة الدولية بأن الولايات المتحدة ستتفوق على السعودية وروسيا لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم في عام 2015 وتقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتقليل اعتمادها على إمدادات أوبك، وأن الصين تتجه لتتحول- في نفس الفترة- إلى أول مستورد للنفط في العالم بداية من العام 2015.
وهكذا، تجد الولايات المتحدة أن عليها أن تغيّر سياستها في الشرق الأوسط، فجزء أساسي من استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق كانت بدافع تأمين ممرات النفط والسيطرة على منابعه وأمن اسرائيل. وبما أن الأميركيين سيحققون اكتفاءً ذاتيًا في مجالات النفط والطاقة، فإن علاقاتهم التاريخية مع الدول النفطية الخليجية ستتراجع لحساب علاقات استراتيجية مع ايران وتركيا واسرائيل، التي ستحاول الولايات المتحدة أن لا يكون انسحابها من المنطقة قد تمّ إلا بعد أن تحقق لاسرائيل ضمانات لأمنها واستقرارها. علمًا أن التقاطع الروسي الأميركي في المواقف تجاه اسرائيل يكاد يتطابق.
وهكذا، قد يكون التفاهم الروسي الأميركي في المنطقة مستندًا الى ثلاثية نفوذ اقليمية” ايران- تركيا- اسرائيل”، بتحييد الدول العربية التقليدية النفوذ – حليفة الولايات المتحدة. من هنا، بات على الدول العربية المحورية في المنطقة، القلقة من توسع النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط برمتها مقابل انحسار الحليف الأميركي، السعي لاعتماد سياسات ذات بعد نظر استراتيجي، تهدف الى أن يتمّ استبدال تركيا كدولة سنيّة مركزية، بدولة سنيّة عربية، والمؤهل لهذا الدور في هذه الفترة بالذات هما دولتان: مصر أو السعودية.
إن قيام مصر، أو السعودية، بفرض نفسها دولة محورية كبديل عن تركيا، يفترض بهما فهم التشعبات الاقليمية والدولية المستجدة جيدًا، والقبول بالدور الاقليمي الايراني الذي يبدو أن هناك إجماعًا دوليًا على التسليم بدورها الاقليمي، والقبول بايران نووية، ضامنة للاستقرار في الشرق الاوسط.
لكن، تبدو تركيا اليوم، أضعف من ذي قبل بسقوط الحلم الامبراطوري الاخواني، ويعاني حزب العدالة والتنمية من تصدع جبهته الداخلية بتصارع أجنحة قد تقلب المشهد التركي في الانتخابات المقبلة، والمنطقة قد تكون مقبلة على ربيع كردي، سيكون تأثيره على تركيا أكبر مما كان تأثيره على العراق وسوريا.
في المقابل، إن الأزمة الاقتصادية الكبرى التي تعيشها مصر، والأزمات السياسية والاجتماعية تجعلها غير قادرة في المدى المنظور على لعب هذا الدور المحوري في المنطقة كدولة عربية سنيّة بديلة لتركيا في ثلاثية “ايران- اسرائيل- تركيا”. أما المملكة العربية السعودية، فإن انغلاقها، وحكمها التقليدي المحافظ واستمرارها بلعب دور “يبدو” تخريبيًا للتفاهمات التي تعقد في المنطقة، مقابل انفتاح تركي وحركة دبلوماسية تركية نشطة تعيد التواصل مع اسرائيل وايران والقبول بالحلول السياسية، يجعل التركي طرفًا أكثر مقبولية، ويزيد من إمكانية حصول ربيع خليجي يطيح بالنفوذ السعودي المهيمن في منطقة الخليج.
وهكذا إذًا، تبدو المنطقة على أبواب تحوّل استراتيجي تاريخي، سيعيد رسم مشهد المنطقة بأكملها، الأرجح أن يكون مشابهًا للفترة التي أعقبت انحسار نفوذ الاوروبيين في المنطقة لصالح الأميركيين في منتصف القرن العشرين خلال الحرب الباردة، أو للفترة التي أعقبت الحرب العالمية الاولى، حينما تقاسم البريطانيين والفرنسيين السيطرة على الشرق الأوسط، مقسمّين الدول بحسب مناطق النفوذ بينهما. وفي خضّم هذه التحولات الكبرى، تبدو الدول العربية قاصرة عن مواكبة هذا التحوّل، لعجز أو لقصر نظر، مما سيجعل مراكز النفوذ المتحكمة بالمنطقة العربية، غير عربية.