جنونٌ وشرٌ ومعلومات خطرة: ننشر في ما يلي مقالة وردت في موقع (Information Clearing House) أو «مركز إيضاح المعلومات» ا
لذي نتج من إحباط مؤسّسه وغضبه من وسائل الإعلام الأميركية المضلّلة للرأي العام، والتي لا هدف لها سوى تجذيب صورة الولايات المتحدة وإخفاء شرّ سياستها الخارجية. تتناول المقالة الآتية موضوع التدخل السافر للولايات المتحدة وحلفائها في شؤون سورية الداخلية، وشيطان الأمم المتحدة الأخرس إزاء ذلك.
«إنّ الجريمة الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية هي السّياسة الخارجية الأميركية». – النائب العام الأميركي السابق رامسي كلارك.
في الرابع من أيّار عام 2012، عقد الأمين العام للأمم المتّحدة، بان كي مون، اجتماعًا لمجلس الأمن «من أجل تسليط الضوء على الطبيعة المتغيّرة لكارثة الإرهاب». كان ذلك عقب اجتماعٍ على مستوى وزاري تناول موضوع «تهديدات الإرهاب للسلام والأمن الدوليّيْن».
شدّد بان كي مون، في خطابه الافتتاحي، على الدّور المهم الذي تلعبه الوحدة في معالجة المشكلة: «فبالعمل معًا – لفرض القانون وصولاً إلى معالجة دوافع التطرف الأساسية – نستطيع وبشكل كبير إضعاف هذا التهديد الرئيس للسلام والأمن».
من المرجّح أن الأمين العام لم يشجّع دولاً ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن، أو أخرى أعضاء في الأمم المتحدة، لتمويل الإرهاب، أو «التطرّف»، إذ تابع: «يجدّد مجلس الأمن إدانته الشديدة للإرهاب في أشكاله ومظاهره كلّها، أيًا كان مرتكبه وفي أي مكان أو لأي سبب ارتُكب، ونؤكد أنّ الأعمال الإرهابية جرائم غير مبرّرة، مهما كانت دوافعها».
وفي الملف النهائي، المؤلف من ثلاث عشرة صفحة، إعلانٌ كذلك عن «اعتراف مجلس الأمن بالحاجة المستمرّة لاتخاذ تدابير من شأنها منع تمويل الإرهاب والمنظمات الإرهابية، وتكرارٌ لواجبات الدّول الأعضاء في هذا الصّدد».
أمّا النقاط البارزة الواردة في الملف فكانت:
«... على الدّول الأعضاء في مجلس الأمن الامتناع، في علاقاتها الدولية، عن التهديد باللجوء إلى القوة في وجه سيادة أي دولة أو استقلالها».
علاوة على ذلك: «يكرّر مجلس الأمن التشديد على ضرورة التزام الدول الأعضاء في الامتناع عن تقديم أي دعم، أكان صريحًا أم ضمنيًا، لأي كيان أو شخص شارك في أعمالٍ إرهابية أو كان مرتبطًا بها، بما في ذلك كبح تجنيد الأعضاء في المجموعات الإرهابية».
وقالت سوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إنّ «التهديد الإرهابي ما زال حاضرًا، مع أنّ أسامة بن لادن قد قُتل». (يبدو أنّ ذلك العمل الإرهابي الفادح الذي موّلته الحكومة الأميركية فاتها...) وتابعت: «تدين الولايات المتحدة الأعمال الإرهابية كلّها، وستسعى بكلّ ما أوتيت من قوة، بما في ذلك قوة قيمها، لمحاربة الإرهاب» – ذلك في وقتٍ يموت فيه أطفالٌ يجمعون الحطب، ومزارعون وعائلات ورعاة في ريعان الشباب، وأُناس في المآتم أو في حفلات الأعراس بالآلاف، بقصف الطائرات الأميركية من دون طيار وذلك بأوامر مباشرة من الرئيس الأميركي. موتٌ كما في الألعاب الإلكترونية يسبّبه «مشغّلون» على بعد آلاف الأميال. تلك هي الـ»قيم» التي تحدّثنا عنها رايس، وأيّ إرهاب...
من ناحيته، قال رضا بشير طرار، سفير باكستان الدائم لدى الأمم المتحدة، «ألّا دولة كابدت بسبب الإرهاب بقدر باكستان». تصريحٌ مكبوحٌ يدعو للسخرية، إذ إنّ حليف الولايات المتحدة هذا يتعرّض لهجومات شبه يوميّة من الأميركيين.
أمّا السير مارك ليال غرانت، سفير المملكة المتّحدة الفاسدة في الأمم المتحدة، فوعد بدعمٍ تقدّمه بلاده في الحرب ضد الإرهاب، كما شكر جهود المملكة العربيّة السعودية – التي، كالولايات المتحدة وبريطانيا، تدعم الإرهابيّين بشكل كبير في دولة سورية السّيدة.
كان بان كي مون قلقًا كذلك من أعمال العنف المتزايدة في منطقة الساحل الأفريقي، «التي تعود جزئيًا إلى تداعيات التطورات الليبية».يبدو أنّ الأمين العام نسي أن الدمار والمجازر، والإعدام من دون محاكمة لرئيس ذي سيادة في ليبيا، كلها حصلت بضوء أخضر من الأمم المتحدة (التي تعهدت بأن «تحفظ الأجيال القادمة من كوارث الحرب») وتحت إدارته.
قراءة الملف كاملًا كدخول عالمٍ يقطنه أناسٌ اختفت الحقيقة بالنسبة إليهم منذ زمنٍ بعيد، فأين كلامهم عن محاربة الإرهاب، وحماية سيادة الدّول، من الواقع؟
في الثالث من شهر آب، أكّدت صحيفة «تايمز أوف إنديا» وغيرها «السّر المعلن»: «لقد وقّع الرئيس باراك أوباما أمرًا سريًا يسمح بمساعدات أميركية للمتمرّدين السّوريّين السّاعين للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد... يسمح أمر أوباما، الموافق عليه سابقًا هذا العام والذي يعدّ بمثابة اكتشاف استخباراتي، لوكالة الاستخبارات الأميركية المركزية ووكالات أخرى بتأمين دعمٍ قد يساعد المتمرّدين السوريين في إسقاط النظام في سورية».
وفي اليوم عينه، أعلن وليام هيغ، وزير خارجية المملكة المتحدة، بالعبارات نفسها تقريبًا، عن زيادة دعم بلاده لما سمّاها «قوات المعارضة السّورية»، بما في ذلك المبالغ اللازمة لتدريب «صحافيّين مدنيّين» مهمّتهم فضح الأعمال الوحشية (الحكومية، طبعًا) في سورية. أمّا ترجمة الكلام الأخير فهي الآتية: تعلّموا أكاذيب مقنعة ولوازم البروباغندا، وتشغيل الفوتوشوب، وأضيفوا بعض المواقع التصويرية لتزييف الـ»تظاهرات»، والـ»الفظائع» – أتذكرون تلك التي رأيناها في ليبيا وكانت قد صُوّرت في الهند، على سبيل المثال لا الحصر؟
ونقلت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية عن ريتشارد كيمب، القائد السابق للقوات المسلحة البريطانية سيئ الذكر، والعضو السابق في لجنة الاستخبارات المشتركة، قوله إنّ «حكومة المملكة المتحدة لا تستطيع تقديم الدعم العملي للمتمرّدين من دون وجود فعلي في سورية، وأي مسؤول في وزارة الخارجية قد يسعى إلى الاتصال بقادة المجموعات المعارضة سيحتاج إلى حماية قريبة من قبل القوات الخاصة».
وفي الخامس من الشهر الحالي، نصح السيناتور جون ماكاين (ولاية أريزونا) وليندساي أو غراهام (كارولاينا الجنوبية) وجوزيف ليبرمان (كونيتيكت) الحكومة الأميركية بتقديم المساعدة المباشرة والعلنية للمتمردين في سورية، من ناحية الأسلحة كما الاستخبارات والتدريب.
أما في السابع من آب، فتكلّمت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية صاحبة مقولة «لقد قدما ورأينا بأم أعيننا أنّه (القذافي) مات»، عن ضرورة التخطيط لـ»سورية ما بعد الأسد»، وذلك فيما كانت تجول مسرعةً حول العالم من دون هدف محدد، كدجاجة مقطوعة الرأس، وتهدد وتلقي المحاضرات، وتجعجع عبثًا.
أمّا أمس الأحد فأعلن وليام هيغ أنّ بلاده ستخصّص خمسة ملايين جنيه «إضافية» للإرهابيّين في سورية، ما يطرح السؤال الآتي: أيّ مبالغ خصّصتها الحكومة البريطانية للإرهابيّين قبل ذلك؟
وفي السياق نفسه، برز «سرٌ معلن» آخر: تدرّب تركيا الإرهابيّين للذهاب إلى سورية. تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي –بلا شك – والتي تسعى ليل نهار للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي المحتضر كما عملته، تبدو مستعدة للقيام بأي شيءٍ بهدف التّملّق – وهي بذلك تنتحر سياسيًا – وإحداث جلبة فارغة كي تدخل المحرقة الاقتصادية وتشتعل.
لا تنطلي الحيلة على السياسي الروسي المحنّك يفكيني بريماكوف الذي قال بدون تردّدٍ: «إنّ مرتزقة ومتطوّعين من دول أجنبية يحاربون الرئيس الأسد بالتّعاون مع قوات داخلية عنيفة». معظم أعداء سورية لم يلجؤوا إلى العنف، غير أنّ لواشنطن أفكارًا أخرى... يتابع بريماكوف: «لقد أصدر الرئيس باراك أوباما أمرًا مباشرًا لوكالة الاستخبارات المركزية لدعم المعارضة السورية، ويشكل ذلك تدخلًا فاضحًا في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة لا تشكّل خطرًا على الولايات المتحدة. تموّل السعودية وقطر المقاتلين المتشددين وتعطيهم تركيا الغطاء المطلوب». وتقوم دول مجاورة أخرى بالدور نفسه.
يؤكد هذا الأمر المصوّر جون كانتيل وزميله الصحافي الهولندي جيرون أورليمانز الذين اختطفها «الثوّار» في التاسع عشر من تمّوز لكنّهما تمكّنا من الفرار بعد أسبوع.
أفاد كانتيل لقناة الـ»بي بي سي» أن ثلاثين متطرفًا أجنبيًا، بعضٌ منهم بريطاني وآخر باكستاني، اعتقلوه في معسكرٍ لهم، وأكّد أن بعض سجّانيه كان «شبّان يتكلّمون بلهجة سكّان جنوب لندن». وجزم كانتيل أنّ بعض المتمردين لم يتكلّم العربيّة حتى، وحوالى اثني عشر منهم كانوا يتكلّمون الإنكليزية، من بينهم تسعة لديهم لهجة سكان لندن. وأضاف المصوّر: «لم أر أيّ سوريّ. لم أتوقّع ذلك البتّة. كان اثنان منهم إنكليزيين لا يتكلّمان العربية». وأكّد أورليمانز هذه المعلومات قائلًا إنّه التقى كذلك بمقاتلين من باكستان وبنغلادش والشيشان وجنسيات أخرى.
يبدو أنّ بريطانيا لا تموّل الإرهابيين فحسب، بل إنّها تصدّرهم. لقد اعترفت وزارة الخارجية البريطانية بعملية الاختتطاف غير أنّها نفت وجود بريطانيّين بين الخاطفين. ومن يتوقّع منها قول الحقيقة أساسًا؟
«يدرك مجلس الأمن الحاجة الملحّة لمزيد من الجهود على الصّعد المحلّية والإقليمية والدولية من أجل منع التّسرّب غير المشروع للمعدّات، مهما كانت، التي قد تشجع التحركات الإرهابية». هذا ما ورد في ملفّ مجلس الأمن، الذي يشكّل ثلاث عشرة صفحة من الهراء المطلق، إذ إنّ دولًا أعضاء في مجلس الأمن تموّل الإرهاب ضد دولة وحكومة سيّدتين.
ذكّرنا بشار الجعفري، سفير سورية في الأمم المتحدة، بينما كانت الدّول المعتادة تشجب وتستنكر الاعتداءات على حقوق الإنسان في سورية، بردّ فعل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على أعمال الشغب التي حصلت في المملكة المتّحدة قبل عام: «قال ]كاميرون[‘عندما يتعلّق الأمر بالأمن القومي، لا يحدثني أحدٌ عن حقوق الإنسان. فنحن لا نكترث سوى لحقوق إنسان شعبنا’». وأضاف الجعفري أنّ أطرافًا ثالثة تتدخل في أزمة سورية الدّاخلية، فوصف مارك ليال غرانت تعليقه بـ»الأمر الغريب كليًا». (صحيفة «ديلي تلغراف» في 20 حزيران 2012). بعدٌ إضافي عن الواقع!
وفي المقالة نفسها، عرض حمو الرئيس بشار الأسد، جراح القلب البارز فواز الأخرس المقيم في لندن، لوجهة نظر مماثلة، إذ قال: «يوم اندلعت أعمال الشغب في لندن، قال السيّد كاميرون إنّه سينشر الجيش في المدينة، فهل حتى يُقارن شغب لندن بما يجري في حمص؟ ماذا ينبغي علينا أن نفعل؟ هل نشاهدهم يقتلون النّاس؟ نتحمّل مسؤولية حماية شعبنا». بالطّبع اعتاد البروفيسور أخرس مصادفة النّاس فاقدي الأهليّة في مهنته...
أكتب مقالتي هذه في مكان نُصبت فيه صواريخ جو-أرض على أسطح المباني السّكنيّة، وتوجّهت السّفن الحربية المزوّدة بمجموعة واسعة من الأسلحة إلى مقربة من الملاعب كلّها، ونُشر عشرون ألف عنصرٍ من الجيش والشرطة المسلّحة في الشوارع. ليس ذلك بسبب الحرب، بل الألعاب الأولمبية. بإمكان أيّ من الأسلحة المنشورة في أكثر مناطق بريطانيا كثافة بالسكان، إذا استُخدم، محو عشرات الآلاف منّا.
إنّنا مقيمون، لا متمرّدون، ولسنا في حربٍ مستعرة، لكنّنا قد نصبح في أي لحظة في كبش فداء الألعاب الأولمبية، أضرارًا تبعيّة. ومحور الولايات المتحدة – المملكة المتحدة (وغيره) يموّل الإرهابيّين ويتّهم الحكومة السّوريّة.
فلننهِ مقالتنا حيث بدأناها: جنونٌ وشرٌ ومعلومات خطرة. وللمناسبة، عام 1980 قاطعت الولايات المتحدة الألعاب الأولمبية في موسكو – لأنّ الاتحاد السّوفياتي آنذاك اجتاح أفغانستان واحتلّه. فكّروا في الأمر...
ترجمة: جاد الحاج