أسرار المعارك وحقيقة أعداد المسلحين.. ماذا في جعبة الجيش العربي السوري من قدرات؟
16/08/2012
شوكوماكو | خاص
مع استمرار العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش العربي السوري في مناطق عدة من البلاد بهدف تطهيرها من العصابات الإرهابية والمرتزقة، وتمكنه من قتل أعداد كبيرة منهم، بقيت تساؤلات عدة لدى المواطنين السوريين حول طبيعة المعارك التي تخوضها وحدات الجيش وحقيقة أعداد المسلحين في سوريا، حيث لايزال هناك الكثير منهم، فيما تترك أصوات القذائف أو الانفجارات هنا وهناك تساؤلات ربما أكثر حدة من أعداد القتلى بين هؤلاء المسلحين.
وسط دوامة الأسئلة التي لايمكن أن تجيب عنها صفحات التداول الاجتماعي والتحليلات الشخصية، كما لا تجيب عنها تقارير مراسلي وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية، مهما تطورت وسائل تقديمها السمعية أو البصرية، تبقى الحقيقة في جعبة الخبراء والقادة العسكريين السوريين الذين يخوضون المعارك ويضعون استراتيجياتها لحماية سوريا والسوريين من التهديدات التي شاركت أجهزة استخبارات وكذلك خبراء عسكريون من عدة دول غربية وعربية في وضع خططها.
وحول هذا الموضوع، أكد خبير عسكري، فضل عدم الكشف عن هويته، لـ"شوكوماكو" أن المعارك التي يخوضها الجيش العربي السوري وكذلك أجهزة الأمن السورية على جبهات عدة هي معارك ذات طبيعة خاصة جدا، وتتداخل فيها معطيات كثيرة بالتوازي مع المعطى الميداني المباشر المتمثل بالمسلحين وخلفياتهم وحقيقة دوافعهم لزعزعة استقرار البلاد.
ولفت الخبير العسكري إلى ضرورة تنبه السوريين إلى حقيقة أساسية عند قراءة أو سماع أخبار وتقارير الميدان وهي أن الحرب التي يخوضها الجيش العربي السوري هي حرب ضد مجموعات مسلحة متوزعة على رقعات جغرافية كثيرة، ويطلق على هكذا حرب في المفهوم العسكري "حرب العصابات"، وهي حرب تختلف في طبيعتها عن ما يعرف بـ"الحرب النظامية" التي يخضوها جيشان متقابلان في جبهة قتال محددة وواضحة الطبيعة الجغرافية.
واضاف الخبير العسكري، أن الجيش العربي السوري من ناحية البنية والتدريب هو جيش نظامي محضر ومجهز باسلحة ثقيلة ونوعية لخوض حرب نظامية مباشرة مع جيش آخر، وليس لخوض "حرب عصابات"، وتحديداً من ناحية السلاح والتكتيك، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لأي جيش نظامي في أي بلد في العالم.
وشدد على أن "حرب العصابات" تحتاج لأسلحة تتناسب مع هذه النوعية من المعارك، وليس من السهل بالنسبة لأي جيش في العالم أن يتحول فجأة من جيش نظامي إلى جيش يحارب العصابات بتكتيكات تتناسب معها، مؤكدا أن مثل هذا التغيير ربما يحتاج إلى سنوات.
وأشار الخبير الى أن استخدام المسلحين للخنادق والأنفاق والتجهيزات الهندسية والتي اكتشفت من قبل الجيش في أكثر من موقع تحصن به الإرهابيون، قلل من فاعلية التعامل معها بالأسلحة الخفيفة، ودفع الجيش للاضطرار أحياناً لضرب تلك المواقع عن بعد لتدميرها، قبل دخول وحدات المشاة اليها، وهو ما يفسر سماع السوريين لأصوات القذائف والتفجيرات في بعض المناطق، والتي قد توحي بأنها عمليات قصف عشوائية لمن ليس لديه الخبرة والمعلومات الكافية في هذا المجال، مع العلم أن أي استهداف لتلك المواقع عن بعد يتم بدقة عالية، وبمعرفة مسبقة لطبيعة المنطقة المستهدفة، مع الاخذ بعين الاعتبار أن المسلحين في معظم تلك المناطق يستخدمون قذائف الهاون والصواريخ المضادة للدروع والتي تطلق من مسافات بعيدة ولا يمكن تصنيفها ضمن الأسلحة الخفيفة، وهم لا يتوانون عن استخدامها داخل المناطق المأهولة والمدن وعلى سبيل المثال مقتل الصحفي الفرنسي جيل جاكييه وعدد من المواطنين الأبرياء بعد استهداف المسلحين لأحد الأحياء المدنية في حمص بقذيفة هاون، فضلاً عن وقوع عدد كبير من المجازر المشابهة وتدمير الممتلكات العامة والخاصة نتيجة وصول هذه الأنواع من الأسلحة في بعض الأحيان إلى إرهابيين لا يملكون أدنى دراية بكيفية استخدامها ما يزيد من خطورة هذه الأسلحة وبالتالي ضرورة التعامل معها بشكل حاسم.
ولفت الخبير إلى أنه في الدول الكبيرة يكون هناك جهاز مسؤول ومدرب لمكافحة الإرهاب وهو الذي يخوض "حرب العصابات" عندما يلزم الأمر، وهو جهاز غير موجود في سوريا حاليا، وإنما يجري العمل عليه وتحضيره وتجهيزه لهذا الهدف.
وعلى الرغم من ذلك، نوه الخبير بأن الجيش العربي السوري تمكن خلال فترة قصيرة جدا من تحقيق درجة كبيرة من التكيف مع طبيعة المعركة التي فرضت عليه، بدليل الإنجازات الميدانية الكبيرة ضد العصابات التي حققها في زمن قياسي وفق كل المعايير العسكرية العالمية، ولم يستخدم فيها كل أنواع الأسلحة التي يمتلكها، مع منح وحداته العسكرية مرونة ميدانية أكبر في الحركة والتنقل، مستفيدا في ذلك من روحية المقاتل السوري العالية، وإعداده البدني العالي، ونوعية من السلاح والقذائف التي يمكنها إصابة الهدف بدقة متناهية محدثة الأثر المطلوب ضد العدو وبأقل ضرر محتمل في المحيط القريب منه.
وبخصوص آليات عمل أجهزة الأمن السورية، أوضح الخبير العسكري أن أجهزة الأمن في سوريا عبر السنوات الماضية هي أجهزة متخصصة في جمع المعلومات بالدرجة الأولى وليست متخصصة بحرب العصابات أيضا، ورغم وجود ما يمكن تسميته بـ"أذرع مسلحة" أو "وحدات مسلحة" لهذه الأجهزة إلا أنها هي الأخرى غير متخصصة في حرب الإرهاب، وغير مدربة على "حرب العصابات"، وهي مسلحة بأسلحة خفيفة بهدف الحماية أو المداهمة في بعض الأحيان.
ونبه الخبير العسكري إلى ضرورة الوقوف عند آليات عمل الأجهزة الأمنية خلال المعارك مع العصابات المسلحة التي تشهدها بعض المدن السورية، حيث تمكنت هذه الأجهزة أيضا وبعد نوع من الارتباك الذي أصابها في البداية من استعادة المرونة والحركة وإدخال آليات عمل منحتها قدرة أكبر على التكيف مع معركة ضد عدو تتولى إدارتها أجهزة استخبارات متطورة من دول عدة أخطرها الاستخبارات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية.
هذا ليس كل شيء، فإن المعطى الأخطر في حرب العصابات، بحسب الخبير العسكري، هي في أن العصابات المسلحة لا تأبه للمدنيين وليس لديها أي رادع في قتل أي منهم لتحقيق غاياتها لزعزعة أمن أي بلد تزرع فيه. وفي سوريا، يضيف، قامت هذه العصابات بكثير من المجازر، في حين أن الجيش العربي السوري وأجهزة الأمن السورية تضع في أولى حساباتها حماية المدنيين السوريين، وهذه النقطة، ميدانيا، تمنح العصابات المسلحة "مرونة" أكبر بالمفهوم العسكري من وحدات الجيش وقدرة أكبر على "المجازفة". حيث تقوم العصابات المسلحة بالتنقل ودخول الأحياء السكنية دون اهتمام لحجم الخطر الذي تسببه للمدنيين بل تستخدمهم كدروع بشرية في بعض الحالات، في حين أن الجندي السوري يواجه العنصر الإرهابي وإحدى عينيه على سلاح هذا الإرهابي فيما العين الأخرى تركز على حماية المدني الذي ربما يتواجد بالقرب من منطقة الاشتباك.
وحول أعداد المسلحين في سوريا، أكد الخبير العسكري أن هذه الأعداد كبيرة، لافتا في هذا السياق إلى أن عدد الفارين من العدالة في سوريا في الأساس كبير، أضف إليهم الأعداد الأخرى من المرتزقة والجهاديين الذين تسللوا إلى سوريا خلال الفترة التي سبقت الأحداث وفق خطة ممنجهة وضعتها أجهزة الاستخبارات التي تعمل ضد سوريا، واتخذوا مواقعهم كخلايا نائمة في البداية بانتظار إشارة البدء من قبل مموليهم ومشغليهم.
وخلص الخبير العسكري إلى التأكيد على أن "سوريا بأمان" لما تمتلكه من قوة عسكرية نوعية وعنصر بشري عقائدي داخل مؤسساتها العسكرية والأمنية، سيمكنها من تجاوز هذه الأزمة مهما بلغت التضحيات، كاشفا في الوقت ذاته عن أن القيادات العسكرية والأمنية قد وضعت في خططها واستراتيجياتها مفاهيم وتكتيكات وتدريبات حرب العصابات ومكافحة الإرهاب.