بندر بن سلطان عراب ’تل أبيب’ في العراق

بندر بن سلطان عراب ’تل أبيب’ في العراق

بغداد ـ عادل الجبوري
مرت اكثر من عشرة اعوام على الاطاحة بنظام صدام في العراق، وخلال هذه المرحلة الزمنية، شهدت البلاد تحولات ومتغيرات كبيرة، وواجهت تحديات خطيرة، بعضها داخلي وبعضها الاخر خارجي، وطوت وأغلقت ملفات من الماضي، مع دول عديدة، قريبة وبعيدة.
ولأن العراق أظهرا قدرا كبيرا من حسن النوايا والتوجهات الصائبة وتبنى سياسات عقلانية، لذا فإنه وجد تجاوبا وتفاعلا غير قليل من محيطه العربي والاقليمي، ومن المجتمع الدولي، وان كان ذلك التجاوب والتفاعل متفاوتا من طرف الى اخر.
الطرف الوحيد الذي ظل منغلقا على العراق، ولم يبدِ ادنى قدر من الاستعداد للتعاطي بحكمة وعقلانية مع جار تربطه معه الكثير من القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة، هو المملكة العربية السعودية.
ليس هذا فحسب، بل ان السعودية لم تكتف بالانغلاق على العراق واعطاء ظهرها اليه، بل انها تحولت الى احد اهم وابرز واخطر القواعد والمحطات والمنطلقات للارهاب بشتى اشكاله وصوره ضد العراق، ليتدفق منها الارهابيون، والاسلحة والاموال، ناهيك عن الفتاوى التكفيرية لرجال الدين فيها، والحملات الاعلامية المتواصلة لوسائل اعلامية رسمية وغير رسمية.
كلما أكتب عن واقع العلاقات العراقية ـ السعودية أستحضر في ذهني ما نقله سياسي عراقي بارز عن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل حينما التقاه في الرياض عام 2008، وهو قوله “ان السعودية لا يمكن ان تقيم علاقات طبيعية مع العراق ما دام نظام الحكم الحالي قائما ـ ويعني به نظام الحكم ذا الهوية الشيعية”، ويذكر السياسي العراقي انه رد على الوزير السعودي بالقول “ان لديكم مصالح مع العراق، وينبغي ان تتعاملوا بواقعية ومرونة”، فرد عليه سعود الفيصل قائلا “انه قرار جلالة الملك وهو غير قابل للنقاش”!.
متى ما تصاعدت وتائر العمليات الارهابية في العراق، وازداد نزيف الدماء الطاهرة، وارتفعت ارقام الضحايا، فلا بد من البحث عن الاصابع السعودية، فمنذ صيف العام الماضي وحتى الان، اتخذ الارهاب طابعا اكثر دموية وشراسة وهمجية، واقترن ذلك بتولي بندر بن سلطان بن عبد العزيز عراب واشنطن وتل ابيب، رئاسة جهاز المخابرات السعودي.
العلاقة بين السعودية والعراق
اقصي عمه مقرن بن عبد العزيز لانه فشل في تحقيق المطلوب في العراق رغم الجهود الكبيرة والاموال الطائلة، واوكلت المهمة لبندر على امل ان ينجح فيما فشل فيه عمه.
لم تعد بعد عشرة اعوام صورة المواقف السعودية غامضة على احد من العراقيين، مثلما هي غير غامضة على شعوب اخرى في المنطقة.
يتحدث عضو مجلس النواب العراقي عن كتلة المواطن التابعة للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد فرات الشرع لـ ” العهد” عن طبيعة التوجه السعودي حيال العراق ويقول “ان العراق بعث الكثير من الرسائل الطيبة لمختلف دول الجوار ودول المحيط الاقليمي، ومن بينها المملكة العربية السعودية، مفادها انه عليهم ان يفهموا ويدركوا العراق موقفا وموقعا، ويبادلوه الرسائل الطيبة ايضا، وذلك من اجل تنشيط وتفعيل القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة وترسيخ علاقات حسن الجوار، وبما يساهم في تعزيز الاستقرار السياسي والامني والازدهار الاقتصادي في المنطقة لينعكس على جميع شعوبها، لكن لم يجد العراق من الاشقاء في السعودية الا الصدود وتبني مواقف الخصومة والعداء”. “وفي الوقت الذي كان العراق يأمل ـ والكلام للشرع ـ بمعالجة وحل ازمات الماضي، فإن السعودية راحت من خلال سياساتها توجد ازمات ومشاكل اخرى بلا مبرر، من خلال دعمها ومساندتها للارهاب في العراق، ومحاولاتها المستمرة لاثارة الفتنة الطائفية بين مكونات المجتمع العراقي”.
واذا كانت هناك عدة عوامل تقف وراء استمرار واستفحال الارهاب على الارض العراقية، من بينها كما يشير الى ذلك في حديثه لـ “العهد” القيادي في حزب العمل الوطني الدكتور شاكر كتاب، “غياب استراتيجية وطنية شاملة لبناء دولة قوية عادلة، باعتبار ان الإستراتيجيات الثانوية كالأمنية والإقتصادية والثقافية تتفرع عن الإستراتيجية الأم التي يجب أن تكون في صلب تصورات رجالات الدولة” .. فإن الدكتور كتاب يؤكد “ان لبعض دول الجوار أدوارا مختلفة في تأجيج الصراعات الداخلية وتغذية أطراف الصراع الطائفي بشتى سبل الدعم المادي والمعنوي”.
ويعبر القيادي في حزب العمل الوطني عن قناعته بأن “عرقلة قيام علاقات طبيعية مع السعودية لا تبتعد عن هذه الحقيقة.. فالطائفية تؤدي دورها الخبيث في زرع بذور الفتنة والخلاف بين مكونات شعبنا داخليا وبين كل العراق ودول الجوار خاصة منها الشقيقة المملكة العربية السعودية”.
بندر بن سلطان عراب ’تل أبيب’ في العراق
اما الخبير الامني العميد كاظم ابراهيم الجابري فيرى في حديثه لـ “العهد”، “ان للسعودية مخططات لا تخرج عن سياق المخططات الاميركية والاسرائيلية في المنطقة، والتي تهدف بالدرجة الاساس الى محاصرة الجمهورية الاسلامية الايرانية وكل قوى الممانعة والمواجهة في المنطقة”، وهي كما يؤكد الجابري “تعمل جاهدة على تغيير المعادلات في المنطقة من خلال انهاء الوجود الشيعي او أي وجود اخر يتقاطع معها، ولذلك وجدناها تلقي بكل ثقلها من اجل افشال التجربة السياسية الديمقراطية في العراق، مستغلة اخطاءً وسلبيات في الممارسات والاداءات لدى الجهاز الحكومي، وتقاطعات واختلافات غير قليلة بين مختلف القوى السياسية”. ويقول الخبير الامني كاظم الجابري في معرض حديثه للعهد “لقد عملت السعودية على دعم بعض الكيانات السنية في العراق للوقوف بوجه المد الشيعي ومحاولة تغيير المعادلة السياسية، وبالتالي اعادة الحكم الى الاقلية السنية المؤيدة لها والتي تنفذ اجنداتها في العراق”.
ويضيف الجابري قائلا “انه في ظل المعطيات القائمة لا تلوح اية بوادر او ملامح لتحسن العلاقات العراقية-السعودية، لان الرياض لم تتعاطَ مع الرسائل الطيبة من العراق بإيجابية، وظلت تقابلها وترد عليها بالمزيد من الاجندات والمخططات التخريبية والتدميرية”.
الخبير والمستشار الاعلامي في مؤسسة الفرات للاعلام والانتاج التلفزيوني حافظ آل بشارة يقول في معرض حديثه لـ ” العهد” ان اصلاح واقع العلاقات العراقية-السعودية يتطلب من الرياض اتخاذ جملة خطوات لاجل ذلك، تتمثل في:
*الكف عن دعم الارهاب والطائفية في العراق، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
*الاعتراف بوجود مصالح مشتركة بين دول المنطقة يجب احترامها والسعي لتحقيقها.
*التخلي عن طموحات قيادة العالم العربي، خاصة بعد ان اختفى عنصر القومية وآثاره السياسية في ثقافة شعوب وحكومات المنطقة.
*ان تكون السعودية صاحبة قرار مستقل عن اسرائيل واميركا ولا تكون دولة تابعة ومنفذة لسياسات القوى الاجنبية، وبذلك تصبح صاحبة مصلحة وطنية في بناء علاقاتها الاقليمية.
*ان تتخلى عن التيار الوهابي المتشدد وتكبح جماح المؤسسة الدينية المنحرفة التي ترعاها الماسونية ولا تسمح لها بإصدار فتاوى الابادة ضد الشعب العراقي.
*ان تسعى السعودية الى تحديث نظامها السياسي من ملكي مستبد الى ملكي دستوري انتخابي لتحقق تجانسا سياسيا مع العراق يسهل من خلاله اقامة علاقات ثنائية مثمرة.
ويؤكد آل بشارة، انه “وبعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران والحرب بين العراق وايران ثم سقوط صدام، نجحت السعودية في اثارة مخاوف سنة العراق وإشعارهم بضرورة الحماية السعودية امام مد شيعي مفترض، وفي السنوات العشر الاخيرة حدث فرز خنادق واضح فأصبحت السعودية ضمن خارطة الانظمة العربية السائرة في فلك اسرائيل وراحت تصدر الارهاب في كل مكان عبر دعم وتمويل جماعات ارهابية معينة تتماهى مع توجهاتها ومشاريعها، في العراق ولبنان والبحرين وسوريا، وغيرها”.
ولا شك ان هذه الرؤى لا تعكس سوى بعد واحد او بعدين من ابعاد مختلفة للسياسات السعودية حيال العراق الحافلة بأرقام وحقائق مؤلمة ومفزعة ومرعبة.
العهد

» من يكون عراب الاستدارة التركية نحو سورية؟ ...سومر سلطان
» الائتلاف يسأل عن بندر بن سلطان.. وفورد يجيب: بندر انتهى
» لبنان بعد بندر بن سلطان
» بندر في تل أبيب لإصلاح «الخلل الفادح» الأمريكي مقالات متعلقة
» لماذا زار بندر بن سلطان روسيا؟