لن تنفع زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى اسطنبول التركية، وتصريحاتها العنترية برفع معنويات مرتزقتها في سورية بعد اندحارهم المتتالي من بعض أحياء حلب. فالهدف الاستراتيجي الاميركي باسقاط الدولة السورية سقط،
وستسقط معه حكومة أردوغان خصوصاً وان الدول العربية التي وقفت ضد دمشق تبحث عن خطوط خلفية للانسحاب والتراجع بعدما تبين لها، ان محور المقاومة
ذاهب الى إعلان الانتصار على الولايات المتحدة.
وتتفهم العاصمة السورية ان محور العدو يريد اكتساب ورقة ضاغطة على محور المقاومة بعد الخروج من الازمة السورية، ولذلك جاءت زيارة كلينتون ردا على مؤتمر طهران التشاوري من جهة، وللتأثير على الدولة السورية بهدف تصفية حسابات.
ورغم أن هذا الحراك للدبلوماسية الأميركية يأتي بعنوان سوري إلا انها تدرك أن خارطة سياسية صاعدة في تركيا بدأت تلوح في الأفق مع توسع رقعة الاشتباكات بين القوات التركية ومقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي أعلن أمس مقتل 18 جنديا تركيا، وقد استدعى هذا الوقع خروج تظاهرات شعبية تركية ضد سياسة أردوغان وحكومته التي تنفذ أهداف أميركية في المنطقة. تسعى تركيا في اللحظة الراهنة إلى ان تظل في العربة الاميركية، وهي مدركة ان من يكون داخلها لن يخرج سالم الرأس.
وفي التفاصيل، قدم ضابط سوري وصفاً لما جرى في حي «صلاح الدين»على مدى ليلتين متواليتين فقال: كنا نُسمع المجموعات المسلحة صوت محركات الدبابات وهي تتحرك وأصوات المجنزرات وهي تصدر صريرها الصاخب، وفي كل ساعة نطلق في مكبرات الصوت تعليمات الهجوم لنبقي المسلحين في حالة تنبه ويقظة واستنفار واستعداد، ولم يناموا يومين كاملين وهم متوترون من أصوات المجنزرات التي تتحضر للهجوم خلال دقائق.
وقبل الهجوم، علمنا عن طريق عناصر لنا كانت موجودة مع المسلحين انهم «نضجوا تماماً»، أدركنا انه قد حان وقت القطاف، واندلعت المعركة فكان قتالهم مبعثراً متشتتاً فاقداً للتنسيق والتوازن، وخلال نصف ساعة كانت الخطوط الأمامية قد فرغت وتدافع المقاتلون الهاربون نحو أعماق المنطقة مذعورين.
وما يثير الشفقة أن الأتراك كانوا ينفخون عضلاتهم بقوافل الحشود والمدرعات لإغواء الشباب بالقتال، ولكنهم كانوا يعلمون اننا نُحكم الطوق على المقاتلين من كل الجهات، ولم تفعل السلطات التركية شيئا حيال هذا الأمر، خصوصاً وأنهم كانوا يعلمون أننا تركنا ممراً واحدا إجبارياً لا غير لخروج المقاتلين من حلب نحو الحدود التركية وليس للانسحاب «التكتيكي» كما العادة.
هنا تكمن الدناءة التركية التي تدعم الإرهاب، إذ لم تبلغ حكومة أردوغان المقاتلين بالفخ الذي وضعه الجيش السوري لهم، رغم معرفتها بهدف ذلك الممر الذي تم زرعه خلال الليالي الماضية التي سبقت عملية صلاح الدين، بمئات الألغام ليصبح حقلاً للموت. وهنا لم يبق أمام المسلحين إلا طريقاً وحيداً: الموت خلال المواجهة، أو الموت في حقول الألغام، وما بينهما الاستسلام للجيش السوري.
هكذا انتصر الجيش على الإرهاب بأقل خسائر وأكبر غنائم .
ميدانياً ..
في حلب تتكرر الأخبار والأنباء مع تغيير اسماء الأحياء، فالتطهير ينتقل من حي الى حي، والقتلى تنتشر جثثهم في ساحات المعارك. فالتحركات العسكرية لبسط سيطرة كاملة على المدينة يتوقع ان تنتهي خلال أيام، وقد تابعت الجهات المختصة ملاحقة المجموعات الإرهابية المتبقية حيث اشتبكت معهم في احياء «سيف الدولة» و»السكري» بعد ان اعلنت منطقتي «صلاح الدين» و»المشهد» مناطق آمنة، كما وتصدت الجهات المختصة لمحاولات هجوم مسلح على مطار حلب الدولي.
وفي السياق لا يزال الريف الحلبي يشهد عمليات كبيرة للقوات المسلحة، ابتداء من «تل رفعت» و»الأتارب» و»الباب»، وفي بلدة «كفر حمرة» حيث تمت ملاحقة مجموعة إرهابية مسلحة وتكبيدها خسائر كبيرة من القتلى بينهم 4 ليبيين كانوا يتجهون إلى مدينة حلب لدعم المجموعات الإرهابية المسلحة.
وفي ريف إدلب تم تحرير منطقة «أريحا» بشكل كامل من المجموعات الإرهابية وأكدت مصادر أمنية مصادرة 80 عبوة ناسفة والعثور على مقر كانت المجموعة الإرهابية تستخدمه لتعذيب المخطوفين. كما حررت الجهات المختصة 7 مخطوفين مدنيين وعسكريين في عملية ملاحقة لمجموعة مسلحة في الأحراج المحيطة كانوا موجودين في مقر يستخدم للتعذيب، وأجهزة اتصال حديثة.
في حين تمددت عمليات الجيش السوري في ريف ادلب وبعد التحري والمتابعة رصد تجمع للمسلحين في «كفرنبل» بلغ عددهم ما يقارب ثلاثة آلاف مسلح ويتم الآن التحضير لعملية صاعقة ضدهم.
أما في حمص، وبعد اشتباكات استمرت لأكثر من 48 ساعة ضبط خلالها كميات كبيرة من السلاح ومشافٍ ميدانية عدة، أعلنت وحدات الجيش حي «الشماس» منطقة آمنة، وللتذكير فإن هذا الحي يكتسب أهمية خاصة كونه يقع قرب «بابا عمرو»، وهو أحد أهم مداخل مدينة حمص حيث كان الإرهابيون يهدفون منه الى إعادة احتلال «بابا عمرو». وإثر إعلان الجيش ان الحي اصبح آمناً خرج الأهالي في مسيرة مؤيدة هتفت للوطن، وجيشه وقد اعتقل داخل الحي عشرات المطلوبين وتم قتل عدد من المسلحين.
وسجلت أمس اشتباكات عنيفة داخل حي «الحميدية» أسفرت عن تدمير 3 سيارات مركّز عليها رشاشات نوع دوشكا. كما انفجر مستودع كان يستخدم لتصنيع العبوات الناسفة في الحي ذاته, ونصبت وحدات من الجيش كميناً محكماً لجماعات مسلحة على جسر المشفى الوطني قرب القصير وقتلت حوالى 10 مسلحين وجرحت عدداً آخر وصادرت ما بحوزتهم من سلاح ومعدات اتصال متطورة، بعد أن فككت وحدات الهندسة عبوتين ناسفتين بأحجام كبيرة على طريق حمص القصير قرب مفرق شنشار.
وفي حين تستمر الاشتباكات العنيفة في حمص القديمة، حيث سجل أمس إصابة 7 عناصر من الجيش السوري، لا تزال الاشتباكات تدور في الرستن بعد قيام الجيش بعمليات نوعية عدة في تلبيسة أدت لإلقاء القبض على 26 عنصرا من أخطر الإرهابيين المطلوبين.
وكانت الجهات المختصة قد اشتبكت مع مجموعة مسلحة أطلقت على نفسها اسم «كتيبة الهجرة» في ريف اللاذقيـة، وأدى الاشتباك إلى مقتل قائد هذه الجماعة الارهابية مع عدد من المسلحيـن، إضافـةً إلى استشهاد شابين من اللجان الشعبيـة سانـدا الجيش في مواجهة الارهابيين.
وجود «القاعدة»
على صعيد آخر، أكد مسؤولون أميركيون وتقارير استخباراتية «أن مئات الإرهابيين المرتبطين بـ«القاعدة» ينشطون حالياً في سورية» مشيرين إلى أن «وحدات تابعة لتنظيم القاعدة تنتشر في سورية»، محذرين من أن هذا التنظيم يسعى لإنشاء شبكة خلايا تابعة له على الأراضي السورية، مشيرين إلى أن هذا التنظيم يعتمد على مرتزقة ومقاتلين تراكمت تجربتهم خلال الحرب في العراق، في مجال صنع العبوات الناسفة، وهو الأمر الذي يعيد إلى الأذهان التحذيرات التي أطلقها في أوقات سابقة العديد من المسؤولين العراقيين حول توجه المئات من عناصر تنظيم القاعدة إلى سورية عبر الأراضي العراقية.
وبالتزامن مع تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون باستمرار دعم المعارضة السورية المسلحة، كشف مسؤولو الاستخبارات الأميركية الذين طلبوا عدم ذكر اسمائهم عن معلومات تؤكد «وجود قدامى مسلحي تنظيم «القاعدة» في أفغانستان على الأراضي السورية حيث يقومون بتنسيق وحدات صغيرة من المسلحين لشن هجمات داخل الأراضي السورية معتمدين في ذلك على خبرتهم الواسعة التي اكتسبوها داخل الأراضي الأفغانية».
نضير عبود- البناء