عندما دخلت اسرائيل مباشرة على خط الازمة السورية واستهدفت مواقع عسكرية سورية بالقرب من دمشق، جاء الرد الاستراتيجي بتسريع العمليات العسكرية في القصير التي سقطت مع ريفها بعد بضعة ايام،
اليوم وبعد تفجير بئر العبد، وادراج الجناح العسكري لحزب الله على لوائح الارهاب الاوروبية، وتعنت الموقف السعودي ازاء الاصرار على عزل حزب الله لبنانيا ،جاء الرد الموجع بتسريع العمليات العسكرية في مدينة حمص التي باتت قاب قوسين او ادنى من السقوط باكملها بيد الجيش السوري .
هذا هو الانطباع الراسخ في اذهان القوى المناهضة للنظام السوري وحزب الله، ومن يدير ملف العمليات العسكرية على الارض بحسب مصادر متابعة من جانب المجموعات المسلحة ومعهم القيادة «الموجهة» في غرف العمليات مقتنعون ان «ملائكة» حزب الله حاضرة في حمص ، وفي ادارة معركة تحرير حي الخالدية والشوارع المحيطة به، كما كانت حاضرة في معركة القصير. والرسالة بالنسبة اليهم وصلت ومفادها انه ليس هناك اي جدوى من استخدام سياسة «لي الازرع» مع حزب الله، وكل محاولة لزيادة الضغوط الامنية او السياسية سيكون الرد عليها بالمزيد من الانتصارات الاستراتيجية في «المعركة الام»على الاراضي السورية .
وأصرار الاطراف المناهضة للنظام السوري على تسليط الضوء على دور حزب الله في المعركة الدائرة في وسط سوريا، هو جزء من «البروباغندا» الاعلامية «لشيطنة» الحزب واعطاء الحرب بعدا مذهبيا من جهة، ولاظهار ضعف قدرات الجيش السوري من جهة اخرى ،ولكنه يحمل ايضا بعدا واقعيا برايهم، ويتمثل بالتكتيكات العسكرية المتبعة في ادارة العمليات العسكرية على الارض، وقد لوحظ الكثير من المفارقات الاساسية بين البدء بعملية اقتحام الاحياء القديمة في حمص وبين بدء العملية العسكرية في القصير، وبدا جليا وواضحا ان القوات المقاتلة على الارض استفادت بشكل كبير من المواجهة السابقة لتعطيل مكامن قوة المسلحين كقوات مدافعة عن احياء ضيقة للغاية.
ويعطي هؤلاء مثالا واحدا يعد من الاستراتيجيات «المفاجئة» التي تم تلافيها في معركة حمص بعد الوقوع في «شركها» في معركة القصير، وهي معركة القناصة التي يديرها في صفوف المعارضة، قناصون محترفون ومدربون خاضوا تجارب سابقة في افغانستان والعراق والشيشان،وبحوزتهم «قناصات» متطورة للغاية .وكما هو متعارف عليه ان القناص عادة ما يعتلي مناطق عالية ومشرفة لتعطيل القوات المهاجمة، لكن التكتيك المستخدم من قبل المسلحين قلب هذه القاعدة رأسا على عقب، واكتشفت القوات المهاجمة في القصير ان هؤلاء يديرون معركتهم من وراء «دشم» محصنة ومن اماكن منخفضة بعضها تحت الارض، هذا ادى الى تأخير الحسم وزاد الاكلاف البشرية، لكن مع مرور الوقت وجد القادة الميدانيون حلولا لها صلة بتغيير نمط الهجوم وتطوير بعض المعدات بما يتلأم مع طبيعة ساحة المعركة، وكانت النتائج العملية اكثر من ممتازة .ويبدو ان الاستفادة من معركة القصير اعطى النتائج المرجوة في احياء حمص القديمة المرشحة للسقوط بشكل كامل خلال الساعات القليلة المقبلة. ماذا يعني هذا الامر؟
يعني ان «بصمات» حزب الله موجودة تقول المصادر المتابعة، وان ما حصل في حمص هو السقوط المدوي الثاني للاستخبارات السعودية بعد الخسارة الاستراتيجية في القصير، فالمعركة لم تعد معركة الاميركيين ولا الاوروبيين، وأقرار رئيس هيئة التنسيق الوطنية المعارضة في المهجر، هيثم مناع، أن الولايات المتحدة أوكلت مهمة ادارة الملف السوري للمخابرات السعودية لانها تركز الآن على المباحثات الاسرائيلية ـ الفلسطينية والأوضاع المصرية، خير دليل على تراجع الاهتمام الاميركي بالملف السوري الذي اصبح مسألة «حياة او موت» بالنسبة للسعوديين الذين لم يعودوا قادرين على تحمل الخسائر المتتالية على الارض.
وبحسب المعطيات ستفتح نتائج هذه التحولات الميدانية في سوريا، «الباب» امام جولة تصعيد جديدة ضد حزب الله على الساحة اللبنانية وخارجها، وقد يكون اول الغيث في الخارج تفعيل قرار مجلس التعاون الخليجي بالمس بمصالح الحزب في دول الخليج، وهذا قد يترجم بعملية طرد جماعي لعدد من اللبنانيين الشيعة المحسوبين عليه، ومصادرة أموال البعض بحجة التحايل على القانون وتمويل منظمة معادية. أما الضغوطات السياسية في الداخل فسيكون عنوانها الجديد – القديم تشكيل حكومة امر واقع باعتبارها الرد الامثل على «تعنت» حزب الله ورفضه التراجع عن استراتيجيته السورية، وستتركز الجهود السعودية في الفترة المقبلة على زيادة الضغوط على النائب وليد جنبلاط لاقناعه بضرورة الخروج من حالة التردد والاقدام على هذه الخطوة تحت عنوان منع الفراغ في المؤسسات الدستورية اللبنانية. وثمة من يحاول اقناع «بيك» المختارة بأن رد فعل حزب الله لن يكون «عنيفا» كما يتصور، فالحزب برأيهم «غارق» في الوحول السورية ولا مصلحة له في زعزعة الاوضاع الامنية على الساحة اللبنانية، وبالتالي فان الفرصة متاحة لاعادة شيء من توازن القوى المفقود.
وثمة تعويل سعودي جاد على تغيير ما على الارض في سوريا، في ظل توقعات بعودة الزخم للدور الاميركي في الازمة السورية، في ضوء ارتفاع حدة التوتر الاميريكي الروسي، بعدما تجاهل بوتين طلباً مباشراً من أوباما،بتسليم المستشار السابق لوكالة الأمن القومي الأميركية أدوارد سنودن، واذا ما صدقت التسريبات الاعلامية الاميركية عن ميل الرئيس باراك اوباما الى الغاء زيارته المقررة الى موسكو، على هامش حضوره قمة الدول العشرين في بطرسبـورغ في أيلول المقــبل، واذا ما صـدقت ايضا مصـــادر الإدارة الأميركية التي تحدثت عن ابلاغ وزير الخارجــــية جون كيري نظيره الروسي سيرغي لافروف احتمال الغاء اجتماعات بين وفـود لوزارتي الدفاع والخارجية في بلديهما في آب. فان التـرجمة العملية لهذا التأزم براي السعوديين سيكون على الساحة السورية مع توقعات برد اميركي موجع على الروس هناك.
هذه الاجواء المتشنجة تفتح الباب امام احتمالات تصعيد ميداني خطير في ظل تعثر المخارج السياسية، فالسعودية ستسعى لاستعادة زمام المبادرة انطلاقا من حلب وريفها، وهي في سباق مع الوقت خشية حصول تطورات دراماتيكية بعد دخول العامل الكردي على خط الازمة ،وتخشى ايضا سقوطا سريعا لريف دمشق على وقع «الهزيمة» في حمص، أما الساحة اللبنانية فلن تكون بعيدة عن تداعيات المشهد السوري، وترجمتها ستكون امنية وسياسية، فالجميع يقر أن «الكباش» الان وصل الى ذروته والخسائر المتتالية للمعارضة المسلحة اصابت الرعاة الاقليميين «بالجنون»، ما قد يدفعهم الى مزيد من الخطوات المتهورة التي لن تكون كافية بطبيعة الحال لتغيير استراتيجية الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في سوريا، والذي اكد ان تدخل الحزب سيكون هناك «بالقدر اللازم»، وهو قدر اثبت حتى الان انه قادر على «قلب المعادلات».
الديار