عندما انطلق الاخوان المسلمون في حركتهم للوصول الى السلطة في سورية تبين لهم أن الشعب السوري الذي يعرفهم وخبرهم طوال عقود سابقة لم ينس تاريخهم ولن يخدع بالشعارات
التي يطلقونها بعناوين اسلامية في الزمان والمكان والمفهوم، ومع احجام الشعب السوري عن الاستجابة الى ما أرادوه، انتقلوا وبحرق المراحل الى العنف من اجل
استدرار العطف واستدعاء التدخل الدولي في سورية، بعد أن راحوا يروجون لمقولة تزوير الحقائق ويرددونها حتى اضحت مضغة يلوكها كل من أراد أن يتدخل في سورية ضد دولتها وموقعها ودورها الاستراتيجي المحوري ضد المشروع الصهيواميركي في المنطقة: مقولة «النظام الذي يقتل شعبه» عبارة ابتدعها ولفقها الاخوان والانظمة العربية والدولية الحاضنة لهم في سعيهم الى السلطة وتنفيذ الصفقة مع الغرب.
وبعد أن عسكروا «الحركة الشعبية المطلبية» التي كانت الدولة السورية قد بدأت بالاستجابة لها بوضع الخطط لعملية اصلاح النظام السياسي وتطويره ، فقد سارع الاخوان المسلمون ووفقاً لخطة مدروسة الى وضع العراقيل بوجه تلك العملية السياسية الاصلاحية ورفضوا اي نوع من انواع الاصلاح ان لم يكن منطلقا من محطة اساس تبدأ بالتنصل ممن اختاره الشعب رئيسا، ولذلك كانت ومازالت لديهم شروط ثابتة في هذا الشأن حيث رفضوا ومازالوا يرفضون الاحتكام للشعب ولصناديق الاقتراع، رفضا قاطعا ينبئ بمعرفتهم لحجمهم الحقيقي في صفوف الشعب السوري الذي بغالبيته العظمى يعرفهم ويرفض تسليمهم زمام الامر في البلاد لا لشيء الا لانه يعرف نهجهم وفكرهم الالغائي الاقصائي، ونزعتهم للعمل مع الاجنبي ضد المصالح الوطنية والقومية.
أ- حيال هذا الرفض لجأ الاخوان المسلمون الى العنف، ولحق بهم في هذا الطريق من رفدهم من قوى وهيئات تكفيرية تعمل بالفكر الوهابي من قاعدة وجبهة نصرة وما اليها، ولجؤوا الى ارتكاب المجازر بحق الشعب السوري، ثم وبكل وقاحة واجتراء على الحقيقة عملوا على إلصاق المسؤولية عن هذه المجازر بالاجهزة الرسمية السورية لتحقيق اغراض ثلاثة :
1) شيطنة النظام وتصويره بأنه نظام فتك وقتل، ليصح معه قولهم «النظام الذي يقتل شعبه».
2) دفع المواطنيين السوريين الذين يرفضون الاخوان والتكفيرين ويؤيدون الحكومة الشرعية في البلاد، دفعهم للانفكاك عن خياراتهم والعمل مع القوى المسماة «ثورية» لتقديم الوقود البشري الذي يحتاجه الارهابيون.
3) اظهار «مظلومية الشعب السوري» امام الرأي العام العالمي من اجل تشكيل كتلة دولية حاضنة وداعمة لما سموه ثورة حتى توفر للحركة المسلحة احتياجاتها تحت شعار الدفاع عن النفس.
وقد اعتمدت تلك الجماعات ومن اجل النجاح في مسعاها على اعلام خارجي تلفيقي ذي قدرات عالية جدا، حيث قدم لها كل ما تطلب في هذا المجال حتى إن هذا الاعلام كان يخترع المجازر دون ان تكون قد حصلت ويستعير مشاهد سابقة من لبنان أو العراق او افغانستان، وهي المجازر التي ارتكبت بيد القوات الاطلسية او الاسرائيلية اوالقاعدة، ويقدمها على اساس انها ارتكبت في سورية وبيد النظام .
ب - وهنا وبموضوعية نقول: إن الهجمة التلفيقية وعملية التزوير تلك حققت كثيرا من اهدافها حيث وقع الكثير من الطييبين بحسن النية ضحية تلك الحملة وصدقوا ما يلفق واتخذوا مواقف مبنية على قاعدة معلومات كاذبة ووهمية، ومع هذا النجاح انتقل المخطط للعدوان على سورية الى المرحلة الثانية من مراحل استخدام المجازر، حيث اراد منها خدمة اغراض جديدة تضاف الى ما سبق واهمها:
1) الانتقام من السوريين الذين رفضوا الانجرار وراء التضليل وتمسكوا بدولتهم وقيادتهم، واستمروا في حياتهم الطبيعية عملاً وانتاجاً واسلوب معيشة.
ولهذا كانت السيارات المفخخة – الوسيلة الاسرع والاسهل لارتكاب المجازر – توضع في الاحياء المدنية الآمنة من اجل تعطيل دورة الحياة العادية وخاصة في دمشق وحلب .
2) انتاج بيئة كئيبة ضاغطة، لتوفير الظروف الملائمة للمخطط للعدوان على سورية من اجل استصدار قرار من مجلس الامن الدولي ومن اي هيئة دولية تعنى بالامن والسلام الدوليين وبحقوق الانسان، قرار يتوخى منه ان يكون ضد الحكم في سورية ولمصلحة ما سمى «ثورة سورية».
هنا نرى أن المجازر فشلت في تحقيق اغراضها الاساسية لكنها ادت ويا للاسف الى إزهاق ارواح الابرياء من الشعب السوري، والى تدمير ممتلكاتهم والتأثير المؤقت على دورة الحياة، لكن الشعب السوري الذي كان محلا للانتقام، ازداد تمسكا بدولته وبمن اختاره رئيسا له، وكان ينفض الغبار بسرعة ويعود فينطلق مجددا ليعيد عجلة العمل الى مسارها بعد كل مجزرة أوتفجير، أما على الاتجاه الدولي، ورغم ان المعتدي نجح في الحصول على بعض القرارات التي يريد من هذه الهيئة الدولية اوتلك، الا انه فشل في الاهم والاساس وهو دفع مجلس الامن الى منحه التفويض للتدخل في سورية، وكان الوعي الصيني – الروسي الذي ترجم فيتو مزدوجا في المجلس، كان كافيا لافشال دبلوماسية المجازر الصهيواميركية، والمنفذة بايد واموال عربية واسلامية ويا للاسف.
وبالتالي يمكن القول بان المجازر في مرحلتها الثانية انتهت الى فشل في تحقيق الاهداف، وكان الوعي والحزم والارادة في الداخل السوري، كما على الصعيد الاقليمي والدولي السبب في إفشالهم .
ج- والآن يبدو ان المعتدي على سورية وبعد سلسلة الهزائم التي تلقاها في الأونة الاخيرة على يد الجيش العربي السوري والقوات الرديفة، وبعد تنامي الوعي الشعبي السوري، وبعد الانهيار الذي بدأ يضرب في منظومة حكم الاخوان المسلمين بدءاً من مصر، وبعد ان دخلت الازمة في سورية «المرحلة السعودية» بادارة استخباراتية سعودية مباشرة، عادت منظومة العدوان الى المجازر ولكن يبدو أنه بات لها وظيفة جديدة كما يستدل على ذلك من المجازر لتي ارتكبها الارهابيون الجناة مؤخرا والتي كان آخرها مجزرتا جرمانا وخان العسل التي اودت بحياة ما زاد على مئتين من المدنيين والعسكريين، خان العسل التي لها ايضا خصوصية معينة حيث نستطيع القول إن هذه المجزرة كانت من اجل تحقيق الاهداف التالية:
1) طمس جريمة استعمال الارهابيين للاسلحة الكيماوية في البلدة تلك منذ عدة اشهر، والحؤول دون تمكين اللجنة الدولية التي انتدبتها الامم المتحدة للتحقيق من تنفيذ ما جاءت من أجله. هذا التحقيق الذي طلبته الحكومة السورية وعطلته اميركا عندما أرادت أن تحرفه عن مساره لتنفذ عبره اهدافاً استخباراتية خاصة بها، تذكر بما حصل في العراق قبل الغزو الاميركي عبر تسخير لجنة التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل المزعومة، تسخيرها للمصالح الاستعلامية الاميريكية.
ولكن وبعد ان وقعت اميركا ومن يتبعها وينفذ سياستها الارهابية في سورية، وقعت بالاحراج والضيق اثر ما قامت به روسيا من تحقيق وكشف، بعد ذلك ازاحت العراقيل من طريق التحقيق الدولي نظريا ولكنها امرت بمجزرة خان العسل حتى لا يصل المحققون الى الميدان الا وقد افسدت الادلة اوعطلت اواخرجت منه.
2) نشر الرعب في صفوف المواطنين والعسكريين على السواء من اجل حملهم على الخروج من الميدان من غير القتال وهذا ما يذكر بالمقولة الصهيونية التي كانت تعمل الهاغاناه بموجبها: «اقتل شخصا، تهجر عشرة وترعب مئة وتفتح الطريق الى الهدف الذي تريد فتحتله من غير قتال». ولان الجماعات الارهابية العاملة في الشمال السوري تشعر بانها في المسألة العملانية الميدانية باتت في ضيق وحرج بعد ان امرتها السعودية – كما صرح مسؤولو هؤلاء الارهابيين – باحتلال مدينة حلب لتحقيق التوزان المطلوب في الميدان قبل اي عملية تفاوض حول حل سلمي للازمة، ولان الوقت ضيق والمهمة صعبة فقد لجأ الارهابيون العمل بالنهج الصهيوني لجهة ارتكاب المجازر علهم يفتحون الطريق بسرعة الى حلب كما يشتهون.
والآن ورغم فظاعة المجزرة وحجم المأساة التي احدثتها، فاننا نقول إن وظيفة المجازر الارهابية في مرحلتها الثالثة لن تكون نتائجها افضل حالاً من نتائج المرحلة الثانية اي الفشل والخزي للمجرمين، فالشعب السوري كما الجيش والقوات الرديفة لن يقعوا فيما خطط له الارهابيون وأسيادهم خاصة في اميركا والسعودية لأن في سورية شعباً وجيشاً وحكماً عقدوا العزم جميعا على متابعة المعركة الدفاعية حتى النصر الذي بات قريبا ولا يناقش به إلا مكابر أوجاهل.
وعن الأدلة وجمعها فإننا نرى ان ما يمكن أن تقدمه الحكومة السورية وما لدى الجهة الروسية وما يمكن الوصول اليه في الميدان هو كاف لادانة الارهابيين باستخدام الاسلحة الكيماوية، اما بالنسبة للاستثمار العملاني الميداني، فانه يكفي ان نقول بان حلب تنتظر الاسابيع القادمة من اجل تطهير بعض احيائها من رجس الارهابيين لتعيدها وتجمعها مع الاحياء التي تعيش حالياً في كنف الامن الشرعي السوري وإن التصورات التي تساور الارهابيين لجهة احتلال حلب واقامة عاصمة الارهاب فيها، ليست الا اضغاث احلام يائسة تتهاوى عند عنفوان الشعب السوري في حلب، وارادة الجيش العربي السوري الذي يتحضر لعملية سحق الارهاب وتطهير بعض أحياء حلب منه في الاسابيع المقبلة كم فعل في القصير وحمص وسواهما.
سورية الان - الثورة