منذ بداية الازمة السورية ظهر جليا أن المستهدف هو محور بكامل مكوّناته السورية واللبنانية والعراقية والايرانية، وان الاستهداف لن يقتصر على سوريا تحت شعار «الديموقراطية والحرية»،انما هو استكمال لحرب تموز 2006 عبر تطويق المقاومة من خلال إسقاط العمق الحيوي والاستراتيجي لها. ومع مرور الأيام والشهور، وحتى السنوات، بدأت تظهر صورة المشهد الإقليمي والدولي، وثبت أن لبنان،
أياً كانت السياسة التي سيتبعها تجاه التطورات المحيطة، لن يكون في منأى عن تداعياتها، لا بل هو في عمق الأزمة، لان المستهدف المباشر عناصر قوته المتمثلة بالمقاومة.
«ما نعيشه هو حرب كونية جديدة تحتاج الى الصبر والصمود، لان المنتصر فيها سيتحكم بمصائر شعوب المنطقة ودولها الى عقود قادمة، ولا مناص لنا إلا في المواجهة، وعلى كل الجبهات السياسية والأمنية والعسكرية. وللأسف المطلوب رأس المقاومة لأنها ارتكبت جريمة العصر وهزمت اسرائيل، ما كشف الغطاء عن أعين الشعوب العربية، فلجأت أنظمتها الرجعية الى عملية استباقية، لضرب مواطن القوة التي أثمرت هذا النصر التاريخي على العدو الإسرائيلي، بعد أكثر من ستين عاما أمضتها الأنظمة العربية في خداع شعوبها».
بهذه الخلاصة ينطلق مرجع سياسي بارز في توصيفه للمشهد الراهن، مستندا الى عدة معطيات ومعلومات وملخصات لتقارير ديبلوماسية، كلها تشي بأن «المواجهة الى تصاعد الى حين نضوج التسوية في المنطقة، والتي تحتاج الى وقت ونفس طويل».
واستنادا الى ما تكوّن لديه من معلومات يقول المصدر: «ان روسيا التي تتصرف في سوريا على أنها أمّ الصبي، وبعد الغارات الجوية الاسرائيلية التي استهدفت مواقع سورية واخرى للمقاومة داخل سوريا، أبلغت الى من يعنيهم الأمر، وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية، بأن أي اعتداء على المنشآت العسكرية الروسية والصواريخ الروسية في سوريا، هو اعتداء على روسيا، وستتصرف القيادة الروسية على هذا الأساس، لجهة الرد والإجراءات الحربية الواجب اتخاذها».
ويضيف المصدر «ان روسيا هي أول من حذّر من تحول لبنان من ساحة نصرة الى ساحة جهاد للمجموعات المتطرفة السورية وغير السورية، وكلما ضاق الخناق على جبهة النصرة والمجموعات المسلحة في الداخل السوري، فإن الخوف من تدفق مجموعات منها تحت ذريعة أنهم نازحون الى لبنان، وتحويله الى ساحة بديلة من سوريا بهدف الضغط على الغرب، وهذا ما تحدثت عنه أوساط أميركية مؤثرة على مستوى القرار في الادارة الاميركية، حين حذّرت من تداعيات هزيمة القوى السلفية على يد الجيش اللبناني، من طرابلس الى صيدا، في ظل نظام سياسي مشلول في لبنان، وبالتالي ان أي انتقال لعدوى الحرب السورية سيكون بمثابة صب الزيت على النار، من هنا الحثّ على إبقاء مستويات الدعم الحالية للجيش اللبناني وتطويرها، لأن ما ينتظره من مهمات كبير ومصيري».
ويعرض المصدر لجملة وقائع تؤشر على طبيعة التوجهات الراهنة والمستقبلية، ويقول: «حصل اتفاق روسي - أميركي أبرز بنوده تجاوز مسألة تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، أي بقاء الأسد وإنجاز التسوية في سوريا. تبع ذلك، الإنجاز الاستراتيجي الذي تمثّل بضرب أهم معقل للنصرة والمعارضة السورية المسلحة في القصير وريفها، ما رجّح كفة السيطرة الميدانية للنظام، أعقب معركة القصير بدء حراك شعبي في تركيا ما زال مستمرا ويتصاعد على المستويات التركية المختلفة، وحوّل تركيا من دولة تشغل سوريا الى دولة مشغولة بنفسها، وبسحر ساحر تم تغيير إدارة الحكم في قطر، وفي هذه الاثناء تم الإجهاز على ظاهرة أحمد الأسير في لبنان، واذا بمصر تنفجر مجددا، وتشهد تماهيا غير مسبوق إلا في زمن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بين الجيش والشعب الذي أطاح الرئيس الإخواني محمد مرسي ووضع الإخوان المسلمين في دائرة الإرهاب في نظر غالبية الشعب المصري، ترافق ذلك مع تعزيز النفوذ السعودي ــ السوري في لبنان مجددا، سبقها فوز الإصلاحي حسن روحاني في انتخابات الرئاسة الايرانية، تبعها حراك على الساحة اللبنانية تولاها كل من السفير السعودي باتجاه العماد ميشال عون والسفير الايراني باتجاه كل القوى، وبدء الحديث عن خلاف بين الثنائي "الشيعي" والعماد عون، ليظهر لاحقا ان محاولة الاستيعاب السعودية لجنرال الرابية لم تنجح وفقا للشروط السعودية، كما عمد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الى القيام بتحرك نوعي أنتج لقاءً مطولا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والعماد عون كسر الجليد في العلاقة بينهما، كما قام الراعي بزيارة تاريخية الى قيادة الجيش والتقى العماد جان قهوجي، وصولا الى القرار الأوروبي بوضع الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الارهاب الاوروبية، في محاولة اسرائيلية أميركية للإجهاز على الحزب، بالتوازي مع الإجهاز على القاعدة وأخواتها في سوريا ولبنان، وأقله تطويق المقاومة وإحداث طوق دولي حولها يضعها في دائرة الاستهداف المباشر علناً، رغم ان الخلفية لعدد من الدول الأوروبية غير ذلك تماما».
الى ماذا يؤشّر كل ذلك؟ يرى المصدر «ان الهدف هو إعادة التوازن بين محور الممانعة والمقاومة وما يسمى الاعتدال العربي، بما يؤدي لبنانيا الى إعادة التوازن بين القوة "الشيعية" المتصاعدة وما اصطلح على تسميته الاعتدال "السني" وليس مع التطرف "السني"، الامر الذي قد يثمر حكومة وحدة وطنية، لان إعادة التوازن هذه تشكل الضمانة لعدم غلبة فريق على آخر».
ويؤكد المصدر ان «ما يعزز هذا التوجه، هو ما جاهر به سفير دولة كبرى في لقاء مع إحدى القيادات اللبنانية حيث قال: «ان ملامح تسوية تلوح في الأفق، هي تتقدم ببطء ولكنها آتية، ولكي تنضج هناك الكثير من الاستحقاقات يجب أن تحصل، وتركيا هي البداية باعتبارها عائقا كبيرا، وما يحصل في لبنان على المستوى السياسي هو جزء من التسوية».
السفير