اعترفت السعودية - رغماً عنها - بإمارة قطر التي تعتبرها جزءاً من أراضيها من منطقة الإحساء التي اقتطعها الإنكليز عن سيادة العائلة السعودية، بحجة أن معظم القبائل القطرية تعود في جذورها إلى نجد،
ومنها قبيلة آل مرة، التي اتهمها القطريون بمساندة السعودية في حادثة مركز الخفوس الحدودي عام 1992، والتي أسست لاتهام قطر للسعوديين بالمشاركة في محاولة الانقلاب عام 1995 بالتعاون مع الأمير خليفة آل ثاني (المخلوع بالقوة) من ولده الأمير حمد بن خليفة (المخلوع بالتنازل).
تتنافس "قطر الصغرى" مع السعودية الكبرى مستندة إلى احتياطات الغاز واحتياطها المالي، بالإضافة إلى الحماية الأميركية و"الإسرائيلية"، بحيث تشكل قطر "النافذة الإسرائيلية" المباشرة على العالم العربي والإسلامي بشكل لا تستطيع السعودية القيام به حتى لو أرادت، وإذا استطاعت القيام به فسرّاً لا علانية.
واكبت قطر ما سمي "الربيع العربي"، ونصبت نفسها ولياً لأمر الثورات العربية، وناطقاً رسمياً للجامعة العربية والشعوب والحركات، وتصرّفت كممثل شرعي ووحيد للثورات من جهة، ووَكيل حصري للمشروع الأميركي و"الإسرائيلي"، بالشراكة مع تركيا؛ الحليف الاستراتيجي لـ"إسرائيل"، بحيث تزاوج "المال القطري" مع "القوة التركية" لصناعة الجسر الانقلابي لنقل المنطقة إلى أحضان مشروع الشرق الأوسط الأميركي الجديد، القائم على الطوائف والقوميات والمذاهب، والذي يُشطب فيه مصطلح الأمة الواحدة أو الوطن الموحد، بل "الولايات العربية المتحدة".
أصيب الثنائي القطري (الحَمَدان) بالغرور والعجب، وغرقا في الأحلام التي راودتهم وتخيلوا لقب "الإمبراطور العربي"، وكذلك الثنائي التركي (أردوغان - أوغلو) على أمجاد السلطنة العثمانية، وبين السلطنة العثمانية والإمبراطورية القطرية غابت السعودية عن المشهد العربي، وعن الملف الفلسطيني، بعدما أقام خالد مشعل في الدوحة برفقة عضو الكنيست عزمي بشارة، وذلك بفتوى شيخ الإمارة الشيخ القرضاوي.
استيقظ السعوديون فجأة من سباتهم، وطلبوا من الأميركيين استعادة زمام المبادرة، وذلك لتقييد القطريين وإبعادهم، فاستجاب الأميركيون، وعزلوا الأميرين، وطلب السعوديون مرة ثانية استلام "الائتلاف السوري" (غير الموحد)، شرط أن تكون رئاسته وفق المنظومة السياسية السعودية: قبلية – عشائرية – عائلية.
تم تنصيب أحمد الجربا؛ المطرود من قبيلته شمر بسبب سلوكه السيئ، وأُبعد القطريون عن الساحة السورية، وبدأ ضرب أدواتهم في سورية من المتطرفين والسلفيين الذين تبنّتهم قطر، بعدما استولدتهم السعودية وأرادت إرجاعهم إلى "بيت الطاعة".
انتفض الشعب المصري بالتحالف مع الجيش، وتم إسقاط حكم "الإخوان"، وبالتالي سقط الدور القطري في مصر، فسارعت السعودية إلى حشد الدعم المالي السعودي والإماراتي والكويتي لدعم الثورة الثانية وسد الفراغ القطري، ومنع ابتزاز للثورة، وطالبت السعودية من أميركا عدم مقاومة الثورة، علّها تستحوذ عليها وتبعد كأس "الإخوان" العقائدية والسياسية عن السعودية والحركة الوهابية.
إضافة إلى ذلك، يظهر الصراع السعودي - القطري بالقوة في ساحات اليمن وتونس وليبيا ولبنان، وبعد الانتصار السعودي على قطر في سورية ومصر، وامتلاك أوراقهما (حالياً)، انتقل السعوديون إلى فلسطين، وضغطوا لمتابعة المفاوضات وتعزيز دور الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية، وتحجيم دور "حماس"، التي تعيش مأزقاً سياسياً وأمنياً مع مصر بعد عزل مرسي وإحراق أدواتها في سورية ومصر ولبنان، وتحجيم الدور القطري، وتحاول السعودية أن تدفع (نقداً) لـ"إسرائيل" مقابل تسهيل دورها مع الثوارت العربية باستئناف المفاوضات الفلسطينية – "الإسرائيلية"، التي لن تُنتج سوى تنازلات فلسطينية وأرباح "إسرائيلية" وهزيمة قطرية بالشكل، حيث خسرت دور "البائع" للقضية الفلسطينية.
تتابع السعودية هجومها تحت ضغط عامل الوقت والميدان، فعلى المستوى الزمني لا بد من إحراز أوراق عديدة قبل مؤتمر جنيف قبل نهاية العام 2013، ولا بد من تحسين ظروف الميدان السوري، ومنع تقهقر المعارضة ميدانياً وتشتتها وضعفها عبر المعارك الثنائية بين الأكراد و"النصرة"، وبين "النصرة" و"الجيش الحر"، وبين لجان الدفاع الشعبي والميلشيات المسلحة، فاتجهت السعودية إلى لبنان علها تمسك بالورقة اللبنانية وضرب المقاومة وإزعاجها بالسيارات المفخخة والخطاب المذهبي الطائفي والحصار الاقتصادي، عبر إبعاد اللبنانيين المقربين من المقاومة، لكنها ستفشل في لبنان لاعتبار قوة المناعة للمقاومة، وتمايز الساحة اللبنانية عن بقية الساحات العربية، بالإضافة إلى قلة الخبرة والحنكة السياسية السعودية، وسقوط نظرية أن المال يصنع كل شيء، فيمكن أن يشتري البعض أو يخرب، لكنه لا يستطيع أن يبني دولاً أو يصنع ثورات أو زعماء إلا من ورق أو كيانات من رمل.
إن الساحات التونسية والليبية واليمنية بانتظار اشتعال الصراع السعودي - القطري لإشعال الحرائق من جديد، ولن يرضى القطريون خسارة الدور بسهولة، وسيقاتلون ليس من أجل الانتصار أو الفوز، بل من أجل إفشال الدور السعودي وإخراجه، أو توريطه في الساحات المشتعلة بانتظار وصول النار إلى الداخل السعودي من نوافذ متعددة.
الهجوم السعودي يتقدم على محاور عدة، والقطريون يغلقون بوابات إمارتهم طلباً للأمان والسلامة، وبناء لطلب الأميركان، الذين يستدرجون القيادة السعودية للرمال العربية المتحركة كما ورّطوا قطر، وذلك على مشارف بدء الصراع حول العرش بعد الملك عبد الله بين الأحفاد وجناحي بندر بن سلطان ومحمد بن نايف.
سورية الان - الثبات