حتى إعداد هذا التقرير، كان الدولار يتابع رحله سيره نزولاً أمام الليرة، على نحو أرعب المضاربين وأفرح غالبية السوريين، وسط تمنيات بانعكاس هذا الانخفاض، سريعاً، على أسعار السلع
دمشق | لم يكن أشدّ المتفائلين بالإجراءات الحكومية وقدرة مصرف سوريا المركزي على التدخل، يتوقع هذا الانهيار الكبير والسريع في سعر صرف الدولار أمام الليرة. انهيار أشبه بوقوع أحجار الدومينو، بدأ من
حدود 330 ليرة مطلع الأسبوع الحالي، بشكل يومي وآني، ليصل حتى اليوم (أمس) إلى ما يقارب 170 ليرة.
الانخفاض أوحى باقتراب «سقوط» الدولار، ودفع غالبية السوريين، الذين عانوا خلال الأشهر الماضية من هذه العملة التي برّر من خلالها التجار كل عمليات الاستغلال ورفع الأسعار، إلى الفرح، حيث لم تخلُ تعليقاتهم في صفحات التواصل الاجتماعي من تعابير «السعادة والشماتة» بالمضاربين وتجار الأزمة الذين هرعوا، خلال الساعات الماضية، في محاولة لإنقاذ ما في حوزتهم، إلى طرح الدولار وبيعه بكثافة في السوق السوداء، وبأسعار تقل، لأول مرة، عن شركات الصرافة.
ويبدو أنّ «تجار الأزمة» أدركوا أنّ هذا الانخفاض لن يتوقف، حتى إعادة سعر الصرف إلى الحدود المعقولة، وذلك وفق مصادر متطابقة عدة، أكدت لـصحيفة «الأخبار» أنّ عمليات تدخل المصرف المركزي مستمرة، وستكون هناك خلال الأيام المقبلة «ضربات» إضافية «موجعة» للمتلاعبين بالسوق، وسط توقعات بإعادة سعر الصرف إلى حدود «واقعية».
إلا أنّ أحد المضاربين في السوق السوداء أشار إلى أن سعر الدولار سيعود إلى الارتفاع مجدداً بعد 15 يوماً، على أبعد تقدير، إلى مستويات أكبر مما وصل إليها بالنسبة إلى الليرة سابقاً، حيث لن يستطيع المصرف المركزي الاستمرار بضخه في الأسواق. ولدى سؤال «الأخبار» عن سبب طرحه للبيع بسعر /175 ليرة/، وعدم الاحتفاظ به للمرحلة المقبلة التي يتوقعها، بيّن أن ما يجري طرحه، تم شرائه بأسعار أقل من ذلك، معتبراً أن البيع بربح بسيط لا يعني الخسارة، وأن المضارب لا بدّ أن يستعد لجميع الاحتمالات.
ولا يتمنى المحلل الاقتصادي شادي أحمد عودة ارتفاع الدولار، رغم أنه يتوقعه، لأن عملية تخفيض سعر الصرف، بحسب ما نشره في صفحته على «فايسبوك»، لم تكن تستند إلى أصول علمية اقتصادية، موجهاً أسئلة عدة لمن يرى أنّ انخفاض سعر الصرف هو «إنجاز»: عمّا تكلّفته الإدارة النقدية من أموال الشعب السوري من أجل التخفيض، ولماذا لا يتم تأمين الدولارات للبنوك التجارية من أجل تخفيف فاتورة الاستيراد على المواطن، وعن الحكمة في أن يسمح لشركات الصرافة بتمويل التجارة الخارجية؟
وهذا ما يعاكس رأي زكوان قريط، الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، لأنّ ما وصل إليه سعر الصرف خلال الأسبوع الماضي «فقاعة» انفجرت، بعد تدخل مصرف سوريا المركزي، وطرحه كميات كافية من الدولار، وامتناع المواطنين عن الشراء من السوق السوداء، تخوّفاً ممّا يشاع عن وجود وانتشار كميات كبيرة من الدولارات المزورة في السوق.
وفي حديثه مع «الأخبار»، لا يجد قريط، الذي يتوقع فترة استقرار وتوازن خلال الأسابيع المقبلة يثبت فيها سعر الصرف ما بين 150 و170 ليرة، أي نفع من إزاحة شركات الصرافة عن الواجهة، حيث سيزيد هذا الأمر الطين بلة، وسيؤثر سلباً على شركات الصرافة والمواطنين في آن واحد، معتبراً أنّ الحل الأمثل هو في استمرارها، مع فرض قيود ورقابة على عملها من قبل المصرف الذي سيواصل عمليات الضخ، بحسب رأيه، ولكن بكميات أقل، لن يزيد بعدها الدولار على 200 ليرة.
وحسب مصدر سوري مطلع، وفي تصريح إلى «الأخبار»، رأى أنّ هنالك قراراً حاسماً بضبط سوق الصرافة والتصدي للعدوان الاقتصادي الذي تتعرض له البلاد، في إشارة إلى ما يجري تداوله عن دور لأحد المصارف الخليجية في الحرب على الليرة. ويشير إلى أنّ ارتفاع سعر الصرف خلال الأسبوع الفائت، إلى مستويات غير مسبوقة، جاء نتيجة لما تعرضت له مدينة حلب من حصار وتضييق من قبل المجموعات المسلحة، واستعار حملة الضغط السياسي والإعلامي ضد سوريا.
ومع إشراقة شمس عملة السوريين الوطنية، من جديد، رغم كل ما تتعرض له بلادهم من حرب وحصار، تتجه الأنظار اليوم إلى أسعار المواد الغذائية التي لم تواكب حتى الآن انخفاض سعر صرف الدولار، بانتظار تدخل إيجابي وفاعل في هذا المجال، يكمل البسمة ويعيد القوة الحقيقية إلى الليرة في السوق.