أثار تسريب محافل أميركية أنباء حول مسؤولية إسرائيل عن غارات استهدفت مخازن لسلاح البحرية السوري قرب ميناء اللاذقية انتقادات إسرائيلية حادة بلغت حد اتهام إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بتعريض إسرائيل للخطر.
وقد تبع التسريبات الأميركية تسريبات روسية تفيد بأن الطائرات الإسرائيلية، التي أغارت على محيط اللاذقية انطلقت من قواعد تركية. ودفع هذا معلقين إسرائيليين للقول إن حرباً دولية تقف خلف هذه التسريبات التي جعلت تل أبيب عالقة بين واشنطن وموسكو.
جندي اسرائيلي قرب قاذفة صواريخ في الجولان السوري المحتل امس (ا ف ب) واعتبر المعلق العسكري في موقع «يديعوت» الإلكتروني رون بن يشاي أن إدارة أوباما تتخبط مؤخراً وتنتقل من فشل إلى إخفاق محرج. وعدّد مواضع الفشل في مصر وسوريا والتسوية مع الفلسطينيين، والتي كان يمكن أن تكون أكبر، في رأيه، لولا النصائح الإسرائيلية. وذهب بن يشاي إلى القول إن آخر هذه الإخفاقات التسريبات الأميركية بشأن الغارات على محيط اللاذقية، والتي تكرر أخطاء سبق للأميركيين أن اعتذروا عنها. وفي نظر بن يشاي بوسع هذه التسريبات أن تعرض إسرائيل لخطر صليات صواريخ سورية. وشدد على أن التسريبات صدمت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، التي لم تقنعها الذرائع والتبريرات الأميركية.
ومن جهة ثانية، تكاثرت التقارير في المنطقة والعالم عن تفاصيل الغارات الإسرائيلية، فيما أبقت الدولة العبرية نفسها بعيدة عن التأكيد أو النفي، ما زاد في غموض الحدث. ولكن صحيفة «معاريف» أشارت إلى أنه برغم التضارب والاختلافات «يبدو أن هناك حقيقة لا جدال حولها: ينبع قرار مهاجمة الصواريخ التي وصلت الى الاراضي السورية قبل زمن طويل على الأغلب من معلومة استخبارية دقيقة عن نية أو محاولة الرئيس الأسد نقل الصواريخ الى حزب الله».
وحاولت «معاريف» فهم المصالح الكامنة خلف قيام مصادر غير محددة في الإدارة الأميركية بتحميل مسؤولية التفجيرات لإسرائيل. وذكرت أنه يدور في واشنطن مؤخراً جدال عسير بشأن السياسة السليمة التي ينبغي اتباعها تجاه سوريا. فوزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي يلقى الدعم بقدر كبير من المستشارة الجديدة للأمن القومي سوزان رايس، يعتقد بوجوب التدخل العسكري بقوة أكبر في سوريا لإحداث حسم لصالح المعارضين. ولكن البنتاغون يعارض بشدة هذا التدخل ويستخدم مندوبه رئيس الأركان مارتن دمبسي لنقل رسالة واضحة ضد تدخل من هذا النوع.
وبالتالي، فإن التسريب الأميركي، الذي ينسب لإسرائيل المسؤولية عن الهجوم على مخازن صواريخ «ياخونت»، كفيل بأن يخدم بهذا القدر أو ذاك المعسكرين. وفي كل الأحوال، فإنه يعكس أزمة أميركية حقيقية بالنسبة للوضع في سوريا. فهذا التسريب يمكن أن يخدم، حتى وان كان باحتمال ضعيف، مؤيدي التدخل الأميركي العسكري الأكبر.
وفي المقابل، يمكن للتسريب أن يخدم البنتاغون الذي يعارض كل تدخل أميركي، وذلك لأن التسريب يثبت أن إسرائيل قادرة على معالجة التهديدات ضدها بنفسها، وهذا ما ينفي إمكان التدخل الأميركي في سوريا، حالياً على الأقل.
وأشارت «معاريف» إلى أن التفسير المكمل لهذه الحجة هو أنه من خلال التسريب (وهذا هو الثاني بعد التسريب عن مسؤولية اسرائيل على تدمير صواريخ فاتح 110) سعت المؤسسة الأمنية في واشنطن الى نقل رسالة لإسرائيل تقضي بأن الولايات المتحدة غير راضية عن تعاون اسرائيل معها في المسألة السورية، وأن الإدارة تتوقع تنسيقا أكثر حميمية للنوايا.
عموماً لفتت «معاريف» إلى أنه اذا كان الانطباع الناشئ عن الخط الذي يتخذه البنتاغون صحيحاً، وأن الولايات المتحدة تعرقل قرار تسليح المعارضين ومنحهم التفوق الحاسم، فإن كل هجوم على قافلة سلاح او وسائل قتالية متقدمة مخصصة لـ«حزب الله» كفيل بأن يحدث أخطاء في التقدير من جانب الأسد وتدهوراً عسكرياً. و«البنتاغون غير معني بمثل هذا الوضع. إلا إذا كان بوسع أحد أن يتصور وجود محافل معينة في الولايات المتحدة معنية بتعميق المواجهة ودفع اسرائيل وسوريا الى وضع حرب . مثل هذا السيناريو، سيعفي الأميركيين من المعضلة التي تنشغل بالتدخل حين تقوم إسرائيل بالعمل بدلاً منهم».
وأضافت «معاريف» أن الروس، غير الراضين عن القصف الاسرائيلي، يخشون المساس باستقرار حكم الأسد، ولكنهم تعلموا أغلب الظن كيف يتعايشون مع مثل هذه الاضرار. والقصة التي تقول إن تركيا ساعدت اسرائيل في العملية اخترعها أغلب الظن الروس كي يثيروا العالم العربي ضد الاتراك ويعزلوهم عما يجري في سوريا. وقد نفى وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو التقرير الروسي بعد ساعات.
وخلصت «معاريف» إلى أن اسرائيل الرسمية صامتة. والخوف الكبير هو أن مثل هذا التسريب لن يبقي للأسد أي مجال للمناورة ويلزمه بالرد، الامر الذي سيجر إسرائيل الى رد مضاد والى تدهور أمني في المنطقة. إسرائيل غير معنية بذلك، ولذلك، فهي غاضبة ممن سرب المعلومة بغض النظر عن صحتها.
وعلى صعيد آخر، لطفت إسرائيل، وفقاً لصحيفة «هآرتس»، في الأسابيع الأخيرة، من حدة اعتراضها على قيام الدول الغربية بتزويد المعارضين في سوريا بالسلاح، خشية أن يؤدي الوضع السائد اليوم إلى انتصارات لـ«حزب الله» ومنظمات مدعومة من إيران، تقاتل إلى جانب الجيش السوري.
وكانت إسرائيل حتى وقت أخير مضى تحذر من إمكانية أن تصل الأسلحة، وخصوصاً المتطورة، التي تسلم إلى مقاتلي المعارضة إلى المنظمات الجهادية التي تقاتل في سوريا، وتتماثل مع تنظيم «القاعدة»، وبالتالي أن ينتقل السلاح في المستقبل للعمل ضد إسرائيل.
وقد نقلت هذه الرسائل بالأساس إلى الإدارة الأميركية والى حكومتَي بريطانيا وفرنسا. وقررت إدارة الرئيس الأميركية باراك أوباما الشروع في تزويد الثوار بالسلاح، بعدما تأكدت في الأشهر الأخيرة أنباء عن استخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي. وقرر الاتحاد الأوروبي، في أعقاب ضغط من بريطانيا وفرنسا، عدم تجديد الحظر الذي ينفد مفعوله في الشهر المقبل.
في هذه الأثناء، لطفت إسرائيل اعتراضها، لا سيما بسبب التدخل المتزايد لـ«حزب الله» و«محافل شيعية» أخرى في الجيش السوري. والاستنتاج الإسرائيلي هو أن الأسد الذي اعتبر في الماضي جهة استقرار حرص على الهدوء في حدود الجولان، غير اتجاهه، ومن شأنه أن يشجع منظمات «الإرهاب» على القيام بعمليات في المناطق الحدودية.
كما يوجد في إسرائيل تخوف من أن يشجع نجاح للمحور الإيراني في سوريا، من دون رد من الغرب، طهران على التقدم في برنامجها النووي نحو قدرة عسكرية حقيقية برغم العقوبات.
السفير