كل يوم يمرّ يعني أن الجيش السوري يحقق تقدماً في الميدان. التغيير في التكتيكات العسكرية وجملة عوامل أخرى ترخي طمأنينة على القيادة العسكرية والسياسية في دمشق. ما قبل القصير ليس كما بعدها
دمشق | عامان وأربعة أشهر على بداية الأزمة السورية. يمكن لزائر دمشق الاعتيادي أن يلاحظ على وجوه القيادات السورية، خصوصاً تلك العسكرية، ارتياحاً واضحاً.
لم تنتهِ الحرب، ولم يحسم الجيش السوري سير المعارك على مجمل الأرض السورية لصالحه، لكنّ شيئاً كبيراً قد تبدّل في الأشهر الماضية. ما قبل انتصار القصير ليس كما بعده.
في حمأة الحديث عن تسليح نوعي للمعارضة السورية المسلّحة، تقول مصادر عسكرية سورية لـ«الأخبار»، إنّ «كل يوم يمرّ يحقق فيه الجيش السوري تقدماً على كلّ الجبهات المشتعلة، سيناريوهات التدخل الخارجي العسكري أو المنطقة العازلة سقطت، مررنا في ظروف أصعب ولم يستطيعوا فعلها». يعدّد المصدر جملة عوامل في الميدان تدفع القيادة العسكرية إلى الثقة بأن أكثر من 60% من الأزمة العسكرية قد انتهت بعد الإحباط الكبير الذي أصاب مقاتلي المعارضة في هزيمة القصير القاسية، وبعدما غيّر الجيش كثيراً من تكتيكاته، وانتقل من الدفاع إلى الهجوم. ساهم تبدل التكتيكات العسكرية بفعل الخبرة في الميدان إلى «تقليل الخسائر البشرية في صفوف القوات المهاجمة ورفع الخسائر البشرية لدى المدافعين، فضلاً عن وقف العمليات التي تهدف إلى استعادة مناطق لا تشكّل حاجة استراتيجية، لصالح عمليات تقطيع الأوصال وحصار المسلحين، بالإضافة إلى استعادة الطرقات الدولية المهمّة، وعمليّة السيطرة على الحدود، خصوصاً مع لبنان».
العامل الثاني هو حالة التفكك التي تصيب قوى المعارضة المسلّحة، والحرب الدائرة بين «الجيش الحر» و«جبهة النصرة» التي تعمل «على ضرب الجيش الحرّ، وهو اليوم في أسوأ حالاته منذ بداية تشكّله، لصالح تطوّر جبهة النصرة وكتائب محليّة تعمل كقطاع طرق وعصابات سلب وخطف». ويشير المصدر إلى أن الأجهزة الأمنية السورية بدأت عمليّة «تفعيل الاختراقات الأمنية» داخل الكتائب المتقاتلة في المعارضة المسلحة، و«بدأت تظهر النتائج».
مصدر سياسي آخر في دمشق يروي أنّ عاملاً آخر في تغيّر الوضع الميداني سببه سياسي. اليوم، بحسب المصدر، هناك تردّد أميركي واضح وانحياز ألماني لصالح الموقف الروسي تجاه الأزمة، وتبدو فرنسا كمن «يقحّ» حتى يلفت الناس إليه. ويضيف المصدر أنّ «السعودية هي رأس الحربة اليوم في الهجوم على سوريا»، إذ تعكس عمليّة تسليم السلطة في قطر إلى الأمير تميم، نجل الأمير حمد بن خليفة، «انكفاءً قطرياً في عملية دعم المعارضة بالمال والسلاح، بالإضافة إلى تضاؤل واضح في الدور التركي بعد ثبوت وجهة نظر الجيش التركي على حساب (رئيس الحكومة رجب طيب) أردوغان وبداية أفول عصر الإخوان المسلمين في ليبيا وتونس ومصر، والإجراءات الجديدة التي يتخذها الجيش التركي على الحدود لجهة ضبطها والتفكير الجدي بالمساهمة في إعادة النازحين السوريين إلى قراهم».
ماذا عن القرار الأميركي بتسليح المعارضة؟ يقول المصدر إنّ عملية التسليح مسألة قديمة، «كيف قاتلوا كل هذا الوقت لولا التسليح العربي والغربي؟». تسبق الإجابة عن موضوع التسليح ابتسامة عريضة. لقد استطاع الجيش مصادرة مجموعة من صواريخ «الكونكرس»، كما استطاعت الأجهزة الأمنية السورية وحزب الله شراء صاروخين من النوع نفسه، «ونحن ننتظر صواريخ الستينغر لنقول شكراً أميركا!».
وعن سير العمليات العسكرية على الأرض، تقول مصادر عسكرية سورية «إن ما يفعله الجيش السوري عمل جبّار، لا يستطيع أي جيش في العالم أن ينتشر داخل بلاده، كان لدى الجيش جبهة واحدة تمتدّ على طول 70 كلم مع فلسطين المحتلة، اليوم الجيش منتشر على مساحة 185 ألف كلم مربع».
وتشير المصادر إلى أنّ سير العمليات العسكرية يسير «بحسب المناطق الأكثر خطورة». في درعا مثلاً، «العمل بطيء لكنه جيّد، وهو مرتبط بطول طريق الإمداد وبعملية ضبط الحدود من الجهة الأردنية، التي لا تزال مفتوحة حتى الساعة بشكل غير مفهوم». أما حمص، فيقول المصدر إن السيطرة عليها شبه منجزة بعد السيطرة على القصير، والأحياء التي لا تزال تحت سيطرة المسلحين إن في داخل المدينة أو في تلبيسة والرستن هي تحت الحصار المطبق، «الجيش غير مضطر إلى الدخول الآن، الحصار فعال، وقطع طرق الإمداد على المدى الطويل يحدّ من فاعلية المقاومة، وهذا لا يعني أن العمليات واستنزاف المسلحين غير مستمرّ، بالإضافة إلى السيطرة قريباً على أي طريق إمداد إلى حمص من الأراضي اللبنانية (في إشارة إلى تلكلخ في الغرب والقلمون في الشرق)». ويقول المصدر إن «القصير كانت غرفة عمليّات لكل المنطقة وليس لسوريا فحسب، وجاء اختيارها لعدّة أسباب هي الديموغرافيا والجغرافيا المناسبة التي تؤمن عمق استراتيجي مع لبنان وكونها عقدة وصل في محافظة حمص وسوريا عموماً، لكنّ عملية إطباق حزب الله من جهة لبنان والجيش السوري كانت مفاجئة لمن خطط للقصير». ويضيف أنّ عملية السيطرة على ريف دمشق في الغوطتين الشرقية والغربية مستمرّة بعد قطع طرق الإمداد، «الريف ضخم جغرافياً وبشرياً ويحتاج العمل فيه إلى وقت، لكن الاستراتيجية الناجحة هناك هي تقطيع الأوصال، وتثبيت قوات وإدخال قوات مداهمة ثمّ تثبيت من جديد، وهذا يحقّق نتائج باهرة». ويؤكد مصدر آخر أنّ المسلحين بعد سقوط العتيبة، اعتمدوا بلدة بير القصب الصغيرة قرب الغزلانية في ريف دمشق، مقرّ تجمع وممرّاً للمقاتلين، لكن الجيش كشف الأمر، وتمكن قبل يومين من قتل أكثر من 300 مسلح كانوا قد قدموا من دير الزور في محاولة للدخول إلى ريف دمشق عبر عملية أمنية وقصف عنيف من الطائرات الحربية. وبالنسبة إلى حلب، يقول المصدر العسكري إنّ الشهر المقبل سيحمل تطورات كبيرة في المدينة وريفها، ويمكن تسمية ما يجري اليوم بـ«عمليات خلف خطوط العدو» عبر ضرب مفاصل أساسية في بنية المسلحين ومستودعات الأسلحة بأعمال أمنية لشلّ حركتهم وتشتيت قواهم، بالإضافة إلى قطع طريق الإمداد عن الريف الشمالي وعزله عن الحدود التركية، عبر السيطرة على الهضاب المحيطة بالطرقات والأماكن الاستراتيجية. ويشير المصدر إلى أنه تمّ فتح طريق شرقي بديل وآمن لطريق حلب ــ حماه المباشر، عبر أسريا (شرق حماه) ــ خناصر ــ حلب.
العلاقة مع الجيش اللبناني يقول المصدر العسكري إنّ الأمور في سوريا تتغيّر، ومن البديهي أن المشروع الذي انهزم في سوريا سيحوّل لبنان إلى ساحة بديلة، وسيكون على عاتق الجيش اللبناني مهمّة كبيرة. سوريا، بحسب المصدر، لم تعد بحاجة إلى المساعدة من لبنان «الذي لم ينأ بنفسه ولم يضبط حدوده عندما كنا بحاجة إليه». ويشير المصدر إلى أنّ على الجيش اللبناني في المرحلة المقبلة أن يكون شريكاً حقيقياً للجيش السوري في الحرب على الإرهاب، «لأن من قاتل الجيش اللبناني في نهر البارد نقاتله اليوم في سوريا، العقلية ذاتها والجهات الداعمة ذاتها». يعدّد المصدر ثلاث خطوات ضرورية حتى يتمكن الجيش اللبناني من حماية لبنان، أولاً ضبط الحدود بالاتجاهين لمنع تسرّب المقاتلين والسلاح من سوريا وإليها، ثمّ مكافحة الخلايا الموجودة على الأراضي اللبنانية، والتعاون الجدي مع الجيش السوري أمنياً وعسكرياً.
....فراس الشوفي -الاخبار