مؤتمر "الأعداء" وقراراته السرية ....خميس بن حبيب التوبي

مؤتمر "الأعداء" وقراراته السرية ....خميس بن حبيب التوبي

لـ"انعدام التوازن" ولـ"إنهاء الحرب الأهلية"، تحت هذين العنوانين بنى ما يسمى "مؤتمر أصدقاء سوريا" حجته لإمداد العصابات الإرهابية في سوريا بالسلاح النوعي والفتاك، وحسب الملتئمين في المؤتمر، فإن هذه الأسلحة الفتاكة هي التي ستقود إلى الحل السياسي، إذ ستعيد "التوازن" وستضع حدًّا لـ"الحرب الأهلية".

لا نستغرب أن يتخذ الملتئمون الداعمون للإرهاب متون الكذب متكأً ما دامت أسباب التدخل في الشأن الداخلي السوري قامت على هذه المتون، إلا أن الترتيبات العاجلة لانعقاد ما يسمى "مؤتمر أصدقاء سوريا" والسرعة في اتخاذ قرار دعم الإرهاب بالأسلحة الفتاكة، والاتفاق على قرارات "سرية"، ما كان لها أن تكون على هذا النحو لولا فتاوى التحريض على القتل والخُطَب الداعية إليه، حيث جاء انعقاد المؤتمر بُعيْد تطورين مهمين؛ الأول: بيان ما يسمى "مؤتمر علماء الأمة الإسلامية"، والذي دعا صراحة إلى "النفير" و"الجهاد" لقتال المسلمين بعضهم بعضًا في سوريا وتقديم كافة أشكال الدعم للمجموعات الإرهابية. والثاني: قرار جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة في مصر قطع علاقات جمهورية مصر العربية مع شقيقتها الجمهورية العربية السورية، والمطالبة بمنطقة حظر طيران.
وبعيدًا عن الاعتبارات والعلاقات التاريخية والعضوية بين دول الاستعمار والقوى والحركات في المنطقة، فإن الدول الامبريالية الاستعمارية نجحت ـ مثلما نجحت من قبل وعبر وكلائها وعملائها وأدواتها ـ في توطئة الأجواء لمواصلة عملية التقسيم والتفكيك والتحطيم والتدمير لدول المنطقة عامة، وسوريا خاصة لكونها آخر القلاع العربية الصامدة في وجه المشروع الصهيو ـ أميركي الساعي إلى ترقية كيان الاحتلال الصهيوني إلى شرطي المنطقة عبر مخطط التقسيم والتدمير للدول العربية وتحطيم جيوشها. ولا أدري إن كان الذين ألبسوا هذا المخطط اللباس الشرعي ومسَّحُوه بمسوح الإسلام انطلت عليهم لعبة "الثورة" و"الحرية" و"الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" وفق مفاهيم القوى الامبريالية الاستعمارية؟ أم أن ثمة أطرافًا وقعوا ضحية خديعة لنظرائهم لهم علاقة وارتباط بقوى المشروع؟ أم انطلقوا من نَفَسٍ طائفي وحسب؟
إن ما تمخض عنه مؤتمر "الأعداء" أو كما يحبون أن يسموه مؤتمر "الأصدقاء" مثلما يعبر عن توجهات للذين التأموا، ستكون له أيضًا تبعات خطيرة خاصة بعد التصريح بوجود قرارات "سرية" لا يمكن الإفصاح عنها:
أولًا: مواجهة الدعوات إلى الحل السياسي عبر مؤتمر جنيف الثاني وعملية الإعداد له لإنجاحه، بفتح مخازن السلاح الفتاك والنوعي وإيصاله إلى العصابات الإرهابية داخل سوريا، خطوة لا يمكن تفسيرها إلا بأنها دليل عملي على رفض الحل السياسي والإصرار على خيار الإرهاب والعنف ومواصلة دعمه حتى النهاية وصولًا إلى الهدف المنشود وهو تدمير سوريا، إذ لا علاقة بين الحل السياسي ووضع أسلحة فتاكة بأيدي إرهابيين.
ثانيًا: على الشعب السوري أن يتهيأ لما سيرتكب بحقه من مجازر ومذابح وفي إطار سياقين؛ الأول: إبادة كل من يعد مواليًا لوطنه وليس كما يسمونه مواليًا لـ"النظام". والثاني: ترهيب كل من لا يزال يرفض الإرهاب والعنف والتدمير، ويرفض التخندق في خندق معسكر الإرهاب، ومن ثم تصوير هذه المجازر على أنها من صنع الجيش العربي السوري لإثارة الرأي العام العالمي لتبرير التدخل وضخ الأسلحة الفتاكة، ولممارسة الضغوط على روسيا لتليين مواقفها وخاصة في ما يخص موضوع تنحي الرئيس السوري بشار الأسد.
ثالثًا: إعلان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن بلاده سلمت العصابات الإرهابية علاجات مضادة لغاز السارين، إعلان ليس بريئًا، فيبدو أن أحد القرارات السرية، بالإضافة إلى المجازر، اللعب على الأسلحة الكيماوية وإعادة استخدامها من قبل العصابات الإرهابية وإلصاق تهمة الاستخدام بالجيش العربي السوري، لتكون مبررًا ومدخلًا لما هو مبيت ومراد، ولشل ديناميكية الموقف الروسي.
رابعًا: إنهاك كل من الجيش العربي السوري وحزب الله من خلال تجنيد أعداد إضافية من المرتزقة والإرهابيين، حيث يجري الحديث عن جلب ما يقارب مليون إندونيسي لتعظيم الإرهاب في سوريا، إلى جانب السلاح الفتاك، مع تفجير الحدود مع سوريا من تركيا وحتى لبنان، إذ مقتضى الأدوار ـ كما يبدو ـ أن تتزامن عملية الإنهاك والمشاغلة داخل سوريا ولبنان الذي دخل على خط الأزمة، ومرشح أن تتصاعد فيه حدة المواجهات، وبالتالي سيكون حزب الله في هذه الحالة بين فكي كماشة، وهذا أحد أوجه مضامين قول وزير الخارجية الأميركي جون كيري في معرض تبريره دعم الإرهابيين بالسلاح الفتاك وهو "وضع حد لـ"انعدام التوازن" على الأرض مع الجيش العربي السوري "المدعوم" بحزب الله".
لا أستطيع الجزم بماهية "القرارات السرية"، غير أنها ـ كما يبدو ـ لن تخرج عن مخطط تدمير سوريا، وستكون عبارة عن ارتكاب المجازر واستخدام الأسلحة الكيماوية، وتفجير الحدود ودخول لبنان قلب النار، وتجنيد عشرات الآلاف من الإرهابيين لتكون مرحلة أولى تقوم بعملية قضم واستنزاف مرحلي، لتبدأ المرحلة الثانية إما بحظر طيران أو تدخل عسكري مباشر، والتخطيط لانقلاب عسكري ضد الرئيس السوري، وهي بلا شك قرارات ستكون كارثية على الشعب السوري وعلى سوريا.
خميس بن حبيب التوبي- الوطن العمانية
khamisaltobi@yahoo.com

» مؤتمر القرارات غير السرية
» مؤتمر باريس اليوم في مقابل مؤتمر جدّة: اقتسام للنفوذ في العراق.. وخلاف بشأن سوريا
» ما الذي قاله مؤتمر روما ؟ .. أو الجلسة شبه السرية محمد أحمد
» كتب ناصر قنديل - اخر خميس وتنين
» التكفير والقتل ....حبيب فياض