رغم أن معركة القصير انتهت بالانتصار الحاسم الذي حققه الجيش العربي السوري، إلا أنه مع كل يوم يمر تتكشف تفاصيل جديدة حول ما كانت تمثله هذه المنطقة بالنسبة إلى حلف أعداء سورية.
المعلومات تفيد بأن المخابرات الروسية والإيرانية والسورية كشفت أن مخططاً وضعته الاستخبارات الأميركية والموساد "الإسرائيلي"، بالتعاون والتنسيق مع مخابرات عربية وغربية، يقضي بالسيطرة الكاملة على منطقة حمص والقصير، حتى الحدود اللبنانية من ناحية عكار والبقاع الشمالي، وبالتالي قطع كل طرق التواصل بين "حزب الله" والدولة الوطنية السورية، وعندما يحصل ذلك، تبدأ مرحلة ثانية من المخطط بتنفيذ سلسلة مذابح في القرى السورية في القصير، خصوصاً في القرى التي يسكنها لبنانيون، ورسم خطوط حرب بين لبنان وسورية تحت عنوان "الحرب على حزب الله"، والتي تقودها المجموعات المسلحة من "جبهة النصرة" و"القاعدة"، ويتم فتح جبهة عسكرية واسعة ضد المقاومة في البقاع الشمالي من الجهة الشرقية، ومن الجهة الغربية الشمالية مع عكار والشمال اللبناني، والدفع بمزيد من مقاتلي "القاعدة" و"جبهة النصرة" إلى عرسال وعكار وجرودهما، يتم خلالها تقدّم المجموعات المسلحة لاحتلال منطقة اللبوة، ومرتفعات جرود الهرمل، ووادي فيسان، مع احتمال امتداد هذه المعارك إلى جنوب البقاع الشمالي، وتحديداً إلى الحدود مع ريف دمشق، لأنه حسب المخطط الذي كان موضوعاً، تصبح منطقة شمالي البقاع مقسَّمة إلى ثلاث مناطق معزولة عن بعضها هي: الهرمل وقضاؤها معزولة عن بعلبك، من خلال احتلال اللبوة ومحيطها، والبقاع الأوسط حتى زحلة وطريق الشام معزولاً عن بعلبك والهرمل، من خلال الضغط من سلسلة جبال لبنان الشرقية، لاسيما أن الخطة تلحظ تحركاً لمناصري "تيار المستقبل" من البقاع الغربي وبعض قرى البقاع الأوسط.
أمام هذه الوقائع الميدانية ووفق المخطط، تضطر المقاومة و"حزب الله" إلى سحب النخب القتالية في الجنوب، والتي تمتلك قدرات وخبرات فائقة النوعية لمواجهة العدو "الإسرائيلي"، ما يفسح في المجال أمام الكيان الصهيوني للانقضاض على الجنوب، في نفس الوقت الذي تشير معلومات إلى أن خلايا نائمة في أكثر من منطقة من بيروت وضواحيها، وفي صيدا وضواحيها تتحرك، وبذلك يتم تشتيت قوات المقاومة في كثير من الأماكن والمواقع.
هذا المشروع الذي أعدته، كما أسلفنا، المخابرات الأميركية والموساد ومخابرات غربية وعربية، تنبه له الحلف المقاوم والممانع، فأخذ زمام المبادرة، ووجّه ضربته القاضية بالهجوم على القصير، قبل أن تُستكمل فرص التوقيت والتجهيز التي كان يشرف عليها نخبة من أهم ضباط الاستخبارات الأميركية والصهيونية والفرنسية والإنكليزية والسعودية والتركية والأردنية والقطرية، الذين كان بعضهم في القصير، وبعضهم الآخر يتحرك بين الأردن ولبنان وتركيا بأسماء وعناوين مختلفة، وتذهب بعض المعلومات هنا لتشير إلى أن هذا المخطط كان سينفَّذ في منتصف مناورات "الأسد المتأهب"، التي بدأها الجيش الأميركي في شهر حزيران وتستمر شهراً بمشاركة جيوش خليجية وغربية و"إسرائيلية"، وإن لم يعلَن عن مشاركة الأخيرة.
ثمة حقائق كثيرة بدأت تتكشف عن معركة القصير، وهي أن "الناتو" والدول الخليجية كانوا يحشدون ويحضّرون لوجستياً وميدانياً لهذا المشروع بشكل مكثف، ووفقاً للمعلومات فإن ما كان متوافراً في القصير يوازي ثلاثين ضعفاً لمقاتلي المقاومة الإسلامية في حرب تموز 2006، وإن مدينة القصير ومحيطها حُصِّنوا بإشراف خبراء أميركيين وصهاينة، فبُنوا على طريقة القرية المحصَّنة، أو الدشمة الدائرية المغلقة، وتم استخدام أحدث الوسائل في تحقيق الشروط المثالية للقتال والدفاع.
ووفقاً للمعلومات أيضاً، فإن الخبراء الصهاينة أرادوها تجربة ميدانية مباشرة للمواجهة المقبلة مع المقاومة الإسلامية، بمعنى أنهم في إشرافهم وتدريبهم للمجموعات المسلحة في القصير استفادوا من طريقة المقاومة التي استخدمتها في عدوان تموز 2006، بحيث أن نحو ألفي مقاتل من المقاومة الإسلامية منعوا تقدم حجافل الجيش الصهيوني من التقدم أكثر من مئات الأمتار، مع العلم أن الخبراء العسكريين الأميركيين يعتقدون أن قوات النخبة الصهيونية التي شاركت في عدوان تموز 2006، من أفضل مجموعات الاقتحام في العالم، ناهيك عن اعتبار أن قوات الحرب الصهيونية تمتلك أقوى قوة نارية في المنطقة، وتُعتبر الثالثة في العالم.
على أن أشد ما يُذهل في ما توفَّر من معلومات، أن مجموعات كانت محسوبة في موقع العداء والمواجهة مع العدو الصهيوني، كان لها وجود في المشروع الشيطاني في القصير، وقدمت خبرات قتالية ولوجستية في مجال التدريب والتحصين.. وربما لهذا، كما تفيد المعلومات، كانت الولايات المتحدة وتوابعها تعتبر أن معركة القصير نقطة تحقيق النصر على الدولة الوطنية السورية، وأن الجيش العربي السوري غير قادر على ربحها، وبالتالي ستكون لمصلحة المجموعات المسلحة.. لكن النتائج الميدانية جاءت فاجعة حقيقية على رؤوس أصحاب المشروع الجهنمي والمجموعات المسلحة، وبالتالي ثمة العديد من الأسئلة بدأت تُطرح، أبرزها:
كيف استطاع الجيش العربي السوري حسم معركة القصير بسرعة قياسية لا تتعدى الـ14 يوماً؟ وهل معركة القصير ونتائجها ستحفّز لمزيد من الحسم مع المجموعات المسلحة؟
الوقائع الميدانية ببساطة تشير إلى ذلك، إذ إنه بعد كل هذه التجهيزات والتحصينات والتدريب والأسلحة المتطورة، لم تستطع المجموعات المسلحة أن تصمد أياماً في القصير، ولهذا تتسارع العمليات ضد المجموعات المسلحة في أكثر من منطقة، ووفقاً للتقديرات فإن سقوط "حربتان" و"عندان" في حلب يعني أن الريف الشمالي لحلب أصبح تحت سيطرة الجيش العربي السوري، ما يسهّل الوصول إلى مطار "منغ" وبلدات نبل والزهراء، وفك الحصار عنها، واستكمال الاندفاعة نحو حسم المعركة في محافظة حلب وريفها، ناهيك عن الانتصارات النوعية التي يحققها الجيش العربي السوري في ريف دمشق، وفي أكثر من منطقة سورية، ما يعني وفق خبير عسكري بارز، أن الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت والانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري.
أحمد زين الدين
- الثبات