بديل طرطوس... قاعدة عسكرية روسية في واشنطن دي سي
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*
إذا كان علم فن إدارة الأزمات, من العلوم التطبيقية حديثة النشأة والتطبيق, فانّ علم ما يسمى بالإنذار المبكر, من ذات العلوم الاستقرائية والبحثية حديثة النشأة, والاشتباك معها بتفاعل أيضاً, انّه علم الفن وفن العلم, ضمن الاستقرائيات لأي تداعيات أي حدث كان, وهو ليس أداة تجرح كما في علم الاستخبار.
انّه علم يركز بعمق على بؤرة الحدث أي حدث كان, إن بفعل البشر وان بفعل الطبيعة, ويسعى إلى التعرف والتمحيص في مكونات تلك البؤرة, وعمل أدائها السلوكي ومفاعيله وتفاعلاته, ثم التقاط موجات وإشارات البث المنبعثة, من نقطة المركز, ومحاولات معرفة وقراءة وفك شيفرات هذه الموجات والإشارات, ليصار إلى الوصول لمعرفة وسبر غور طبيعة وشكل السيناريو القادم, أو SCENARIO BUILDING EXERCISES , حيث تعد الأخيرة مجرد احتمال, وان كان الأخير في السياسة ليس يقيناً, لكن جل المسألة في علم الإنذار المبكر, يتيح ويسمح وضع الاستعدادات والترتيبات اللازمة, لعمليات احتواء المخاطر وتعزيز الفرص.
وتعد أجهزة الاستخبار والمخابرات المختلفة, من أكثر المؤسسات في المجتمعات المكونة للشق الديمغرافي للدول, استخداما لهذا النوع من العلم والمعرفة, وان كان أول من استخدم هذا المعرفة وعلى الفطرة في التاريخ البشري, (معرفة الاستخبار والرصد والإنذار المبكر), هو أحد ابني آدم عندما قام برصد تحركات شقيقه لقتله.
إنّ لمفاعيل وتفاعلات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري, إن لجهة العرضي منه, وان لجهة الرأسي منه, تداعيات عديدة عابرة ليس فقط لدول الجوار الإقليمي, بل للقارات التي تشكل المعمورة ككل، وبالتالي على الوضع الدولي ومدى استقراره.
وبالرغم من عمق سلّة الاحتجاجات السياسية السورية، وما رافقها من أعمال إرهابية عبر الجماعات التكفيرية من جبهة النصرة وأخواتها...الخ، والتي دخلت من جهات الأرض الأربع للجغرافيا السورية المستهدفة ونسقها السياسي, ومرور وقتا طويلاً على اندلاع شراراتها, فانّ النسق السياسي السوري ما زال متماسك, إن لجهة التماسك المؤسساتي الدولاتي للجيش العربي السوري, وقوى المخابرات والأمن الداخلي, وان لجهة تماسك الكتلة البشرية في دمشق – العاصمة السياسية, وفي جلّ الجغرافيا السورية باستثناءات هنا وهناك، مع رفض لكثير من التجمعات البشرية والمجتمعات المحلية في سورية من توفير ملاذات آمنة للإرهابيين، كما كان يحدث في بداية الاحتجاجات السياسية السورية، مع عودة التماسك الاجتماعي والسياسي في حلب (باستثناء بعض ريفها لقربه من تركيا وتأثيرات الأخيره عليه) والتفافهم حول الدولة الوطنية السورية – عاصمة المال السوري رغم ما يجري فيها من أحداث عسكرية متبادلة, وهذا وفّر للنسق السياسي السوري، القدرة الأكثر والأكبر والأقدر والأفعل, لجهة الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة, ولجهة ضبط التفاعلات الداخلية وآثارها أيضأ، فكان استعادة القصير وما حوله باشتراكات عسكرية مع قوّات حزب الله.
والتساؤل هنا في مفصلة القصير ضمن الحدث السوري المتأجّج هو:
اعادة القصير الى حضن الدولة الوطنية السورية من قبضة المعارضة المسلحة والأرهابيين، وتراجع هذه المعارضة المسلحة ثم فرارها، هل من شأن ذلك أن يقود الى تقريّب وتعجيل التدخل العسكري في سورية؟ هل هو بمثابة اطلاق رصاصة الرحمة على جنيف2 خاصة مع عودة فرنسا وبريطانيا للحديث عن السلاح الكيماوي من جديد وبقوّة؟
باعتقادي وظني وتقديري, أنّ الأثر الأممي(العدوى كنتيجة) للحدث السوري, سيقود في نهاية المطاف, إلى إعادة تشكل وتشكيل جل المشهد الدولي من جديد, والى عالم متعدد الأقطاب والنهج, في حين وبعد أن أخذت عدوى الحدث السوري, طابع إقليمي وعابر للحدود السياسية المصطنعة, ولحدود جغرافيا الطبيعة والتاريخ أيضاً, في تماثل محطاته وتساوقه, لجهة الماضي وعبر حاضرها, ومستقبلها, ونستولوجياها, فانّ الأمر كلّه بحاجة إلى عمليات استقرائية شاملة وناجعة وناجزة, توفر لصانع القرار السياسي والأمني, في ساحات دول الجوار الإقليمي – السوري, لجهة الضعيفة منها ولجهة القويّة على حد سواء, توفير قاعدة بيانات ومعلومات في غاية الدقة والضرورة, من أجل أن تحسن التصرف والتعامل, مع جلّ المشهد.
للحدث السوري عقابيل إقليمية عديدة, عرضية ورأسية وضغوط متعددة, والتساؤلات التي تفرض نفسها بقوّة, عندّ إعمال العقل في الحدث السوري:- ما هي مدايات ومساحات, قدرة ساحات دول الجوار الإقليمي السوري, من تركيا وما يحدث فيها الآن من احتجاجات، وبغداد أيضاً وأحداثها المفتعلة في الأنبار، والتي هي في معظمها أزمة سياسية شاملة مركبة بفعل الحدث السوري الراهن, إلى عمّان وبيروت وما يجري فيها من انعكاسات لسيطرة الجيش العربي السوري في الميدان، وأثره على جلّ المشهد السياسي اللبناني، والذي تمثل في تمديد لمجلس النواب لسبعة عشر شهراً جديدة, في احتجاز وصد ضغوط هذه العقابيل الإقليمية, لذات ميكانيزمات الحدث السوري؟ ما أثر تلك العقابيل على إيران ذاتها, الدولة الإقليمية الجارة والتي تدخل في حالة صراع لا تنافس مع تركيا؟ والى أي مدى تستطيع الدولة العبرية - الكيان الصهيوني – احتجاز وصد, ضغوط ما يجري في الشام عن نفسها؟!.
لا شك أنّ القوام الجيو – سياسي السوري, يمارس ويتفاعل بقوّة على مجمل, مكونات الخارطة الجيو – سياسية الشرق الأوسطية, وكما تشير معطيات التاريخ والجغرافيا, إلى أنّ تأثير العامل السوري, كعامل إقليمي حيوي في هذه المنطقة, تتطابق آليات عمله وتأثيره, مع مفهوم العامل الجغرافي الحتمي, والذي تحدث عنه جميع خبراء علم الجيويولتيك, وعلم الجغرافيا الإستراتيجية, وعلم الجغرافيا الإقليمية, وحتّى علم الجغرافيا المناخية, حيث تؤكد معطيات العلم الأخير, بأنّ الطبيعة المناخية لدول الجوار الإقليمي السوري, لن تستطيع مطلقاً الإفلات من تأثيرات العامل المناخي الدمشقي.
وبناءً وتأسيساً, على معطيات وثوابت الجغرافيا السياسية- الإقليمية ومحركاتها, فانّ استمرار ما يجري في سوريا, من احتجاجات سياسية بالمعنى العرضي والرأسي, سوف تكون مخرجاته بالمزيد تلو المزيد من عمليات التعبئة السلبية الفاعلة, إن لجهة لبنان – والكل شاهد ما جرى من اقتتال هنا وهناك - , وان لجهة الأردن (وتكفي مشكلة اللاجئين السوريين وهي مسألة رئيسية، صارت مفردة أولى ورئيسية في كل لقاءات الملك والمسؤولين، على مختلف المستويات السياسية والأمنية في الدولة الأردنية مع كل الآخر الخارجي والآخر الداخلي)،وان لجهة العراق المحتل, وان لجهة أنقرة نفسها, أضف إلى ذلك الشمال الفلسطيني المحتل – الدولة العبرية حتّى اللحظة.
إنّ الجغرافيا السورية, لها ديكتاتوريتها الخاصة, التي وهبها الله لها لجهة موقعها, دون أدنى تدخلات للأنسقة السياسية التي حكمتها, أو حتّى الحضارات التي تكالبت عليها, لذلك أبت وتأبى جغرافيا سوريا, بأنّها عصية على التجاوز والتخطي, أيّاً كان طراز الطائرات, أو السيّارات التي أقلّت وتقل, غول وأرودوغان وأوغلو احمد داوود, من تركيا إلى السعودية أو إلى عمّان أو مصر وبالعكس.
في المشهد الدولي وكما قلنا في البداية, لعقابيل الحدث السوري أثار واثارات, تقود إلى عالم متعدد الأقطاب, كون تلك العقابيل تتخطّى حدود الشرق الأوسط والشرق الأدنى, ولأنّ روسيا والصين تدركان ذلك جيداً, قادهم ذلك إلى عمليات عرقلة وإعاقة, لاندفاعات زخم الاستهداف الأمريكي – الأوروبي – بعض العربي المرتهن والخائن وهو بمثابة GAY)), لجهة سوريا ونسقها السياسي, وهذا ما لم تدركه أنقرة, بالرغم من وجود الاستراتيجيين الثلاثة في الحكم, غول, وأرودوغان, وأوغلوا احمد, في حين سعت وتسعى العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي, إلى لملمة حلفائها وقدراتها, لجهة القيام باستغلال وتوظيف وتوليف فعاليات ومفاعيل, الحدث الاحتجاجي السوري لأضعاف النسق السياسي السوري ومورده البشري، ليصار في النهاية للاحتفاظ بخصم إقليمي ضعيف, وأحسب أنّ خط علاقات واشنطن – تركيا وخاصةً بعد الأحداث الأخيرة في ساحة تقسيم, إزاء الحدث السوري تماماً هو كزواج مؤاتي MARRIGAGE OF CONVENIENCE .
المشتركات لدى جمهور الناس في العالم العربي أعتقد أنّها تتموضع في التالي:- هو أنّ الغرب يسعى الى الدفع بقوّة ازاء تفكيك سورية وجعلها دولة فاشلة، وبعدها لتفكيك لبنان لشل ايران...وبعد ذلك وفقاً للرؤية الأمريكية الصهيونية، ستكون المحطة الأخيرة الفدرالية الروسية، والجمهورية الأسلامية الأيرانية هي الخاصرة الضعيفة للفدرالية الروسية، وهذا ما تدركه النواة الصلبة والدولة العميقة في روسيا الفدرالية ومحركها وضابط ايقاعها الرئيس بوتي.
على ضوء ذريعة ذبح جندي في وولوتيش، كل بريطانيا في مزاج كامل للحرب، لذلك على الفدرالية الروسية أن لا تكتفي بتنفيذ العقود العسكرية مع سورية، لمنع أي عدوان خارجي عسكري على سورية سواءً من الغرب أو الكيان الصهيوني، فصواريخ اس 300 قد لا تكون ناجعة خاصةً وأنّ الدولة العبرية تدربت على كيفية الرد على صواريخ اس 300 اليونانية ونسخة اس 400 الروسية ما زالت قيد التطور والتطويرات والأضافات لذلك على روسيا الفدرالية أن تقول وبكل وضوح: بأنّ أي هجوم على سورية سيلقى ردّاً فوريّاً وموازياً.
وعلى موسكو أن تفعّل خطوط علاقاتها بين نواتها الصلبة والدولة العميقة في ايران، كون ذلك ناجع وناجح جدّاً كونهما تمتازان بقيادتين حكيمتين محنكتين خاصةً في ظل فقدان الولايات المتحدة الأمريكية للكثير من سلطتها السياسية ولجهة الأخلاقية منها، وكذلك لكبح جماح التوسع اللانهائي للصهيونية العالمية ومنها اعادة خلق دولة تدعي أنّ الله قد منحها اياها.
والدولة العميقة في موسكو تعلم جيداً أنّ الناتو لا يريد قاعدة روسية في مدينة طرطوس الساحلية، كون سورية تشكل مصالح استراتيجية للناتو بعيدة المدى، حيث القاعدة الروسية في شرق المتوسط تعيق توسعات للناتو عبر المتوسط وهذا خط أحمر بالنسبة لموسكو، وطرطوس السورية كميناء محمي بالقاعدة الروسية، يشكل قناة رئيسية للسفن الحربية الروسية، فما الذي ستقدمه واشنطن لموسكو بدلاً من هذه القاعدة؟ والجواب سريعاً لا شيء بالمطلق الاّ وجود قاعدة عسكرية روسية في الداخل الأمريكي وعلى أطراف العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي!
وفي هذه المرحلة الراهنة من حياة الحدث السوري، تبدو الكرة المتبادلة أو المشتركة بين طرفي النزاع في المسألة السورية والطرف الثالث كطرف حربي، أقوى من أن تقود لعقد صفقة تقضي بتشارك السلطة، فكما وصف أحد الساسة البولنديين الحالة بقوله:- الجميع عالق بسياسة الفظاعة الأخيرة في الحدث السوري ... تشارك السلطة حتّى الآن جغرافياً، بعبارة أخرى احتفاظ كل طرف بالمناطق التي يسيطر عليها الى حين.
تقول المعلومات، أنّ السبب الذي دفع ويدفع واشنطن لرفع مستوى مطالبها كشرط للمحادثات، هو تورطها بعمق وبكثير مما يبدو وعلى السطح، كون معظم صور وتجليات هذا التورط الأمريكي يمر عبر قطر، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية هي التي تحدد الأطراف التي تحصل على المال والسلاح والذي يمر عبر تركيا وغيرها من دول الجوار السوري العربي.
نعم الغرب (ومعه أمريكا) والكيان الصهيوني لا يريدان فقط اضعاف سورية، وبالتالي الأحتفاظ بخصم اقليمي ضعيف، لا بل يريدان تدمير سورية وخيارهم بذلك هي الحرب الأهلية السورية هي الخيار الأفضل لهما، وهذا من شأنه اشغال ايران كخاصرة ضعيفة للفدرالية الروسية في المنطقة، ليصار لجعل الأخيرة محطة أخرى في الرؤية الأمريكية الغربية الصهيونية.
وهنا لا بدّ من التأشير الى مسألة في غاية الخطورة وتعاني منها جلّ القارة الأوروبية الآن، ولها مشتركات مع الحدث السوري، وبصورة أوضح: انتحر دومينيك فينير في كاتدرائية نوتردام دو باري، قبل أكثر من اسبوعين وذلك في محاولة أخيرة منه لوقف تشريع فرنسي يبيح الزواج الجنسي المثلي في فرنسا، والذي كان أكثر الفريحين به هو الأستاذ الدكتور برهان غليون – الرئيس السابق لما يسمى بالمجلس الوطني السوري المعارض (حيض أنثى مزمن).
والتساؤلات التي تطرح نفسها هنا وبشكل ملح هي:-
ما هي الأرضية المشتركة وقواسمها بين تشريع الزواج الجنسي المثلي والحدث السوري؟ هل هي عقدة أرضية التدمير الذاتي التي تأكل الأخضر واليابس في أوروبا؟ هل أوروبا بدأت الأنزلاق نحو مشارف الأنحطاط؟ هل صارت أوروبا تنكر جذورها الثقافية والتاريخية مع الشرق وقلبه سورية؟ هل وصل عمق هذا الأنحطاط الأوروبي درجة اعادة انتاج الحياة نفسها؟ هل ما زال الغرب مسكون برغبة الموت الفرويدية؟.
بكل حزن نعم: فبعمى هستيري كوسيلة مفيدة وناجعة وناجزة يسعى هذا الغرب الى تدمير الأرث المسيحي، وبالتالي الأوروبي القديم في سورية قلب المسيحية في العالم، ويدمر نفسه بالطريقة ذاتها عبر مواقفه المعلنة من مؤسسة الأسرة في المجتمع(نواة المجتمع) وقضية الأيمان بالله، وبالتالي تقاطع كل ذلك مع عقيدته العسكرية والسياسية مع جل الحدث السوري.