هكذا تأسس حزب الله وهذه قصة ولادته

هكذا تأسس حزب الله وهذه قصة ولادته

كتب خضر عواركة - عربي برس

في ليلة مقمرة من ليالي شهر آب – أغسطس 1982 ، حطت طائرة مدنية في مطار مهراباد الإيراني حاملة عددا كبيرا من السياح الإيرانيين العائدين من العاصمة السورية دمشق حيث يوجد مقام السيدة زينب حفيدة الرسول .
من بين اولئك الحجاج إنسل رجل نحيف ملتح يحمل ملامح النساك وعنفوان الشباب الثوريين، خرج من المطار كأي مسافر عادي وتوجه بالتاكسي مباشرة إلى منزل أحد معارفه في طهران وهوالصحفي (م -ح) الذي كان قد عاش ردحا طويلا من الزمن في لبنان قبل إنتصار الثورة الإيرانية .
تلقى الزائر الترحيب المعتاد ما بين الأصدقاء ثم روى لمضيفه أسباب زيارته المفاجئة :
الوضع الشيعي سائر نحو أزمة وأظن بأنه حان الوقت للقيام بتحرك عاجل ولا سند لنا إلا الجمهورية ، فسوريا محشورة عسكريا في لبنان وليس لديها أكثر مما قدمته في مواجهة إسرائيل حتى الآن .
إستمع الحسيني إلى صديقه القديم حسين الموسوي وهو نائب رئيس حركة أمل التي كان يرأسها المحامي الليبرالي الشاب نبيه بري والتي كانت تضم تيارات عدة منها المتدين صاحب المشروع الأصولي الإسلامي العالمي ومنها الطائفي ذو الإهتمامات المحصورة بالمكاسب التي يمكن تحقيقها محليا للطائفة الشيعية في أي تسوية محتملة بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان.
كان حسين الموسوي واحدا من أقرب المقربين إلى السيد موسى الصدر رجل الدين الإيراني الذي أسس حركة المحرومين – أفواج المقاومة اللبنانية التي عرفت فيما بعد بحركة أمل.
إختفى السيد موسى الصدر في ظروف غامضة مع رفيقيه خلال زيارة سياسية قام بها إلى ليببيا في العام 1978 بدعوة من معمر القذافي . فإختلفت الكوادر الأساسية في حركة أمل مع بعضها بعضا حول الخيارات الكبرى ومنها موقف الحركة من الثورة الإيرانية ومن الهدف النهائي للنضال ، هل التمثل بإيران والسعي لإنشاء جمهورية إسلامية في لبنان هو خيار الشيعة في لبنان أم الرضوخ للواقع المحلي والإكتفاء بالسعي لتحسين شروط مشاركة الشيعة في حكم لبنان؟
إختلفت الخيارات بين التيارات التي جمعها الصدر تحت عبائته منذ عاد إلى لبنان من إيران التي هاجر إليها أجداده قبل قرن على وجه التقريب، والتي ولد فيها وتعلم في حوزاتها كرجل دين ثم إلتحق بجامعة طهران كأول طالب معمم في الخمسينيات ثم إنتقل إلى لبنان ليستقر فيه بناء لرغبة نسيبه العلامة عبد الحسين شرف الدين وهي رغبة كتبها في وصيته ، شرف الدين هو أحد الزعماء التاريخيين للشيعة اللبنانيين على الصعيد الديني.
إستمع (م ح )إلى حديث الموسوي بإهتمام ثم إنتقل بصحبته إلى منزل رئيس مجلس لشورى الإيراني الشيخ هاشمي رفسنجاني.
أبدى رفسنجاني رغبته في مساعدة الموسوي ولكنه لم يعرف بالضبط ما هو نوع المساعدة المطلوبة ، فالزائر هو نائب رئيس الحركة الشيعية الرئيسية في لبنان والتي يقوم رئيسها بما يشبه التفاعل مع الهزيمة من خلال مشاركته في لجنة طائفية تضمه الى الياس سركيس رئيس الجمهورية انذاك في لبنان ووليد جنبلاط ممثلا الحركة الوطنية و قائد القوات اللبنانية الحليفة لإسرائيل في غزوها للأراضي اللبناني والذي فرضته إسرائيل بالقوة فيما بعد رئيسا للجمهورية في لبنان.
سأل رفسنجاني الموسوي: " هل تريدون منا أن ندعم إنقسام حركة أمل وبالتالي الشيعة في لبنان" ؟؟
وإذ نفى الرجل رغبته في التسبب بفتنة أهلية بين الشيعة شرح لرفسنجاني أنه يريد أن يقاتل إسرائيل ولا إمكانيات عسكرية ملائمة لديه ، وأضاف "بأن الخيارات السياسية بين قيادة أمل وبين تيارات إسلامية داخل وخارج أمل وصلت إلى نقطة الطلاق. فإما أن نبقى داخلها ونتحمل مسؤولية الموقف التاريخي بالرضوخ للإحتلال، وإما علينا الخروج من أمل والتوجه فورا لقتال إسرائيل، وهو ما فعلناه حتى الآن ولكن قدراتنا التسلحية والمالية صغيرة ولهذا نحتاج للدعم الإيراني.
إنتقل الضيف والمضيف إلى منزل صاحب الحل والربط في القضايا المصيرية في إيران ، دخل الرجلان على آية الله الخميني في ساعة متأخرة من الليل فإستقبلهم قائد الثورة الإيرانية على عجل .
كيف يمكن أن ندعمكم سأل الخميني زائره ؟
شرح الموسوي للخميني الوضع السياسي والعسكري في لبنان من كل جوانبه ، ثم طرح عدد من الخيارات التي يمكن من خلالها لإيران تقديمها للبنان لمساعدة الفلسطينيين واللبنانيين الذين كانوا محاصرين في بيروت الغربية من قبل القوات الإسرائيلية .
كانت إيران في حالة حرب كارثية مع العراق (1980-1988 ) وبالتالي فالطريق البرية بين إيران ولبنان عبر سوريا والعراق ليست متاحة أم القوات الإيرانية ، والحال كذلك فلم يبقى إلا الجو، لذا أمر الخميني بإقامة جسر جوي بين إيران وسوريا لتعذر الوصول إلى مطار بيروت الذي كان تحت السيطرة الإسرائيلية .
كان الإيرانيون بالفعل يساعدون الفلسطينيين واللبنانيين بالسلاح والمال منذ إنتصار ثورتهم على الشاه في العام 1979 ، ولكن مدخلهم إلى لبنان كان يمر عبر حركة فتح مباشرة، حتى في أحلك ظروف العراك الفلسطيني الشيعي .
بالطبع كانت لإيران الثورة علاقات دينية وعسكرية مع حركة أمل الفصيل الشيعي الذي يعاني من توترات خاصة مع إيران، بسبب رفض القيادة ممثلة بنبيه بري لعقيدة ولاية الفقيه التي تعني دينيا أن على الشيعي المؤمن المتدين أن يتبع في ممارساته السياسية أوامر مرجعه الديني ، وفي حالة الخميني فقد جمع مرشد الثورة ما بين كونه زعيما للثورة الإسلامية في إيران، التي طرحت نفسها ثورة عالمية إسلامية تهدف لتحرير العالم الإسلامي من براثن الإستكبار الدولي، وبين كونه "مرجع تقليد" من بين عدة مراجع للتقليد عند
الشيعة

من منطلق هذه النظرة الدينية إلى الخميني بوصفه مرجع تقليد شيعي لا زعيما إيرانيا، سافر حسين الموسوي إلى طهران للقاء الخميني، فهو كان كما تيار كبير داخل الطائفة الشيعية من مقلدي الخميني دينيا، وكلمة التقليد تعني الرجوع في المسائل الدينية إلى تفسيرات عالم دين بلغ مستوى القدرة على الإجتهاد الديني عبر تقديمه تفسيرات تناسب الشريعة لمسائل يومية مستجدة في حياة المؤمنين الشيعة.
على سبيل المثال فالموقف من التبرع بالأعضاء والموقف من الإستنساخ البشري لم يكن مطروحا في زمن النبي ولا في زمن خلفائه ، لذا كان على المراجع الدينية الشيعية ومنها الخميني تحديد موقف المؤمنين منها.
وفي حالة الإجتياح الإسرائيلي للبنان كان المتدينيين الشيعة يتطلعون إلى مراجعهم الدينيين ليبينوا لهم واجباتهم الدينية في هذا المجال .
كان بإمكان الخميني أن يأمر مقلديه اللبنانيين بعدم وجوب القتال ضد الغزو الإسرائيلي لفارق القوة والإمكانيات ما بين الطرفين،(ولا ترموا بانفسكم الى التهلكة) ولكنه بدلا عن ذلك قال للموسوي ما قاله لمجموعة قيادات لبنانية (مؤسسي حزب الله) التي زارته فيما بعد في حسينية جمران وهي التي تمثلت فيها كل التيارات التي نتج عن توحدها ما يعرف اليوم بحزب الله لبنان:
قال الخميني " واجبكم الديني أن تقاتلوا الإحتلال الإسرائيلي ولو بأظافركم ونحن في إيران سنقف خلفكم ومعكم بكل إمكانياتنا "
خرج الموسوي من عند الخميني وعاد إلى لبنان مباشرة حيث كان مقره في البقاع الشمالي وأعلن على الفور خروجه من حركة أمل معلنا قيام حركة أمل الإسلامية بقيادته كتنظيم مقاوم وسرعان ما إنضم إليه عشرات الكوادر وآلاف المقاتلين من عناصر حركة أمل وخاصة في البقاع .
أما في الضاحية الجنوبية وفي الأحياء الشيعية لبيروت فقط تبين أن لنبيه بري شعبية غير قابلة للإختراق .
مع وصول القوات الإسرائيلية إلى مشارف الضاحية الجنوبية حيث معقل أمل، أمر نبيه بري عناصر الحركة التابعين له بعدم القتال حفاظا على أرواح المدنيين. معلنا في تصريح له وقوفه مع الثورة الفلسطينية حتى آخر رصاصة دفاعا عن بيروت، مؤكدا أن الخلافات القديمة بينه وبين منظمة التحرير قد إنتهت إلى غير رجعة .
في الجنوب اللبناني بدا أن الأمر إستتب للمحتلين، خاصة حين فرقت إسرائيل ما بين عناصر امل وما بين المنتمين لأحزاب اليسار وللمنظمات الفلسطينية، فقد سمحت إسرائيل لعناصر أمل بالبقاء في مراكزهم بشكل علني، وبعضهم كان مسلحا، ولكنها لاحقت وإعتقلت وسجنت كل من إشتبهت بإنتمائه إلى اليسار وإلى فصائل منظمة التحرير .

لكن هذا الأمر لم يستمر سوى بضعة أسابيع حيث تبين للجيش الإسرائيلي المحتل أن عناصر من حركة أمل كانوا يقفون وراء هجمات شنت ضد قواتها ودورياتها في وقت مبكر من خريف العام 1982 .
الواضح أن بري سياسي محنك له مواقف عدائية ضد إسرائيل لا تختلف عن مواقف معارضيه الذين إنشقوا عن قيادته ، ولكن طريقته في إتخاذ القرار بالقتال أو بعدمه في مواجهة التقدم الإسرائيلي لم تكن تخضع للمعايير الدينية المبدأية بل لمعايير المصلحة السياسية ولحسابات دقيقة من وجهة نظر سياسية و لا منطلقات ولا ضوابط أصولية دينية تحد من أفق التكتيك واللعب السياسي في تفاصيلها .
شاركت أمل في قتال إسرائيل شعبيا وعسكريا من خلال المقاومة المسلحة في جنوب لبنان وأظهر بري حسا إعلاميا عاليا مكنه من تأكيد زعامته الشيعية من خلال قيادة أمل للمواجهة الشعبية ضد الإحتلال في قرى تدين لها بالولاء في الجنوب اللبناني، وهو أمر أظهر أن مواقف بري خلال صيف 1982 لم تكن إستسلاما لإسرائيل كما إعتقد رفاقه السابقين بل كان تكتيكا سياسيا لإلتقاط الأنفاس.
سيطر المنشقون عن حركة أمل على مركزها في البقاع حيث التواجد الشيعي الكثيف وأما في بيروت والضاحية فقد دانت مراكز أمل كلها لنبيه بري إلا أن الأوساط الشيعية المتدينة كانت تضم إضافة إلى عناصر بقيت وفية لقيادة حركة أمل مئات ممن يعرفون بلجان العمل الإسلامي ومتعلمون من تنظيم طلابي يسمى إتحاد الطلبة المسلمين وهما تنظيمان نخبويان دينيان شاركت عناصرهما في قيادة العمل المقاوم وفي تأسيس حزب الله .

بعد ساعات من إقلاع الطائرة التي أعادت حسين الموسوي إلى دمشق في طريق عودته إلى البقاع الذي كان تحت السيطرة العسكرية السورية، أمر آية الله الخميني قائد فرقة محمد رسول الله بالإستعداد للإنتقال إلى لبنان مع عناصر النخبة من فرقته إلى لبنان عبر دمشق وذلك لتقديم الدعم المعنوي والتسليح والتدريب لمن يرغب بقتال إسرائيل من اللبنانيين (ثمانيمائة عنصر ) .
كانت تلك الفرقة واحدة من أشد الفرق الإيرانية مراسا بحرب العصابات وإشتهرت بقيامها بعمليات خلف خطوط الجيش العراقي خلال إحتلاله للأراضي الإيرانية بداية حرب الثماني سنوات بين البلدين.
وحين إستغرب قائد الفرقة أحمد متوسليان (أحد الديبلوماسيين الأربعة الذين إختطفوا في لبنان صيف العام 1982 على يد القوات اللبنانية الحليفة لإسرائيل ولم يعرف مصيرهم حتى اليوم ) كيف أن عليه مواجهة الغزو الإسرائيلي بثمانيمئة عنصر فقط جاء جواب الخميني :
"ليس علينا أن نقاتل بدلا عن اللبنانيين فهم وحدهم من يستطيعون هزيمة إسرائيل ، واجبكم يتمثل في تدريبهم أحسن تدريب وتزويدهم بكافة إحتياجاتهم المادية والعسكرية والروحية ونقل خبراتكم الميدانية إليهم وشرح أهمية الإلتزام بالثقافة الإسلامية الحسينية الكربلائية في مسار جهادهم ، فوحدها ثقافة الإستشهاد هي التي يمكن أن تهزم الإمكانيات المادية الضخمة للمستكبرين الذين يوفرون كل شيء للكيان الصهيوني".
.
يتبع

الحلقة الثانية : www.arabi-press.com/

» ضباط من «حزب الله» في العراق.. وهذه هي مهمتهم
» هكذا حسم «حزب الله» في المليحة وضرب في كسب‎
» هكذا يُسخن «حزب الله» الجبهة مع «إسرائيل»
» هكذا منع حزب الله حمّام الدم في البزالية
» هكذا انتقم حزب الله لضحايا التفجيرات