إيران و العين الحمراء




أحمد الحباسى تونس


لا تربطني “علاقة” بالثورة الإيرانية ، و لا أجد حرجا في القول أنني لست معجبا كثيرا بالثورة الإسلامية في إيران ، المسألة لا علاقة لها بالتعصب ، و لا بحب الاختلاف ، لان إيران أولا و أخيرا دولة إسلامية ، لها محاسنها و مساوئها ، بل المشكلة تتعلق بكوني أريد أن أترك دائما مسافة بين العقل و العاطفة في تقييم الأشياء ، أن يكون القلم غير خاضع إلا للوقائع و ما يحدث ، دون السقوط في حالة الزواج العرفي مع هذا النظام أو ذاك.

ما يهمنى إيرانيا أن هذه الدولة ، و هذا النظام ، يصنعان ما عجزت كل الأنظمة و الدول العربية على انجازه طيلة عقود من الزمن ، و إذا خانكم الحدس لفهم ما أقصد ، فبالتأكيد أعنى فرض احترام العالم ، و كل من يتعاملون مع النظام الإيراني يدركون أنهم أمام نظام مختلف عن أغلب النظم العربية المنبطحة القابلة بالشحط و التقريع كالأطفال الصغار ، نظام من الممكن أن لا تحبه لكن ليس بمقدورك أن لا تحترمه ، في حين أن بعض الأنظمة العربية لا تقدر حتى على مجرد رفع عينيها أمام شرطي المنطقة إسرائيل ، فما بالك بإيتاء هذه الفعلة الغبية أمام الشيطان الامبريالي الأكبر في العالم .

إيران دولة قوية تريد أن تلعب دورا محوريا في المنطقة ، هذا أمر لا نزاع فيه ، و القوة الإيرانية ليست مجرد دعاية ، أو مجرد استنتاجات بعيدة عن الواقع ، فنحن أمام قوة صاعدة في المنطقة بكل المقاييس ، و نحن أمام إستراتيجية اقتصادية ، عسكرية ، ثقافية ، إعلامية تريد أن تصنع إيران جديدة بمواصفات “عالمية” ، و ليست بمواصفات ” خليجية” ، و نحن أمام عقول متميزة بصدد صنع المستحيل في كل المجالات ، لذلك ليس مفاجأة أن يقدم العقل الإيراني للعالم كم من البحوث و الاكتشافات العلمية القيمة في السنة ، و ليس مفاجأة أن يستعيض النظام بسبب العقوبات الاقتصادية المنهكة ( بكسر الهاء ) بإبداعات العقل الإيراني لصنع ما تحتاجه إيران في كل المجالات الحيوية ، و ليس مفاجأة أن يسقط مفعول العقوبات الاقتصادية الظالمة أمام انجازات الشعب الإيراني.

أحب من أحب ، و كره من كره ، عربا و عجما ، فإيران ستصنع قريبا قنبلتها النووية ، بعد أن حقق علماءها اكتشافات مذهلة في هذا الميدان ، و امتلكوا بالمناسبة كثيرا من الخبرات المتقدمة في هذا المجال المحظور على الدول النامية ، و بالأخص الدول العربية و الإسلامية ، و لمن لا يدرك معنى هذا الانجاز و انعكاساته على إيران ، و على المنطقة ، يكفى أن نقول أن إيران نووية ، إيران في النادي النووي ، ليست إيران الدولة التي لا يحترمها البعض ، بل إيران التي يحسب لها ألف حساب ، و إيران التي لا يتكلم معها العالم إلا بلغة الاحترام برغم حالة الكراهية الخفية من الطرفين ، و حتى نفهم أكثر ، و نوسع دائرة الجدل ، فبإمكاننا القول أن إيران النووية ستفرض إرجاع الجولان السورى ، و الأرض الفلسطينية ، و ما تبقى من الأرض اللبنانية المغتصبة بدون إراقة قطرة دماء واحدة ، و بدون إطلاق رصاصة واحدة ، يبقى استرجاع الأرض السعودية المحتلة ، برسم أصحاب السمو و المعالي و الفخامة في الجامعة العربية ، برسم مشروع ” التوسل” القطري ، برسم نفوذ بندر بن سلطان.

يتحدث بعض من قضى عمره في التضليل و الضلالة ، عن المخاوف من إيران ،عن البعبع الإيراني ، عن التمدد الشيعي ، عن الخطر الإيراني ، دون أن يستشعروا أن هذا الدجل الجدلي هو من يزيد في تقدم إيران ، و يعطيها الوقت اللازم للوصول إلى أغراضها في كل المجالات ، لان البكاء و العويل ، و تخزين الأسلحة ، و التنديد و الوعيد ، و لوائح الشتم ، و اختلاق المشاكل و أسباب الخلاف ، كلها لم تؤدى بأصحاب النفوس المريضة في الخليج إلا لمزيد من الخسائر و كثير من أوجاع الرأس ، ولأنها أقلام بطيئة التفاعل مع الأحداث ، مقيدة بالفكر الصهيوني ، منفذة للأجندة الأمريكية في المنطقة ، فهي غير قادرة على بسط أفكار مميزة ، تساهم فعليا في عملية التقارب بين الأنظمة العربية ، و بين النظام الإيراني ، و تفرض نسقا تصاعديا لهذا التقارب ، باعتباره خيارا استراتيجيا عربيا ، ينزع عن المنطقة العربية كل أسباب التوتر ، و يسقط هذا الكم الهائل من الاتهامات الانفعالية المفتعلة ، و يرسخ في الأذهان أن المصير واحد مشترك ، و أن أمن المنطقة لا يكون بتكديس الأسلحة الغير نافعة ، بل بتكديس مفاهيم الود و التقارب ، و استثمار هذه الأموال النفطية في تصحيح الاقتصاد العربي المتهالك ، و في تقليص الهوة الوجدانية بين كل الأطراف ذات العلاقة، لان الخاسر الأكبر هم العرب .

لنفترض جدلا أن لإيران أطماع في الخليج ، و أنها سبب كل الأوجاع و الهموم العربية ، لنفترض أن إيران هي من تقوض السلم في المنطقة ، لنفترض أنه لم يعد في المنطقة من جواسيس إلا جواسيس إيران ، لنفترض أن إسرائيل قد استعصت على العرب بسبب إيران ، لنفترض أن ما يحدث في المنطقة العربية هو خربطة إيرانية ، لنفترض أن إيران هي من يمول الإرهاب في العراق ، لنفترض أن تحليق الطيران الصهيوني يوميا في سماء لبنان هو رد على إيران ، لنفترض و نفترض ، لكن لنتساءل بهدوء ، لماذا لا نسلط كل هذه الاتهامات بالتساوي على إسرائيل ؟ لمــاذا نغالي دائما في نقد إيران و نتمسح مع إسرائيل ، لماذا نقدم كل ” المغريات ” و التنازلات للصهيونية ، و نربأ أن نقدم ربعها لدولة إسلامية ؟ لماذا نطبع مع إسرائيل و لا نطبع مع طهران ؟ لماذا نجد قواسم مشتركة مع التطرف الصهيوني ، و لا نجد نفس القواسم مع الفكر الشيعي الإيراني ؟ لماذا وصل العداء حد اعتبار إسرائيل هي الصديق و إيران هي العدو ؟ من يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ، أن هذه الأنظمة العميلة المتهالكة المعروفة بعدائها للقومية العربية و للمصالح المشتركة لا تسيرها مصلحتها الذاتية بل المصلحة الصهيونية المعادية لإيران ، من يقول أن إيران هي المذنبة المتسببة في حالة الجفاء ؟ من يطلعنا على السر الدفين ؟هل نحتاج انتظار بعض الوقت حتى تكشف وثائق ويكيليكس المستور في العلاقات الخليجية الإيرانية ؟ من يؤكد أن هذه الأقلام ليست أقلاما مأجورة مهمتها التصويب على كل نافذة إيرانية تفتح في وجه أي نظام عربي ؟ من يأتينا باليقين ؟.

يعلم الجميع ، بما فيهم الأقلام إياها ، أن نظاما لم تحرك سواكنه كل القرارات الدولية المتعاقبة ، و العقوبات الظالمة ، و كل حملات التشويش و التشويه ، لا يقدر عليه أزلام النظام العالم الآيل للسقوط بمجرد انتصار سوريا القادم ، و لن تقدر عليه أكداس الأسلحة بلا ” طعم و لا رائحة ” التي يجمع أهل الاختصاص أنها مخزنة لحرب لن تقع ، ليس بسبب رصانة عقول الخليج ، بل بسبب كونها أسلحة بيعت لنظم صبيانية سفيهة غير قادرة على التمييز بين ” الكلاش ” و الار.بى.جى ، أنظمة يتربح رموزها من هذه الصفقات ( صفقات فضيحة اليمامة الشهيرة على سبيل المثال ) ، أنظمة ستفر مع أول طلقة ، كما فر من قبل ، من نعرف ، بمجرد أزيز الدبابات العراقية عام 1990 ، لذلك نفهم بداهة ، أن الدول ذات العلاقة لا تريد إيران ، لا تريدها نووية ، لا تريدها مقاومة ، لا تريدها إلى جانب سوريا ، لذلك نفهم أيضا سر هذا التقدير الغربي لإيران رغم كل المشاكل و المصاعب بين الطرفين ، لان العقل الإيراني استطاع تحقيق ما عجز عنه العقل الخليجي ، و بين من ينظر إليه كعدو محترم و بين من ينظر إليه كشريك عميل هناك فرق يصل إلى الفرق بين الثرى و الثريا.
خاص بانوراما الشرق الاوسط نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية