دام برس:
نجت المملكة الأردنية حتى الآن من العاصفة السياسية التي اجتاحت دولاً كثيرة في الشرق الأوسط منذ أواخر عام 2010. ومع ذلك فمن الممكن أن تتحول العديد من التحديات التي تطفوا الآن على السطح إلى تهديدات خطيرة تعصف باستقرار المملكة الهاشمية. فمع كون الثقافة السياسية الأردنية -- المعتدلة وغير المؤدلجة والمناوئة للثورات -- عاملاً مخففاً قوي التأثير، إلا أن مخاطر عدم الاستقرار الداخلي الحاليهي أكبر من أي وقت مضى. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن ثمة تغيير سياسي ممنهج يأتي نتيجة لوضع عدم الاستقرار والعديد من التحديات القائمة و التهديدات الخطيرة ستعصف باستقرار المملكة.
والذي ربما ينتج عنه على سبيل المثال تنازل العاهل الأردني الملك عبدالله أو إسقاطه أو قيام نظام ملكي معدل بشكل جذري أو زوال الملكية وتحولها إلى نظام حكم مناهض للغرب -- قد يؤدي إلى سياسات أردنية معادية لمصالح الولايات المتحدة.
وفي ضوء التوجه الاستراتيجي للأردن الداعم للغرب والتزامها بالسلام مع إسرائيل والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والأمن، فإن للولايات المتحدة مصلحة قوية في مساعدة عمَّان على إدارة التغيير الذي من المحتمل أن يؤدي إلى زعزعة استقرارالبلاد. كما أن حالة عدم الاستقرار في الأردن ليست بأي حال من الأحوال أمراًحتمياً، وأنه إذا ما تم الآن اتخاذ خطوات حكيمة فمن الممكن منع حدوث تطورات غير مرغوب فيها.
الاحتمالات
يواجه الملك عبد الله مجموعة من التحديات الخارجية والداخلية المتزايدة. وتتمحورالمصادر الخارجية الرئيسية لعدم الاستقرار في الآثار غير المباشرة للحرب الدائرةعلى الأراضي السورية والتي من بينها احتمالية التورط في اشتباكات عسكرية على المناطق الحدودية، وظهور التطرف السلفي، والتكلفةالباهظة للأعداد الكبيرة والمتزايدة للاجئين، والتدخل الممكن للحركات الإسلامية من الدول الإقليمية الأخرى داخل الأردن. وتشمل المصادرالداخلية لعدم الاستقرار ارتفاع السخط الشعبي الناتج عن إجراءات تقشف اقتصادية، وإصلاحات سياسية غير كافية إلى جانب التسامح الحكومي المتصورتجاه الفساد فضلاً عن الثقة المتنامية في جماعة «الإخوان المسلمين» في البلاد والحركة السلفية الصاعدة. وفي الوقت الذي تشكل فيه التهديدات الخارجية تحديات كبيرة للنظام، إلا أن الخطر الأكبر هو عندما تتبلور هذه التهديدات أو تزيد من حدة عدم الاستقرار الداخلي. وفيما يلي ثلاث سيناريوهات هي الأكثر توقعاً في هذا الصدد:
اندلاع انتفاضة في عمَّان على غرار "ميدان التحرير"، [تحويل البلاد إلى] مسرح للضغط الممارس من قبل الإسلاميين على النظام الملكي، وحدوث انشقاق في قاعدةالدعم الأساسية للنظام في الضفة الشرقية.
"ميدان التحرير" في عمان
تحولت حالة الإحباط المتزامنة مع الإصلاح السياسي البطيء إلى مظاهرات حاشدة لا يستطيع النظام احتواءها دون اللجوء إلى مستويات غير معهودة من استخدام القوة ضد المواطنين العزل في أغلب الأحوال. وتشمل المثيرات المحتملة الغضب الشعبي من عملية الإصلاح التي تسير بخطى بطيئة، أو حالة الاستياء من حكومة مليئة بنخب حاكمة فاسدة، أو المشهد العام الفظيع بصفة خاصة من فساد ملكي يذهب دون عقاب.
وهذا السيناريو يتصور تزايد المظاهرات التي يحركها التآكل التدريجي والمطرد للدعم الذي يتلقاه الملك وربما النظام الملكي نفسه. وقد غطى المشاركون مساحة كبيرة من النشطاء في الأردن (نفسهم شريحة صغيرة منإجمالي عدد السكان) ومن بينهم: الفلسطينيين غير الممثلين بشكل جيد والإسلاميين الذين عانوا طويلاً وربما أردنيو الضفة الشرقية ذوي الأصول القبلية الذين فقدوا الثقة في قدرة الملك عبد الله على تحسين الاقتصاد، الحكم بشفافية، أو تقديم الرعاية على المستويات التقليدية. وتحت ضغط عدم استخدام القوة واقتسام العديد من المظالم المماثلة، قد ينهار الجهاز الأمني التابع للملك.وقد تكون النتيجة هي قبول العاهل الأردني للتغيير السياسي الجذري (على سبيل المثال قيام ملكية دستورية على النمط الأوروبي)، أو تنازل عبد الله عن العرش، أوإسقاط الملكية وتأسيس الجمهورية.
إلا أن احتمالية حدوث هذا السيناريو تبدو ضئيلة لأن غياب الإصلاح السياسي هوليس الشكوى الرئيسية في الأردن ولا هو الذي يوحد المعارضة. فالسخط الشعبي لايركز فقط بشكل أكبر على الاقتصاد الهش وفكرة انتشار الفساد، ولكن الإصلاح السياسي يسلط الضوء على العداء المتجذر بين أردنيو الضفة الشرقية والفلسطينيين. وعلى أي حال، فإن الإصلاح الحقيقي -- بمعني التمثيل الديموغرافي العادل في الانتخابات الوطنية -- سيضعف من الدور المميزلأردنيي الضفة الشرقية بما في ذلك حالة الأجهزة الأمنية المؤلفة بصورةمكثفة من القبائل في الأردن فضلاً عن التمكين السياسي للأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية. ومن غير المرجح أن يؤدي غياب الإصلاح السياسي وحده إلى قيام معارضة كبيرة مناهضة للنظام.
مسرح للضغط الممارس من قبل الإسلاميين على النظام الملكي
في أكثر السيناريوهات اعتدالاً، وبعد عقود من العلاقة التي تبدو غير واضحة مع النظام، تستفيد الحركة الإسلامية الأردنية من النجاحات الإسلامية في البلدان المجاورة للأردن لتتحدى بشكل مباشر النظام الملكي الهاشمي بهدف تحويل الأردن إلى دولة إسلامية الأيديولوجية. وتندلع احتجاجات واسعة في عمَّان والزرقاء وإربد وغيرها من المناطق التي توجد فيها تجمعات كبيرة من الفلسطينيين، الذين يُعتبرون قاعدة الدعم الرئيسية للحركة الإسلامية في الأردن. و من الصعب إخماد الاشتباكات مع قوات الأمن دون وقوع خسائر كبيرةفي الأرواح وجذب مقاتلين أجانب إلى الأردن من سوريا ومصر والعراق،الأمر الذي يؤدي إلى قيام صراع من أجل بقاء النظام. وسوف تتحدد طموحات الإسلاميين في الأردن