الإخوان المسلمون من المعارضة إلى السلطة اريك تراجر

الإخوان المسلمون من المعارضة إلى السلطة اريك تراجر

خلال العقد الذي أعقب هجمات الحادي عشر من أيلول، غالباً ما أدى بحث المحللين الغربيين عن بديل إسلامي معتدل لنظيم القاعدة إلى إرشادهم نحو جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تصريحاتها الرافضة للإرهاب.
واعتناقها السياسات الانتخابية مغرية. وبالتالي، فإن الكثير من الأدبيات التي نتجت عنها والتي روجت للفكرة المفترضة بأن الإخوان جماعة "ديمقراطية" و "تنبذ العنف" بطبيعتها، قد تركت جميعها المجتمع الدولي غير مستعد تماماً للواقع غير الديمقراطي والعنيف للغاية الذي يتجلى الآن في حكم الإخوان المسلمين لمصر.
ومع ذلك فلحسن الحظ لم يسِر جميع المحللين وراء هذه الأوهام. ففي ثنايا كتابها الرائع المعارضة إلى السلطة، تعرض أليسون بارجتر جرعة من الواقعية نحن في أمس الحاجة إليها، حيث توازن أليسون في بين ما يخرج عن الإخوان من تأكيدات نبيلة وبين ما يقومون به من تصرفات عدائية. في مصر وما تلي ذلك من انتشار في الشرق الأوسط وأوروبا، تُصور بارجتر منظمة تواجه مأزق مستمر بين توسيع قاعدته عبر مد جسور التواصل مع الآخر أو ترسيخ قاعدته من خلال نهج أكثر تشدداً
ويرجع هذا المأزق إلى العقود الأولى من نشأة الإخوان المسلمين فوفقاً لما ذكرته بارجتر، فإن المرشد العام المؤسس حسن البنا فقد كافح للتوازن بين الانخراط مع المؤسسة الحاكمة
في مصر وبين إرضاء تابعيه". وفي هذا السياق، فإن التنازلات العديدة التي قدمها البنا للسلطات مثل دعمه على مضض "المعاهدة البريطانية المصرية" 1928 التي أعطت شرعية للوجود البريطاني في مصر قد أدت إلى استياء كبير بين عدد من أشد المتحمسين من أعضاء . الجماعة
ولترويضهم سمح البنا بإنشاء تنظيم داخلي شبه عسكري عرف باسم "التنظيم السري" الذي عبر عن التزام المنظمة بالجهاد وشارك في العديد من أعمال العنف السياسي. وتشير بارجتر، وهي إلى أن هذا القرار يطعن في وجهة النظر الشائعة بأن البنا يعتبر "منارة الاعتدال" ذلك لرغبته المستمرة في ضم المزيد من العناصر المقاتلة في داخل حركته كما أنه كان خطأ فادحاً: فبعد شهرين من قيام أحد شباب بإطلاق الرصاص على رئيس الوزراء محمود النقراشي وأدى إلى مقتله، فإن البنا نفسه قد اغتيل في شباط 1949
كما أن فكرة تفوق متطرفي الجماعة على مفكيرها الإصلاحيين يكرر نفسه بصورة دائمة في سرد بارجتر وإن كان في صور مختلفة. على سبيل المثال في خمسينيات القرن العشرين نجح أعضاء من "التنظيم السري" في إحباط محاولة "المرشد العام" الثاني حسن الهضيبي بحل الجهاز شبه العسكري. وفي النهاية أسفر موقف الإخوان المواجه لنظام عبدالناصر الصاعد والذي كان يعارض ما جُبل عليه الهضيبي من نزعات أكثر تصالحية، عن اتخاذ إجراءات صارمة بشكل واسع طالت العديد من قادة التنظيم سواء كان ذلك بالحبس أو النفي.
وفي التسعينيات، عارض قادة الإخوان المتشددون الذين كان العديد منهم من أقطاب "التنظيم السري" مطالبات شباب بالانخراط بشكل أكبر في اتخاذ إجراءات لا تتشبث الجماعة بالفكر والأيديولوجية الإسلامية وإجراء انتخابات داخلية
وعندما رد شباب الإخوان بإنشاء حزب سياسي خاص بهم أطلقوا عليه اسم "الوسط"، قامت الجماعة في نهاية المطاف بفصلهم.
وفي وقت لاحق عندما رفض إصلاحيو الجماعة مسودة "برنامج" عام 2007 الذي نص على منع المرأة والأقباط من الترشح للانتخابات إلى جانب نصوص أخرى مثيرة للجدل، قام متشددو الجماعة بفصل أحد كبار إصلاحيي المنظمة من "مكتب الإرشاد" وتركيز قيادتها على ما يسمى بالتيار القطبي.
وهذا لا يعني أنه كانت للراديكاليين دائماً اليد العليا في الجماعة وافق "المرشد العام" عمر التلمساني على طلب الإصلاحيين للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، وتسقت مع أحزاب غير إسلامية خلال المعترك الانتخابي عامي 1984 – 1987 . إلا أن بارجتر تشير إلى أن هذه الفترة
تصادفت مع الإجراءات القمعية التي تبناها نظام مبارك والتي أرسلت العديد من متشددي الإخوان إلى المنفى. في أوائل التسعينيات عادت وعندما عادت هذه الرموز عادت الجكاعة بسرعة إلى سابق عهدها.
يشوب الفروق بين "الإصلاحيين" و"المحافظين" نوع من الضبابية لأنهما لا يختلفان في الأساس إلا في الأساليب والتكتيكات. وفي واقع الأمر في ثنايا السرد الذي قامت به بارجتر، يسعى "الإصلاحيون" إلى المشاركة السياسية المباشرة ويرغبون في الانخراط مع غير الإسلاميين لتوسيع قاعدتهم. وعلى النقيض من ذلك يتخوف "المحافظون" من أن هذا النهج سيقلل من المصداقية الإسلامية للجماعة ومن ثم سيقوض من تكاملها التنظيمي. ومع ذلك يشترك كلا الاتجاهين في نفس الرؤية الأيديولوجيةهم يسعون إلى أسلمة المجتمع كخطوة أولى نحو تأسيس الدولة الإسلامية وفي النهاية تكوين "دولة إسلامية عالمية" وفقاً لما ذكره نائب "المرشد العام" خيرت الشاطر.
ومع ذلك وعلى الرغم من استمرارها لحوالي خمسة وثمانين عاماً، لا تزال الأيديولوجية التي تتبناها الجماعة غامضة بشكل ملحوظ. وكما تشير بارجتر بشكل صحيح، لم ينبع عن سوى "مفكر حقيقي" واحد وهو المُنظِّر الراديكالي سيد قطب بينما لم يترك المرشدون الأعلى بما فيهم حسن البنا إلا قدراً ضئيلاً من الأعمال الأدبية. وتكتب بارجتر "غياب التفاصيل ما هو إلا وسيلة متعمدة لحماية الإخوان من التحزب.
ومع هذا، فكلما أجبرت الظروف على توضيح مواقف معينة، فإن الإخوان عادة ما تبنوا مواقف متشددة الإخوان وكما تلاحظ بارجتر، أن جماعة الإخوان المسلمين دعمت التفجيرات الانتحارية التي استهدفت الأمريكان في العراق وتلك التي استهدفت الإسرائيليين وتعتقد أن الشريعة ينبغي أن تسبق الحريات الفردية وتروج لعدم التسامح مع غير المسلمين بالإضافة إلى الشيعة وبعبارة أخرى، فإن المحتوى الأيديولوجي للجماعة بقدر ما هو معروف الآن هو عبارة عن سلسلة من الأفعال التلقائية المحرضة للجماهير، ولا ترقى إلى كونها إطاراً فكرياً يتناول هدفها المعلن المتمثل في "تطبيق الشريعة"، ناهيك عن بيان تفاصيله.
ويقيناً أن هذه الأفعال التلقائية قد سمحت للجماعة بأن "تقدم نفسها باعتبارها الصوت المعبر والحقيقي الممكن أن ينقل الإسلام إلى جوهر كل منحى من مناحي الحياة" كما تقول بارجتر، ولهذا السبب استطاعت تحقيق الفوز في الانتخابات البرلمانية التي أعقبت الثورة في كل من تونس ومصر. ومع ذلك، فإن هذه الأفعال التلقائية لا تشكل فلسفة حكم، مثلما أن القدرة على الفوز في الانتخابات لا تعكس بالضرورة التأهل للحكم. وفي الوقت نفسه، لا تزال دون أي تغيير يذكر. فبدلاً من أن تتبني منهجية مد جسور النزعات "المحافظة" داخل جماعة التواصل مع الآخر التي يتبناها "التيار الإصلاحي"، استمرت في إعطاء الأولوية للجانب التنظيمي المتمثل في توطيد السلطة ولطالما تسببت هذه النزعة "المحافظة" في حدوث انشقاقات داخل صفوف الأخوان فانها تغضب المجتمع الأوسع الذي يتزايد تمرده ضد حكمهم.
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية

» الإخوان المسلمون.. نكبة التاريخ ومهازل الجغرافيا
» هيئة التنسيق: "الإخوان المسلمون" أفشلوا توحيد المعارضة السورية
» هل سيدفع “الإخوان المسلمون” ثمن “المصالحة” القطرية ا
» «الإخوان المسلمون».. من حسن البنّا إلى ورثته اليوم
» كيف يخترق الإخوان المسلمون المجتمع المدني في تونس