دام برس:
نقلت مصادر إعلامية عن الرئيس بشار الأسد قوله إن سوريا كانت «قادرة بسهولة على أن ترضي شعبها وتنفّس احتقانه واحتقان حلفائها وتشفي غليلها بإطلاق بضعة صواريخ على إسرائيل، رداً على الغارة الإسرائيلية على دمشق. هي تدرك أن الإسرائيلي لا يريد حرباً، وأنه في حال قيامها بردٍّ من هذا النوع، ستعتبر ضربة في مقابل ضربة. أصلاً الوضع الدولي لا يسمح بحرب لا تريدها أصلاً إسرائيل ولا أميركا. بذلك نكون قد انتقمنا تكتيكياً. أما نحن، فنريد انتقاماً استراتيجياً، عبر فتح باب المقاومة، وتحويل سوريا كلها إلى بلد مقاوم».
صحيفة الأخبار اللبنانية نقلت عن زوار الرئيس الأسد قوله: «بعد الغارة، بتنا مقتنعين بأننا نقاتل العدو الآن، نلاحق جنوده المنتشرين في بلادنا».
ويضيف الزوار أنفسهم أن الأسد أعرب عن «ثقة عالية جداً وارتياح وشكر كبيرين لحزب الله على عقلانيته ووفائه وثباته، ولذلك قررنا أن نعطيه كل شيء. بدأنا نشعر للمرة الأولى بأننا وإياه نعيش وحدة حال، وأنه ليس فقط حليفاً ورديفاً نساعده على مقاومته. وعليه، قررنا أنه لا بد أن نتقدم إليه ونتحول إلى دولة مقاومة تشبه حزب الله من أجل سوريا والأجيال المقبلة».
في هذا الوقت، نقلت الصحيفة عن مسؤول سوري رفيع المستوى أن تركيا دولة «كاذبة ومنافقة. لا يمكن الوثوق بها، حتى بالنسبة إلى الاتفاق الذي يجري الحديث عنه بين أنقرة والأكراد، لا نعتقد أنه سيطبق. أصلاً هناك خلاف بين الجيش التركي وحزب العدالة والتنمية حوله. (رئيس الحكومة رجب طيب) أردوغان ليس صادقاً في هذا الشأن، لا مع الجيش ولا مع حزب العمال الكردستاني. هناك قطبة خفية. أردوغان لن يتمكن من أن يفي بوعوده للأكراد». حديث يجد صداه لدى ملك الأردن الذي يشعر بأن «رائحة العثماني تفوح من المنطقة».
في المقابل، «لا توجد مشكلة، من أي نوع كانت، مع القيادة العراقية. واضح أن القطريين والأتراك هم من يلعب في الساحة العراقية حيث يثيرون الفتنة ويحاولون التخريب، أكثر بكثير مما تفعله السعودية. لكن العراقيين يبدو أنهم مسيطرون ويستطيعون تجاوز هذه المشاكل. لا يوجد أي عمق لما يسمى المعارضة العراقية. تركيا عاجزة عن أن تشكل رافعة لهم. كل الحكاية مجرد مال يصرف ويفعل فعله، وهذا لا يدوم»
كذلك الأمر بالنسبة إلى الروس. «هم صادقون جداً ومريحون جداً، ولا توجد أي مشكلة معهم. لكن العلاقة مع موسكو عكس ما يتصورها البعض. كلما ثبتنا نحن على مواقفنا، وكلما ثبتنا أقدامنا في الميدان، ثبتوا هم وانتزعوا توافقات من الأطراف الأخرى، وليس العكس. لا ننتظر شيئاً منهم، هم من ينتظرون مقدار تقدمنا على الأرض».
وفي ما يتعلق بمصر، يؤكد المسؤول السوري أن دمشق ترحب بعودة القاهرة لأداء دورها الإقليمي، خلافاً لموقفها من السعودية وقطر. هي مستعدة لأن تعيد فتح القنوات مع مصر بما يؤمن استعادة العلاقة الطبيعية معها، وهي تعطي الإيراني الضوء الأخضر للمضي في هذا الاتجاه تحت عنوان أن خطوة كهذه يمكن أن تؤدي إلى محاصرة الدور التركي.
وفي هذا الإطار، تبدو القناعة مشتركة بين طهران ودمشق بأن القاهرة «متضايقة جداً من الأتراك ومن القطريين، وهي مستعدة لمراجعة حساباتها كثيراً حول مواقفها السابقة من إيران ومن سوريا. بل إن القيادة المصرية مستعدة لأن تعيد النظر في سياساتها تجاه الداخل المصري، من علاقاتها مع الأزهر وأحزاب المعارضة، وطهران مستعدة لأن تؤدي دوراً في هذا السياق، من باب تزويدهم بخبرات لإعادة بناء الدولة». ولعل ما يساعد على هذا التقارب اقتناع المصريين بأنهم الأولى بتولي زعامة المنطقة بدلاً من الأتراك. يعتقدون أن «إيران ليست سوى أقلية شيعية في هذا البحر السني، وبالتالي ينبع الاستعداد المصري للتطبيع مع طهران من كون هذه الأخيرة لن تعامل القاهرة بعنجهية ولن تسرق منها الدور. أكثر طموحاتها هو أن تشاركها في قيادة المنطقة، خلافاً للتركي الذي ينافس مصر على الدور ويطمح إلى أن يسرقه منها».
بالنسبة إلى دول الخليج العربي، يرى المسؤول السوري أنها «تعيش عصر القبائل. هي لا تفهم منطق الدولة، وننصح من يحاورهم بألّا يتصرف معهم كأنهم دول. الحوار معهم بلا فائدة. نحن جربناهم. عليك أن تريهم العين الحمراء. انجح في سياساتك، يأتوا إليك صاغرين». وفيما يرى أن السعودية «في حال تصدع، موزعة أجنحة. ضياع للبوصلة وغياب للقرار بحكم أن الرأس في غيبوبة»، يؤكد المسؤول نفسه أن «الخط مفتوح مع الأردن على مستوى القيادة. الملك عبد الله لا يريد أن يرى سوريا مهددة، لكنْ هناك ضغوط هائلة واختراق أميركي إسرائيلي كبير. ومع ذلك، يبقى عدو الأردن قطر والسعودية والإخوان».
هنا يصل الحديث إلى قطر، التي تثير أيضاً انزعاج ملك الأردن والرئيس المصري محمد مرسي، على ما تفيد معلومات طهران ودمشق. «ما هي تلك الإمارة التي تريد أن تركّع جميع الدول العربية وقادتها بالمال؟». انزعاج يبدو أنه تحول إلى وباء معدٍ، وخاصة بعد الاستياء العارم، الذي مسّ حتى عدداً من الدول الخليجية، من أداء الدوحة خلال القمة العربية التي عقدت أخيراً في قطر. ومع ذلك، تفيد المعلومات المتوافرة لدى طهران ودمشق عن حال من الإحباط تصيب القيادة القطرية مما تعدّه «تراجعاً أميركياً وانكفاءً فرنسياً وتقدماً سعودياً» فاقمه السقف الذي رسمته التوافقات الروسية الأميركية الأخيرة.
ولعل هذا ما دفع حمد بن جبر آل ثاني إلى إبداء رغبته بزيارة طهران. ربما الانفتاح المصري الأخير على إيران أسهم في التعجيل بطلب الزيارة. مهما يكن من أمر، فإن كلاماً واضحاً ينتظر حمد في طهران: كفى لعباً ودماءً في سوريا والمنطقة. إذا كنتم تريدون دوراً في المنطقة فأهلاً وسهلاً بكم، ولكن بحسب حجمكم الطبيعي. معادلة الميدان تغيرت. حتى اليوم لم نشتبك معكم، لكنكم إذا رفضتم، فبإمكاننا محاصرتكم ومحاصرة دوركم... بإمكاننا أن نؤذيكم.
لكن يبدو أن دمشق فقدت الأمل من قادة قطر: هذا الرجل لا يسمع. يملأه الحقد. يبحث عن أي فرصة للطعن. انتهت إمبراطورية المال القطرية... إن الزمن يلعب لمصلحتنا.