اتفاق موسكو لانهاء الازمة السورية : خطوة اخيرة لرسم نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب
الخميس، 09 أيار، 2013
أوقات الشام
جمال داوود
قد يذهب الكثيرون ان اعلان موسكو اليوم على الاتفاق على خارطة طريق للخروج من الازمة السورية, لن تكون نهايته اقل سرعة مما الت اليه الاتفاقات السابقة بشان الازمة. ولكنني اعتقد ان هذا التشاؤم ليس في محله وان نهاية الازمة باتت اقرب من حبل الوريد.
فاعلان موسكو ياتي في وقت تتهاوى فيه المعارضة المسلحة في سوريا بسرعة قياسية فاجئت الجميع. فالجيش السوري يحسم الان في طول سوريا وعرضها والقرى والبلدات الاستراتيجية تشهد مجزرة تلو المجزرة في اعداد المرتزقة الذين يقتلون او يجرحون او يتم اسرهم. هذه المفاجئات التي اضطرت الداعم الاسرائيلي للتدخل المباشر بقصف بعض المواقع في العاصمة السورية لمنع انهيار سريع لهذه المجموعات. هذا التدخل الذي كاد يشعل المنطقة والعالم برمته ودفع الرئيس الروسي للاتصال برئيس الوزراء الاسرائيلي وتهديده بشكل مباشر بان اي اعتداء جديد سيرى امتناع موسكو عن تهدئة حلفائها ومنعهم من الرد القاسي, ان لم يشمل مشاركة روسية بالرد.
فبالاضافة الى اسباب اخرى ساذكرها لاحقا, جاء اتفاق موسكو بشكل عاجل وبطلب من الامريكي خوفا من انهيار المعارضة المسلحة في سوريا بشكل كامل. هذا الانهيار الذي سيضع امريكا بموقع محرج جدا في مفاوضات الرئيسين الروسي والامريكي المرتقبة في حزيران لرسم نظام عالمي جديد.
فاستمرار احتلال المسلحين لبعض المناطق الريفية في سوريا مهم لابقاء بعض اوراق الضغط في يد امريكا لتقايضها من اجل تحقيق مصالح هنا او هناك لها ولحلفائها. فلو استمر الحسم العسكري السوري بنفس الوتيرة وتم طرد المسلحين الى خارج سوريا او التخلص منهم نهائيا بالقتل او الاعتقال, فما هي اوراق القوة التي تملكها امريكا للتفاوض على مساحات نفوذ في المنطقة الغنية بالنفط والغاز؟
فمشروع السيطرة على مصر عن طريق تمكين الاخوان يواجه مشاكل هائلة وكل الدلائل تشير ان مصر مقبلة على مرحلة التخلص من سيطرة الاخوان نهائيا.
والمشروع الامريكي للسيطرة على تونس وليبيا واليمن وغيرها من دول ما يسمى "دول الربيع العربي" هو في طور الفشل الكبير, بالرغم من الفوضى الكبرى التي تسبب بها هذا الربيع القارص.
كما ان محاولات تدمير ايران عن طريق فرض عقوبات اقتصادية خانقة, فشل ايضا في تحقيق هدفه في تركيع ايران وتجويع شعبها لحثهم على الثورة ضد قيادتها على طريق "ربيع ايراني" مواز للعربي.
كما ان محاولات جر المنطقة الى فتنة طائفية مدمرة بائت بالفشل برغم كل المحاولات الحثيثة والاموال المرصودة والفضائيات المنفلتة من عقالها.
فلم يكن امام الادارة الامريكية الا احد خيارين, احلاهما مر للادارة وحلفائها:
فاما ان ترضخ للواقع الميداني وتقبل بالحل السياسي في سوريا, على طريق تسوية لكل المسائل العالقة ضمن مفاوضات رسم نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب ينهي رسميا التفرد الامريكي ويعيد العالم لتوازن قواعد الحرب الباردة.
او اشعال المنطقة والاقليم عن طريق توسيع المشاركة الاسرائيلية في الصراع العسكري في سوريا وما سينتج عن هذا التوسع من دخول حلفاء سوريا من ايران وحزب الله وفصائل فلسطينية على الخط لمنع اسرائيل من التمادي في عدوانها. كل ذلك سيستدعي دخول امريكا والناتو على خط الازمة لحماية امن اسرائيل الهش ومنع الكيان من الانهيار. وهذا سيستدعي تدخل روسي مع حلفائها.
الخيار الثاني يعتبر صعبا بسبب كلفته الاقتصادية على الدول الغربية والتي تعاني كلها من تباطؤ اقتصادي كبير.
كما ان جيوش الناتو المرهقة من حروب بوش الابن في العراق وافغانستان والتي تعاني انهيارا في المعنويات والامكانيات العسكرية الاستراتيجية تمنع هذا الخيار.
اذا اضفنا لكل ما تقدم الصلابة التي ابداها الجيش السوري والامكانيات الصاروخية الهائلة والقادرة على الوصول الى معظم العواصم الغربية, يمكننا استنتاج اسباب لجوء الامريكي لخيار الحل الديبلوماسي للازمة السورية. على انني كنت قد استنتجت مبكرا في عمر الازمة انه ليس امام امريكا والغرب سوى الرضوخ للحل الديبلوماسي بالشروط الروسية في كل ازمات المنطقة, فياتي اتفاق موسكو ليبرهن على صوابية ما ذهبت اليه باكرا.
قلنا ومنذ البداية ان من راهن علی اسقاط النظام السوري سيكتشف عاجلا وليس آجلا انه كان يراهن علی حصان خاسر. فالنظام السوري يختلف عن كل الانظمة في المنطقة. كما ان الظروف الدولية ليست في صالح امريكا وحلفائها من المتامرين على سوريا.
لا يغرن احد الاعلان المبكر لهيئات ما يسمى بالثورة السورية وما انبثق عنها من مجالس وائتلافات وهمية عن رفضها اتفاق موسكو لانه لا يضمن رحيل الاسد ورجاله. وكان هذه المجموعات تعيش على كوكب غير كوكبنا. فما هي انتصاراتها الميدانية ومقومات استقلالية قرارها لتعلن رفضها لما يقرره مشغليها في واشنطن ولندن. فهذه الهيئات تقتات على الدعم القطري-السعودي بقرار امريكي ولا يمكنها ان تعارض اي قرار يتخذه المشغل الامريكي.
فكم قرار اتخذت هذه الهيئات مخالف لاوامر مشغليها, ليعودوا عن هذه القرارات وبمجرد اشارة من احد موظفي الادارة الامريكية الصغار!!!
نتوقع ان الازمة ستنتهي بشكل سريع. فمن جهة, فان الضربات المتتالية الموجعه التي يقوم بها الجيش السوري ستعمل على انهاء الكثير من مظاهر العنف والخروج على الدولة. كما ان التقارب الامريكي – الروسي وبعد ان يتوج باتفاق نهائي على تقسيم العالم الى مناطق نفوذ سيؤدي الى تجفيف وسائل دعم المسلحين. هذا التجفيف الذي سيخنق الحركات المسلحة التي لن تجد مفرا من القاء سلاحها او الهجرة الى مناطق نزاع اخرى لتمارس عنفها لتحقيق اقامة امارة تعذر اقامتها في سوريا.
ما يعطي انطباعا قويا على هذا ان اتفاق موسكو كان له مفاعيل ايجابية سريعة, كما سيكون له مفاعيل اخرى لاحقا. فالدول الاوروبية مجتمعة اعلنت عن تاييدها للاتفاق وضرورة الحل السلمي. كما ان بعض دول المنطقة الداعمة للارهاب بدات وبشكل شبه فوري بتغيير لهجتها المعادية لسوريا والمليئة بالاتهامات المفبركة. كما ان اعداد القتلى التي تدعي قنوات الفتنة وعلى راسها قناة الجزيرة ان النظام السوري قتلهم اليوم قد انخفض بشكل دراماتيكي.
ندرك ان الشيطان يكمن في التفاصيل. وندرك ان العراقيل ستبدا في كل تفصيل سيتم مناقشته على طريق انهاء الازمة. لكننا ندرك ان فشل المتامرين وعلى مدار سنتي المؤامرة من تحقيق اي انجاز, لن يعطيهم الكثير من الافضلية او اليد العليا لتقرير شكل الحل في سوريا.