ريف القصير والغوطة الشرقية: تخاذل المليشيات المسلحة ومؤشرات الانهيار

ريف القصير والغوطة الشرقية: تخاذل المليشيات المسلحة ومؤشرات الانهيار

عندما تصل إلى الذروة .. ويكون عليك أن تتحرك .. فإنك إذا لم تستطع التقدم أكثر باتجاه الأعلى سيكون اتجاه حركتك الوحيد نحو الأسفل. قد يكون هذا حال الميليشيات المسلحة في سوريا التي كانت قوتها تتنامى بشكل مطرد يوماً بعد يوم، وكنّا نشاهد حركة انتشارها تتماوج آخذة في طريقها أريافاً كاملة ومعابر حدودية ومركز محافظة (الرقة)، وصولاً إلى أبواب العاصمة دمشق نفسها. ثم تعايشنا مع فترة تُقدَّر بالأشهر كانت المواجهات فيها محكومة بستاتكو ثقيل الوطأة، ترسمت خلالها حدود تماس وانفرزت مناطق نفوذ، وبعيداً عن متاهات النسب ومن يسيطر على نسبة من الأرض أكثر من الآخر، كانت المليشيات المسلحة خلال هذه الفترة في مأزق واضح فالنظام لم يسقط وهذا يفرض عليها أن تتحرك لأن سبب وجودها الرئيسي هو العمل على إسقاط هذا النظام، وبما أنها طوال فترة الستاتكو الماضية لم تستطع أن تقوم بحركة واحدة نحو الأعلى تخولها الإمساك بناصية النظام وإسقاطه، فقد كان من المحتم عليها أن تتحرك بالاتجاه الآخر نحو الأسفل.
كان حديث الرئيس بشار الأسد إلى فضائية الإخبارية السورية بمثابة كلمة السر التي أعطيت لقوات الجيش السوري للبدء بأشرس حملة عسكرية في ريف دمشق وريف حمص وريف إدلب، وقد كانت الوظيفة الأهم لهذه الحملة الناجحة بكل المقاييس أنها أظهرت للسوريين والعرب والعالم ما هو اتجاه حركة كل طرف ومن يتقدم ومن يتأخر ومن يرتفع ومن يسقط، ورأى الجميع أن الميلشيات المسلحة تتهاوى تدريجياً وتفقد أجزاء واسعة من مناطق نفوذها وسيطرتها في جميع الميادين التي شملتها الحملة العسكرية الأخيرة وخصوصاً في الغوطة الشرقية وريف القصير.
وهنا لا يستطيع المراقب إلا أن يلاحظ ظاهرة جديدة بدأت ملامحها تتبلور في ظل المعادلة الجديدة التي أطلقتها كلمة السر المتلفزة. وهي ظاهرة هامة تنطوي بشكل مباشر أو غير مباشر على تغيير جوهري في أولويات الميلشيات المسلحة فهي لم تعد تتطلع إلى التحرك وتحقيق هدف إسقاط النظام وإنما صار كل همها منصباً على كبح حركة سقوطها نحو الأسفل، ما يعني أن ما تملكه من قوة سوف تضطر إلى اجتراره في حرب استنزاف لم تكن مهيّأة لها ولم تدخل يوماً في حساباتها إذ طالما اعتقدت أن وصولها إلى نقطة النهاية لا يتطلب منها الكثير من الحسابات فكان حساب البيدر الذي انتهت إليه غير حساب الحقل الذي انطلقت منه بأحلامها الوردية.
وكان من الطبيعي والحال هذه أن يترافق إرساء المعادلة الجديدة مع انهيار واضح في معنويات قيادات وأفراد الميلشيات المسلحة، وهذا ما بدا واضحاً في معارك ريف القصير وأكدته معارك الغوطة الشرقية.
ففي ريف القصير وثّقت التنسيقيات المعارضة أن كتائب كبيرة من الجيش الحر على رأسها كتيبة الفاروق قد انسحبت من مطار الضبعة إلى البويضة الشرقية دون أن تشارك في الدفاع عن قرى القصير التي أعاد الجيش السوري بسط سيطرته عليها في زمن قياسي، وما زال صدى تنسيقية جوسية يتردد في الأجواء: "لم نترك أحداً إلا طلبنا منه الدعم والمؤازرة .. ولم يرد علينا أحد".
وبالأمس سمعنا نفس الصدى لأصوات استغاثة من تنسيقيات يلدا والعتيبة والنشابية إثر اقتحام العتيبة من قبل قوات الجيش النظامي، وقد وجهت التنسيقيات نداء استغاثتها إلى: "كافة الألوية والكتائب العاملة في الغوطة الشرقية.... إلى المجالس العسكرية في دمشق وريفها ... إلى مجلس مجاهدي دوما بكافة ألويته(( لواء الإسلام- لواء شهداء دوما - لواء أسود الغوطة - لواء توحيد الإسلام- لواء الفاروق - كتائب شباب الهدى- كتائب السيف الأموي- كتائب ثوار الغوطة الشرقية- كتيبة أسود الله ... إلى ألوية الحبيب المصطفى ... إلى ألوية أمهات المؤمنين إلى كل مجاهد في سبيل الله وحده .."
ومضمون البيان عبارات من أكثر العبارات يأساً وإحباطاً، منها "نقول لكم ... إن سقطت العتيبة ... سقطت الغوطة الشرقية بأكملها .. وحتى لا نقول نادمين مطأطئين الرؤوس .. (( ذبحنا يوم ذبحت العتيبة )) .. واعلموا أنه إذا سقطت العتيبة بيد نظام الأسد ... فليلبس الرجال أغطية الرأس وليظلوا في مخادعهم نائمين".
ويكشف النداء البائس وقائع تؤكد صحة ما ذهب إليه التحليل سابقاً من انهيار معنويات الميليشيات المسلحة وتخاذلها حتى عن الدفاع عن مناطق نفوذها، فيقول: "بالأمس تُحاصر إحدى الكتائب من قبل قوات النظام وتطلب المؤازرة ولا مجيب" ويضيف: "أصيب أغلب المجاهدين على جبهة العتيبة ... والألوية الأخرى والتي تعتبر أنها إسلامية تخزن السلاح والعتاد ويقبع رجالاتها في مزارعهم"
ويختم النداء بالقول: "إلى كل تشكيل عسكري نقول له: بلدة العتيبة ليست مجرد استوديو تصوير ... تأتي الكتيبة أو اللواء لتصور نفسها وتقوم ببضعة ضربات ثم تغادر".
وتعليقاً على هذا النداء كتبت الناشطة المعارضة أسماء الشيخ " من تنادون وهل بقي أحد من الجيش الحر في العتيبة .. انسحبو البارحة بسبب تخاذل الكتائب وعدم المؤازرة وإذا حدثت مجزرة بالغوطة لاسمح الله فإننا نحمل الكتائب الموجودة بالغوطة الشرقية كافة المسؤلية ودم الناس برقابهم".
هذه أمثلة قليلة من حقيقة ما حدث في كل من ريف القصير والغوطة الشرقية إثر اقتحامها من قبل قوات الجيش النظامي وتمكنه من السيطرة عليها في ظل تخاذل كتائب كثيرة من المليشيات المسلحة وفرارها من أرض المعركة، فهل بعد ذلك نستطيع أن نتعامى عن اتجاه حركة كل طرف.

» ‏موافقة المليشيات المسلحة بوقف القتال مقابل دخول الجيش الى القصير
» فشل هجوم مسلح على جرمانا ...و اشتباكات ضارية في منطقتي القلمون والغوطة الشرقية
» بالفيديو / رقص وفرفشة المليشيات المسلحة
» في عملية نوعية ..حزب الله يتجه لإنهاء المجاميع المسلحة في السلسة الشرقية
» ما تروج له بعض وسائل الاعلام عن سيطرة المجموعات المسلحة على قرى في الغوطة الشرقية هوعار عن الصحة