دام برس :
أحداثٌ جسامٌ مرَّت منذ بداية المؤامرة على سوريا التراب والانسان ، فُجبل ذاك التراب بدماء القتل بعد أن كان يغذىَّ عيشه من نمير الحياة . هذا ما أحاكه لنا اليهود وعملائهم صهاينة العربان . فهل نتخلى عن إرادتنا الحية لنخضع لإرادةٍ مؤداها الذل أو الموت . أم سنقاوم ؟ . نعم سنقاوم لأننا شعبٌ لم يعتد الخنوع . ونعلمُ كلنا بأننا نُرمى بالكيد لأننا متجزون لأننا مثمرون .
ولكن كيف يكتب النصر لهذه المواجهة ؟. والجواب " ألم يسهل كسر العيدان وهي فرادى وتعذر كسرها وهي مجتمعة ". فالمواجهة التي يستحيل معها الهزيمة لا تتحقق إلا بجمع الامكانات . بالتعاضد والتماسك ، بالتواحد والاعتصام بحبل الوطن . فبأي دينٍ أدّنا ومن أي مشربُ كنّا . شيءٌ واحدٌ وأكيدٌ يجمعنا هو الوطن . الذي عليه نحيا ومن وجوده نكّرم في الوجود .
فجلّ ما عمل عليه سفلة التآمر هو ضرب الثقة بين أبناء الأديم الواحد . ولا ننكر بأنهم حققوا شيءً ما من هذا . وأياً كان حجم ما تحقق إلا أننا يجب أن نعرف بأنه تحقق في مكان ما . فالواجب علينا اليوم هو إعادة البناء ، والبداية تكون من الجزء السليم لتقوية مناعته وتمكين روابطه ومن ثم وعبر مراحل سنتمكن من ترميم ما أصابوه .
والسؤال كيف تبنى الثقة ؟
الثقة أصلاً هي نهجٌ موجودٌ سائدٌ بيننا وإلا كيف كنا نعيش بمحبةٍ وإنسجام وكيف كنا مضرب المثل بالتآخي والاعتدال . وما حدث هو خللٌ في توازن الثقة في جهاتٍ محدودة من الوطن ، فلا إنتصار على المؤامرة إلا ببناء الثقة المستندة إلى أسسٍ ترعى بعدالةٍ طموحات وآمال أبناء الوطن وفق تراتبيةٍ بقواعد أربعة نقدمها كالآتي :
1- إستبعاد المعتقد الديني من معادلة التوافق الاجتماعي : لأن المعتقد هو رابط الانسان مع الخالق ولا يجب أن يكون منطلقاً للتقييم الانساني لأفراد المجتمع - بما يخص القضايا التشاركية الحياتية وعلاقات الترابط الاجتماعية- فالنسيج الاجتماعي السليم يبنى على تساوي الحقوق والواجبات وفقاً لسلمٍ فكري وإبداعي يكون هو معيار التمايز وليس أي معيار آخر. فمعادلة الدين المعاملة هي معادلة صحيحة وسليمة في بناء مجتمع تحكمه المساواة . أما معادلة المعاملة الدين فهي بذرة شيطانية ومرجعية فاسدة تتسلل الى المجتمع بعفويةٍ وإعتياديةٍ قائمةٍ على أساس التقييم المذهبي المتمنطق بالتآخي والمحبة وغيرها من العناوين البراقة لتصبح مستنداً للتقييم الانساني على أساس المعتقد بدل التقييم الفكري أو الإبداعي. لتصل للتكفير الذي ينتهي بالصدام ومن ثم القتل وتدمير الانسان والحضارة .
2- القضاء على الفساد : إستناداً الى الدور الأول فإن زج المعتقد في معادلة العيش المشترك هو أهم عوامل دعم الفساد ، فأبناء المعتقد الواحد يكونون أكثر تهيئةٍ للتغطية على أخطاء بعضهم البعض بدافع أخوية المعتقد. وكذلك تتولد لديهم روح الأنانية البشعة تجاه أبناء المعتقدات الأخرى . فيعتقدون بحقهم كأبناء معتقدٍ واحد بالمنفعة من المال العام فيما لا يرون حقاً لشركائهم بالوطن في ذلك . وهذا الأمر هو حقيقة لا يمكن إغفالها أو المجاملة فيها.
فالقضاء على الفساد يتم بتكوين ثقافة مواجهة إجتماعية تتيح الفرصة لكل شريفٍ يرغب في بناء مجتمعٍ قويم ، أن يسهم في محاربة الفساد وأن يكون رقيباً دافعه الحرص على مال الشعب وغايته رفعة الوطن وعزته ، وذلك لن يكون إلا بأنظمةٍ تتضمن ( إمتيازات وضمانات ) لأولئك الشرفاء . فالامتيازات تشجعهم على مواجهة الفساد أينما كان والضمانات تحميهم من المفسدين وجورهم . وهذا ينتج ثقافةً وطنية مسؤولة فيمسي الشعب كله كالكريات البيضاء تقضي على جراثيم الفساد حيثما وجدت. ويتطور ذلك ليرقى لدرجة المنافسة بين مكونات المجتمع ، للقضاء على هذه الآفة الخبيثة . فأي مؤسسة أو بنيةٍ تنظيميةٍ لمكافحة الفساد ستصبح جزءاً منه بعد حين وهذا ما أثبتته التجربة في سوريا كما في غيرها ، أي لا مناصى من تولي الشعب بكلتيه هذا الواجب . والقاعدة هنا تقول " الشعب يحاسب ، والدولة هي المحفذ والرادع ".
3- عدالة التوزيع : هذا الدور لا يمكن الوصول إليه بوجود معتقدٍ يفرز باقي أبناء المجتمع حسب قربهم أو بعدهم عن مكونه العقائدي . كما لا يمكن الوصول إليه بوجود فسادٍ هادمٍ للعدالة . فيجب أن تقام العدالة هنا على مرتكزٍ يحمل كلاً ما استطاع ويعطي لكلٍ ما احتاج. أما فروق الرفاهية بين شخص وآخر يكون سببها الوحيد تفاضل الجد والعمل الدؤوب . حينها يأخذ الفاعل المجد أكثر من اللامبالي المتكاسل . ويأخذ العالم أكثر من الجاهل . ويكون الشخص المناسب في المكان المناسب. فلن يمتعض أي شخص عند امتلاكه شيئاً من الضمير إن رأى أن من يتفوق عليه بجانب ما قد حظي بمكانة أفضل منه . وهذه صورة من صور الرضى عند تحقيق العدالة في التوزيع.
4- جسور التواصل الفكري الجامعة : إن تحقيق الثالوث السابق حسبما طرحنا من أدوار وقواعد مستندة الى تجارب حية ومعطيات أكاديمية مبنية على استراتيجيا بناء الشعوب ومواجهة الأزمات . سيولد " بالتلقائية نهجاً فكرياً جامعاً " تقام عليه جسور تواصل متينة تتصف بالمرونة لتعيش مع كل جيل ، بتجددٍ يصنعه أبناء ذاك الجيل لأنها ستكون مواكبةً لمتطلباته مهما تطاولت أماله .
ولا بد من الاشارة الى أن تولد " النهج الفكري بالتلقائية " هو ليس إلا قاعدةً لبناء جسور التواصل أي ليس الجسور نفسها .
فالجسور هي مزيج الترابط الاجتماعي المستند الى وحدة المصير وتلازم الآمال التي يبنيها شعبٌ يرى كل من فيه حق الآخر مثل حقه بلا أنينة ولا تفريق .
إن الأدوار المتتالية التي أوردناها هي خوارزمية منسجمة لبناء الثقة الدائمة ، مع الاشارة الى أنه لا يمكن أن يتم هذا البناء بأدواره المذكورة بتفضيل أو تسبيق أي منها على الآخر ، بل كما هي لأن كلٍ منها قاعدةٌ لما يليها فمضمون القواعد يتغير حسب حاجة المجتمع دون المساس بهيكليتها الأخلاقية . ولكن ترتيبها لا يمكن أن يتغير لأننا لا نستطيع بناء قاعدة في الهواء .
وأخيراً يجب علينا العمل فما شيدة حضارةٌ بالدعاء والتواكل . فالسهم الصائب لا يأتي من قوسٍ بلا وتر .
نعم عيوننا وصبة وأجسادنا تعبة ولكننا قومٌ آمنا بسيادة وطننا وعزة ترابه..
فسوريا اليوم تدعونا وتستحق منا بناء عزتها بالعمل والفكر والابداع .
ولنعلم جميعنا أن هذا البناء لا يأتي محمولاً على ظهورٍ عارية منحنية تلسعها سياط العبثية والجهالة بل يلزمه شرفاءٌ شعارهم ( نحن الحماة البناة ) .
الـدكــتور وائــل عــلي منصـــــــــور – إختصاصي إدارة إستراتيجية