امتحان الجيوش العربية ومرتبة الجيش السوري بينها
الأحد، 21 نيسان، 2013
أوقات الشام
بشار بشير
لعل أولى مظاهر التنظيم في بداية التجمعات البشرية هي وجود أفراد من الجماعة للدفاع عنهاضد أعدائها سواء كانو حيوانات مفترسة أو جماعات بشرية أخرى. وبتطور التجمعات البشرية تطور تنظيم المدافعين ليتحولوا إلى جيش وعلى الأغلب فإن أول جيوش في التاريخ هي جيوش حضارات شرق سورية وبين النهرين أي الجيش الأكادي والجيش الآشوري ( قد يكون معاصراً لهم الجيش الفرعوني و الجيش الصيني ) وأصبح للجيش وظيفتان رئيستان الدفاع عن مجتمعه و الهجوم على المجتمعات الأخرى (إذا كان تابعاً لمجتمع كبير وغني قادر على دعمه بشرياً ومادياً ) وتطورت أهمية الجيوش بسرعة لدرجة أن الجيش أصبح عماد الدولة فلا دولة بدون جيش ( في بعض الحالات أصبح يبنى الجيش ثم تصنع له دولة , إسرائيل مثلاً ) و تبدوا أهمية الجيش إذا لاحظنا أن أكثر من ثلثي التاريخ البشري هو تاريخ الجيوش , تاريخ حروبها وقادتها و تأثيرها الحاسم على الحياة البشرية . ترسخ وضع الجيش في العقل البشري لدرجة أن كثير من الحضارات والأمبراطوريات أخذت تقدم نفسها للبشرية عبر جيوشها ونشاطاتها الحربية رغم أنها تستطيع تقديم نفسها وبفاعلية بطرق أخرى كثيرة , عن طريق علومها أو فنونها أو صناعاتها أو أختراعاتها لكن الخيار الدائم هو الجيش وأقرب مثال لنا هو الولايات المتحدة الأمريكية .
في ثمانيات القرن الماضي رفعت أمريكا مستوى التحدي ضد ندَّها التقليدي في ذلك الوقت : الأتحاد السوفييتي عبر إطلاقها لما سمي حرب النجوم وهو برنامج عسكري عملاق ومتطور ومكلف لم يستطع الأتحاد السوفييتي المترنح وقتها مجاراته فأنهار ( موضوع الأنهيار أعقد من هذا لكن تهمنا هنا هذه الجزئية فقط ) . هذا الأنهيار أتاح لأمريكا أمرين الأول إنتشائها بنصرها شجعها على إطلاق مبادرات عسكرية كما تشاء وهي واثقة من تحققها . ثانياً : إزاحة خصمها الكبير سمح لها بإطلاق مبادرة عسكرية أستراتيجية أخرى وهي أن على الجيش الأمريكي أن يكون قادراً على خوض حربين رئيسيتين في مكانين مختلفين في وقت واحد .
حرب النجوم أختُبرت ونجحت عندما سقط السوفييت وأصبح من اللازم اختبار نظرية الحربين ويجب أن تكون النتيجة النجاح , لذا لابأس بقلبل من الغش أو خداع الذات ستخوض أميركا حربين ولكن ليس ضد جيوش عظمى وإنما ضد عصابات إرهابية في أفغانستان سندعي أنها خطيرة وقوية أكثر من جيش نظامي , وضد جيش كان في ما مضى من الأيام جيشاً عظيماً لكننا حاصرناه جوعناه حتى تقزم والآن سنحاربه إنه الجيش العراقي . ورغم ان المسرح كان معدا ليعرض نصراً مؤزراً إلا أن النتيجة لم تكن نجاحاً باهراً كانت شبه نجاح بطعم الهزيمة وهاهو الجيش الأمريكي ينكفئ الآن واضعاً لنفسه أهدافاً جديده هي مجابهة شرق آسيا لا أدري هل هو هدف حقيقي أم محاولة لرفع المعنويات عبر إيهام الذات بالقدرة على مقارعة الصين وروسيا وربما الهند قريباً . على كل بالنسبة لمنطقتنا بقي للجيش الأمريكي مشهد واحد تسدل بعده سورية و إيران الستارعلى هذا الجيش في الشرق الأوسط .
هل من جيوش أخرى يحسب لها حساب في المنطقة (الجيش بشكل طبيعي هو تعبير عن الدولة وواجهة لها ) .
الجيش التركي : يبدو أنه نمر من ورق عبر ثلاثين سنة لم يستطع سحب زمام المبادرة من ثوار فقراء ضعيفي الدعم هم أكراد تركيا و في الأمتحان الحقيقي في الأزمة السورية لم يستطع سوى استجداء دعم الناتو هو متنمر على بعض من حوله في أوقات معينة لكنه بالمجمل لا يرقى لمستوى الدعاية المثارة حوله .
الجيش الإيراني : الذي يبدوا أنه يسير حثيثاً ليصبح بين الجيوش العظمى (سواء استحوذ على سلاح نووي أم لا) وبرأي أغلب الخبراء فقد تجاوزجيوشاً عظمى كجيشي فرنسا وبريطانيا ومن نقاط قوته تحالفاته الاسترتيجية مع مجموعات خارج جغرافيته مما يمنحه ما يمكن تسميته أذرع خارجية فاعلة .
الجيش العراقي: ذهب ولم يعد ورغم إمكانات العراق الكبيرة فلا يبدوا أنه سيعود قريباً لعلها غياب الإرادة السياسية أو لعلها حالة الإنقسام الطائفي التي لاتسمح بببناء جيش عقائدي موحد.
الجيش المصري :أحد أعرق الجيوش في المنطقة ومن المفروض أن يكون أضخمها , لكنه مثال على مدى تأثير قصور الإرادة السياسية فهو مكبل مقيد اختصر حجمه ودوره ويبدو أن قيادته قد دُجنت أيضاً .
الجيش الليبي (سابقاً) صرفت ليبيا مبالغ طائلة و تدخلت عسكرياً في صراعات محلية ودولية محاولة خلق ولو ديكور جيش فلم تنجح وعند الامتحان سقط جيشها وكأنه صنع من رمل هو نفس الرمل الذي يطمر الطائرات الحربية الحديثة التي تصطف في مطاراتها الصحراوية دون عمل مجرد ديكورات منسية أو أوابد تذكر أن بناء الجيش يحتاج لعقائدية صارمة وعمل مستمر ليأتي لاحقاً التسليح والميزانيات الضخمة .
الجيش الجزائري رغم قلة مانعرفه عنه إلا أنه أثبت أن جيش حقيقي وصلب, دخل في امتحان صعب فرضته علية الجماعات الأسلامية المسلحة تعاونها مساحة البلاد الكبيرة وتضاريسها الصعبة لكنه نجح في الأمتحان لابد أن عقيدته الوطنية التي بناه عليها ثوار الجزائر أتت أكلها .
الجيش المغربي وجد نداً له هو انفصاليي البوليساريو وهو غارق معهم منذ أن بدأنا نسمع أخباره (أنا هنا أقيم الجيش وليس سياسة دولته وليس أفراده فأفراد الجيش المغربي ابطال خبرنا عزيمتهم عندما قاتلت فرقة التجريدة المغربية مع الجيش السوري في حرب تشرين)
الجيش السوداني كالجيش المغربي منغمس في نزاع إنفصالي يستنزف طاقاته ولا يستطيع وضع نهاية له .
جيوش الخليج ديكورات وأخبار إعلامية عن صفقات تسليح كبرى و مقاتلين هم عبارة عن موظفين عرب وآسيويين , وحقيقة لايمكن تجاوزها وهي أن مواطني دول الخليج جمعاً (عدا السعودية) لا يكفون لتشكيل جيش حقيقي .
الجيش السعودي لعله أغرب جيوش العالم فسنده البشري لا بأس بحجمه و سنده المادي ندر مثيله و كثير من السعوديون لا يمانعون القتال وهم فعلياً يقاتلون في أكثر من فصيل متطرف على امتداد العالم , لكن الجيش السعودي لم يستطع مقارعة قبيلة يمنية فقيرة مشتتة بين الجبال ( الحوثيون ) يذكرنا جيش السعودية بالجيش الليبي وديكوراته وببعض جيوش الخليج التي تعتمد على الموظفين من غير المواطنين , ولكن يبدوا أن للسعودية خطة لتعويض هزالة جيشها هي الشراء , شراء خدمات جيوش و تنظيمات و أفراد مقاتلين .
الجيش الإسرائيلي: هو سابقة في تاريخ الجيوش البشرية , عادة يحظى الجيش بدعم دولته إلا الجيش الأسرائيلي فهو يحظى بدعم كل دول العالم ,هو الجيش الوحيد الذي أنشئت له دولة لتحيطه بالحماية والرعاية بدل أن يكون العكس و هو يُدعى رسمياً جيش الدفاع رغم أن وظيفته الوحيدة هي الاعتداء والهجوم ,هو الجيش الوحيد الذي شاركت أمم الأرض بما فيهم أعداءه على تضخيم إنجازاته . . هو الجيش الذي يضم ثاني أشهر مجند في التاريخ ( جلعاد شاليط ) بعد اليوناني فيديبيدس الذي ركض الماراثون . هو الجيش الذي افتضح أنه طبل أجوف على يد ثلة من المقاومين العقائديين عام 2006 لتنتهي بسرعة أسطورة أستمرت ستين سنة . وليصبح الجيش الأسرائيلي كغيره من الجيوش مجهز ومدرب ولكنه قابل جداً للكسر هو ودولته الأكثر هشاشة منه .
الجيش السوري : لعل بدايته تعود للأكاديين وعقيدته تعود لأول حضارة زراعية أي لأساس ارتباط الأنسان بأرضه . ينطبق عليه ما ينطبق على سورية تاريخياً هو الجيش الذي قارع كل أمبراطوريات العالم ولم يسجل له أنه استسلم دون أن يقاتل ( دمشق مثلاً لم يذكر التاريخ أنها أستسلمت دون قتال ) تاريخه الحديث أود أن أقول أنه يعود لمعركة الكرامة معركة ميسلون ولكن رسمياً يبدأ تاريخه الحديث عام 1945 . تاريخ هذا الجيش غريب فهو من لحظة تأسيسه يتعرض للحروب ( هذا شيء طبيعي بالنسبة للجيوش ولكن ليس بهذه الكثرة والاستمرارية ) أما الغرابة فهي في كمية المؤامرات التي تعرض لها هذا الجيش حتى ممن يفترض أنهم حلفاؤه و الأغرب أنه صمد دائماً . سعت سورية دائماً لدعم جيشها رغبةً في أن يكون نداً لكل أعدائه ولكن قلة ذات اليد كانت دائماً عاملا معطلا , حتى أتى (أندروبوف ) زعيم الأتحاد السوفييتي وحرب 1982 حيث تلقى الجيش بعد هذه الحرب جرعة هامة من الدعم ترافقت مع نظرة استراتيجية أطلقها المرحوم حافظ الأسد وأسماها التوازن الاستراتيجي وتبين أنها استراتيجية عبقرية وناجحة أدت لأن يصبح الجيش السوري ليس رادعاً لأسرائيل فقط وإنما لقوى أعظم من إسرائيل كالناتو مثلاً ورغم أن الجيش السوري أثبت عبر تاريخه أنه جيش عقائدي وطني ,إلا أن الأزمة الأخيرة في سورية أثبتت بما لا يدع مجال للشك أنه جيش عظيم يُعتمد عليه وقادر على حماية وطنه . أستطاع الجيش السوري تماشياً مع الأزمة أن يحدث وبليونة مذهلة تعديلات بنيوية في تركيبته، استطاع تغيير منهجيته، من جيش يقاتل جيوشا نظامية على جبهات مفتوحة إلى جيش يقاتل إرهابيين في حرب مدن. استطاع وبسرعة مذهلة تغيير نمط حركته ( جريدة أجنبية قالت أن الخبراء العسكريون مذهولون لأن الجيش السوري أصبح يستطيع تحريك ونقل لواء كامل في ست ساعات ).. استطاع أن يتعامل مع تقنيات حديثة بحرفية تامة رغم قصر مدة التمرين وظروف الأزمة ( الحرب ) الضاغطة التي يواجهها . استطاع الصمود في وجه حرب عالمية بكل معنى الكلمة و التحضر لإنهائها منتصراً وهو بالتأكيد بنهاية هذه الأزمة سيجبر الجميع على تقديم الشهادة التي استحقها دائماً إنه جيش وطني عظيم .
الجمل