ماذا حصل في دمشق خلال الساعات القليلة الماضية، ولماذا جرى استهداف قيادات عسكرية أساسية في الدولة السورية، وهل ان ما يجري يقتصر على تخطيط من عصابات اسطنبول وتوابعها؟
من المؤكد بحسب معلومات لمصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع أن أحداث الأيام الماضية تشكل تعبيراً واضحاً عن الحرب الكونية التي يخوضها الحلف الأميركي ـ «الإسرائيلي» والغربي الخليجي ضد سورية دولة وقيادة وجيشاً بهدف إجراء خرق كبير يؤسس لإسقاط سورية بعد سقوط كل السيناريوهات الأخرى التي جرى اللجوء إليها في الأشهر الماضية
.
فالمعلومات التي استقتها القيادة السورية من جهات متعددة كانت تشير إلى أن الحلف التآمري كان يخطط لعملية عسكرية كبيرة في الأيام الأولى من شهر رمضان على مستوى العاصمة دمشق، ما يمكن وصفه «بلعبة الصولد» التي يمارسها «لاعبو القمار» بعد أن أفشلت سورية كل السيناريوهات الأخرى، وبالأخص محاولات السيطرة من قبل العصابات المسلحة على منطقة واسعة تشكل مرتكزاً ليس فقط لهذه العصابات، وإنما لكل أنواع المخابرات التي تتشارك مع المسلحين في التخطيط والإعداد للعمليات الإرهابية.
كما أن هذه العملية التي كان يُعَد لها في الغرف السوداء أشرفت عليها المخابرات الأميركية و»الإسرائيلية» مع جهات أخرى في تركيا والخليج، بحيث كان المطلوب إحداث مفاجأة في وجه القيادة السورية، فكانت العملية الإرهابية التي نفذت في مقر الأمن القومي ضد قيادات عسكرية من الصف الأول، على أن يحدث التفجير الإرهابي إرباكاً وضعضعة داخل القيادة. وبالترافق مع ذلك، تتحرك المجموعات المسلحة من بعض أحياء دمشق التي كانت قد تسللت إليها من مناطق عدة عبر البساتين والمناطق الريفية، بحيث يسعى هذا التحرك من الإرهابيين الى السيطرة على بعض أحياء العاصمة، ما سيؤدي إلى ـ ما كان يعتقده المخططون ـ حالة انهيار داخل الدولة.
إلا أن معرفة القيادة السورية بهذا المخطط دفعها للقيام بعملية هجوم معاكسة استهدفت أوكار الإرهابيين في بعض أحياء العاصمة خلال الأيام القليلة الماضية التي سبقت عملية التفجير الإجرامية في مقر الأمن القومي، وهو ما فاجأ المجموعات المسلحة والمشرفين على تحركها وخططها، فكان أن نجحت القوى الأمنية السورية في ساعات قليلة من ملاحقة معظم الأماكن التي يختبئ فيها الإرهابيون ما اضطر الجهات المخططة إلى الإسراع في تنفيذ عملية التفجير التي أريد منها القضاء على قيادات عسكرية أساسية وبالأخص استهداف اللواء آصف شوكت.
لذلك، فالسؤال الآخر ما هو المقصود من العملية المفاجئة التي كان يخطط لها المتآمرون وإلى أين يتوقع أن تذهب سورية؟
في معلومات المصادر أن المخطط الذي كان يعد لدمشق، ومعه التفجير الإجرامي أكد على مجموعة معطيات أهمها:
أولاً: لقد ثبت بالملموس أن الحلف الأميركي ـ «الإسرائيلي» ـ الخليجي يخوض معركة إسقاط المقاومة لأنه إذا ما سقطت سورية سيسقط الحاضن الأساسي لهذه المقاومة خصوصاً أن «إسرائيل» وحلفاءها في واشنطن والخليج أصبحوا قلقين جداً من تنامي ليس فقط المقاومة في لبنان وفلسطين، بل أيضاً من تنامي قوة الجيش السوري.
ثانياً: إن هذه الخطة تؤكد أن الغرب عاجز عن التدخل المباشر، وهو لذلك يساهم بصورة كبيرة في دعم وتسليح المجموعات المسلحة وإعداد الخطط لها، سعياً وراء إخضاع سورية وإسقاطها.
ثالثاً: لقد تأكد أن واشنطن والغرب ومعهما الخليج لا يريدون لخطة أنان أن تنجح ولا الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، بل يدفعون بكل إمكاناتهم لتصعيد الإرهاب إلى أقصى درجاته، علّهم بذلك ينالون من سورية وقيادتها، وبالدرجة الأولى من خلال محاولة ابتزاز روسيا للموافقة على تجديد مهمة المراقبين.
من كل ذلك، تشير المصادر الدبلوماسية الى ان القيادة السورية رغم عملية التفجير الإرهابية، استطاعت أن تسقط أولاً ما كان يخطط من سيناريو لاستهداف دمشق، واستطاعت ثانياً بوقت قليل استيعاب خسارة قيادات عسكرية أساسية، سواء من خلال قيام الرئيس الأسد بتعيين وزير جديد للدفاع أم من خلال الانتشار السريع للقوى الأمنية الذي حصل في بعض المناطق داخل العاصمة التي كان يمكن أن تستهدفها المجموعات المسلحة.
والقرار الآخر الذي توصلت إليه القيادة السورية بعد الذي جرى أنه لم يعد من الممكن التساهل مع المجموعات المسلحة أو إعطاؤها الفرص لإعادة تجميع نفسها. ولذلك، من المرجح أن يصار إلى استكمال تطهير بعض البؤر الإرهابية في أحياء معدودة في العاصمة خلال الساعات القليلة المقبلة التي لا تتعدى الـ48 ساعة. وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يكون الأسبوعان المقبلان حاسمين على صعيد ضرب تجمعات المسلحين في المناطق الأخرى، لأن المعركة لم تعد معركة مع مجموعات مسلحة، بل هي معركة جيوسياسية ـ استراتيجية مع كل الحلـف الأميركي ـ «الإسرائيلي» ـ الغربي ـ الخليجي
حسن سلامة - البناء.