دام برس:
إن تاريخ الإرهاب في الشرق الاوسط بدأ عام 1745 في منطقة وسط السعودية تسمى نجد(1) عندما أظهر رجل أسمه محمد بن عبد الوهاب دعوة دينية أسمها “الوهابية” تستمد بعض عقيدتها من الإسلام لكنها تقوم بالأساس على تكفير جميع المسلمين، وشكّلت هذه الدعوة أساساً لتحالف بن عبد الوهاب مع أبن سعود، وكان أهم بند فى هذا التحالف هو (الدم الدم، الهدم الهدم)، أعطى فيه أبن عبد الوهاب لأبن سعود ما أطلقوا عليه آنذاك (تشريع الأستحلال)
على أن يتم تكفير جميع المسلمين وجعل ذلك التكفير مبرراً دينياً لغزو وسبي نساء وأطفال غيرهم من المسلمين المسالمين ونهب أموالهم، هكذا قامت الدولة السعودية الأولى وبدأت عمليات الغزو والسلب والنهب وسفك الدماء، فى الجزيرة العربية وحول الخليج وفى العراق و بلاد الشام، إلى أن اضطرت الدولة العثمانية للاستعانة بواليها على مصر “محمد على باشا” فقضى على الدولة السعودية ودمر عاصمتها المسماة “الدرعية” سنة 1818.
لكن الذي لم ينتبه له “محمد علي باشا” هو أن القضاء العسكري على الدولة الوهابية-السعودية كان يجب أن يترافق مع مواجهة فكرية تعمل على تصحيح العقيدة التي قامت عليها الدولة، وهذا ما لم يفعله محمد علي باشا ولا الدولة العثمانية. وقد ترتب على هذا النقص فى المواجهة الفكرية للعقيدة الوهابية أن عادت الوهابية للإنتشار وفى غياب الدولة السعودية اكتسبت قوة أكثر إلى أن تمكن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود من إقامة الدولة السعودية مرة أخرى عام 1902، والتى لا تزال قائمة حتى اليوم. ومنذ ذلك الحين والوهابيون يفتكون بأمة الإسلام ((المسالمة لكل شعوب الأرض))، ينشرون فيها الكراهية والتطرف والإرهاب والفكر الأعوج، وينشرون مذهبهم الوهابي الإرهابي (على أنه هو الإسلام) فى كل أنحاء العالم، وذلك بالتعاون مع جماعة “الإخوان المسلمين” صنيعة الوهابية في مصر(2)، والطبعة العربية من الوهابية النجدية الأعرابية.
المرصد العربي للتطرف والإرهاب
الهوامش:
(1) نجد: هي منطقة وسط السعودية سكنها النجديون وهم من الأعراب الذين قال الله عنهم في كتابه الكريم (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) وقال تعالى فيهم ايضاً (إنما الأعراب أشد كفراً ونفاقاً)، ودليل نفاقهم هو أنهم:
دخلوا الإسلام نكاية بقريش في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
تحولوا إلى مرتدين عن الإسلام بعد دخول قريش إلى الإسلام.
عادوا إلى الإسلام بعد أن هزمتهم قريش.
أصبحوا فاتحين في عهد أبو بكر وعمر (رض).
ثاروا على عثمان (رض) وحاصروه وقتلوه.
خرجوا على علي ابن أبي طالب (رض) واتهموه بالكفر ثم قتلوه وأصبح أسمهم منذ ذلك الحين خوارج.
كل ذلك التقلب حدث خلال أقل من ثلاثين عاما ، من وفاة النبي محمد (صلعم) بتاريخ (11هـ، عام 632 ميلادي) إلى مقتل علي ابن أبي طالب على أيديهم بتاريخ (40هـ، عام 661 ميلادي).
(ملاحظة من المرصد العربي للتطرف والإرهاب) نحن لانكفّر اي إنسان لأننا لانملك الحق في ذلك، وبالتالي نحن لانكفّر سكان نجد الحاليين، وليس لنا علاقة بدينهم، بل نحن لسنا مهتمين إن كان لهم دين أم لا. أما السرد التاريخي هنا فقد اقتضته الحاجة.
(2) ظروف انتشار الفكر الوهابي في مصر:
كانت التصوف هو التدين السائد في مصر في بداية القرن العشرين تحت شعار السنة بشكل عام، مع وجود قلة قليلة من أنصار الوهابية. كان الوهابيون ينقمون على الشيعة والصوفية عبادتهم للأضرحة وتقديسهم للبشر، فيما كان الشيعة والصوفية ينقمون على الوهابيين استحلالهم لدماء المسلمين المسالمين وهدمهم لما يعتبرونه مقدسات.
وبين هؤلاء وأولئك برز عام 1905 صوت مجتهد هو صوت الإمام محمد عبده الذي انتقد الصوفية في تخلفهم العقلي، كما انتقد الوهابية في تزمتهم وتشددهم، ووضع أصولاً للإسلام تخالف الآيدولوجية الوهابية وهي:
1- قيام الايمان على العقل.
2- تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض بينهما.
3- الابتعاد عن التكفير.
4- التفكر بسنن الله في الخلق، أي الإستدلال العلمي.
5- هدم السلطة الدينية والدولة الدينية ، إذ ليس في الإسلام سلطة دينية. وإنما دولة مدنية، ولم يجعل الإسلام لأي فرد أو جماعة سلطة على العقائد وتقرير الأحكام.
6- حماية الدعوة لمنع الفتنة، فالقتال في الإسلام وجد فقط لرد الإعتداء وليس للإكراه في الدين.
7- مودة المخالفين في العقيدة.
8- الجمع بين مصالح الدنيا والآخرة، حيث أن النبي (صلعم) لم يقل بع ما تملك واتبعني، بل نهى عن الغلو في الدين، وأباح الزينة والطيبات. [الامام محمد عبده :الاسلام بين العلم والمدنية: 2/124:101.سلسلة التنوير. مصر: الهيئة العامة للكتاب:1993]
ورغم علو مكانة الإمام محمد عبده الدينية والسياسية ووجوده في مصر الأكثر انفتاحاً في العالم العربي آنذاك، إلا أن المناخ العام السائد أجهض دعوته، ومات يلعن الشيوخ الذين أضاعوا الإسلام.
من الناحية السياسية تمتع المصريون بنوع من الليبرالية السياسية بدأت مع عصر الخديوي اسماعيل وتطورت بعد دستور 1923 فى قيام حركة حزبية نشطة وبرلمان نشط وانتخابات وحرية صحافة لم يعرفها العالم العربى وقتها. إلا أن هذه الليبرالية المصرية حصرت العمل السياسى في الطبقة العليا من المجتمع ومعها بعض الشرائح العليا من الطبقة الوسطى. وجاء الجيل الجديد المتعلم من أبناء الطبقة الوسطى فلم يجد له متسعا في التوظيف أو العمل السياسى. وبجانب هذا القصور عن استيعاب الأجيال الصاعدة الطموحة كانت هناك ظاهرة أخطر هي انعدام العدل الاجتماعى ووجود فجوة هائلة بين الأغنياء والفقراء فأطلقوا عليه أسم (مجتمع الـ 0.5%) حيث كان يملك الثروة فى مصر نصف من واحد من مئة من عدد السكان، وهو نفس الحال اليوم. هذا الظلم الإجتماعى أدى إلى ظهور جيل جديد ساخط ومتمرد، هذا الظرف، مضافاً إليه التخلف الثقافي في الفقه الديني، خلق مناخاً ملائماً لنجاح الوهابية في غزو مصر دينياً، وكانت تلك البيئة المريضة مناسبة لنمو حركة الإخوان المسلمين وتطورها وتوسعها مستغلة اليبرالية السياسية التي كانت سائدة آنذاك. ومنذ سنة 1926 بدأت عملية تحويل التدين المصري السني الصوفي إلى تدين سني وهابي، ليكون العمق المصري الشعبي والحضاري امتداداً للدعوة النجدية الوهابية والدولة السعودية، وقد تسلل الفقه الوهابي إلى مصر عبر الطرق الاتية:
1- الجمعية الشرعية: أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي سنة 1913 على أساس الولاء المطلق للتصوف، وكتب أولى مؤلفاته: “أغلب المسالك المحمودية في التصوف والاحكام الفقهي”. ولكن في 1926 اتخذت مؤلفاته طابعاً جديداً تحت شعار الدفاع عن السنة، وبالطريقة الوهابية أخذ يهاجم التصوف تحت هذا الشعار، وفي هذا الإتجاه الجديد كتب 26 كتاباً إلى أن مات سنة 1931 وعلى طريقه سار أبنه أمين السبكي وكتب في الدعوة الوهابية تسعة من الكتب وتوفي سنة 1968.
وبالنفوذ والمال السعودي أنتشرت مساجد الجمعية الشرعية، وهي الآن أضخم جمعية في مصر، تسيطر على أكثر من ألفي مسجد وألوف الأئمة والوعاظ وملايين الأتباع وكانت ولا تزال الأحتياط الإستراتيجي للإخوان المسلمين، وهكذا فإن الجمعية الشرعية والإخوان المسلمون هم مادة الفكر الوهابي وحركته في المجتمع المصري.
2- جمعية أنصار السنة: أقامها في العام 1926 الشيخ حامد الفقي أحد الأزهريين، وقد أنشأ له عبد العزيز آل سعود منزلاً في حي عابدين كان مقراً للدعوة الوهابية، وتخصصت هذه الجمعية في نشر الفكر الوهابي ومؤلفات ابن تيمية وابن القيم، كما أنشأ مجلة الهدي النبوي سنة 1936 ولا تزال تصدر.
3- جمعية الشبان المسلمين: أنشأت عام 1927 وتولى رئاستها د.عبد الحميد سعيد. يغلب على هذه الجمعية الإتجاه الحركي وقد انتشرت وسط الشباب، وكان حسن البنا هو أهم الشباب فيها.
4- جماعة الإخوان المسلمين: أنشات عام 1928 وهي الإتجاه الحركي السياسي المسلح للحركة الوهابية في مصر، أنشأها حسن البنا بتوجيه من أعيان السعودية وأعمدة الدعوة الوهابية ومنهم حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز، ومحمد نصيف أشهر أعيان جدة وأبنه عبد الله نصيف الذي يتزعم رابطة العالم الاسلامي، والتي يتغلغل من خلالها النفوذ السعودي الى العالم الاسلامي حتى اليوم، وهي التي لعبت دورا في تجنيد الشبان للذهاب إلى أفغانستان وتدريبهم هناك. وقد اعترف حسن البنا في مذكراته (الدعوة والداعية) بصلته بالشيخ حافظ وهبة والدوائر السعودية، كما اعترف جمال البنا شقيق حسن البنا بالصلة بين شقيقه الاكبر ووالده والسلطات السعودية في كتابه (خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه). ويشير الدكتور محمد حسين هيكل في مذكراته عن السياسة المصرية إلى معرفته بالشاب حسن البنا في موسم الحج سنة 1936، وكيف أن حسن البنا كان وثيق الصلة بالسعودية ويتلقى منها المعونة، وكان البنا يمسك بيد من حديد بميزانية الجماعة، ولذلك فان الإنشقاقات عن الإخوان ارتبطت باتهام الشيخ حسن البنا بالتلاعب المالي وإخفاء مصادر تمويل الجماعة عن الأعضاء الكبار في مجلس الإرشاد (جمال البنا: خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه: 62، دار الفكر الإسلامى.د. محمد أبو الأسعاد: السعودية الإخوان المسلمون 67: 79) ومن خلال هذا الدعم المالي السعودي استطاع البنا، وهو المدرّس البسيط، أن ينشئ خمسين ألف شعبة للإخوان المسلمين فى مصر من الإسكندرية إلى أسوان، ومن مصر أمتدت هذه الحركة الإرهابية لتعم أغلب البلاد العربية بتسميات مختلفة بقي أبرزها على الدوام أسم (الإخوان المسلمين).
مراجع:
- جذور الإرهاب في العقيدة الوهابية والإخوان المسلمين للدكتور أحمد صبحي منصور